حكم من أفطر في شبابه أيامًا في رمضان ولا يذكر عددها

  • المفتى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
  • تاريخ الصدور: 12 أبريل 2023
  • رقم الفتوى: 7588

السؤال

ما حكم من أفطر أيامًا في شبابه ولا يذكر عددها؟ فهناك رجل كبير في السِّن يَذكر أنه عندما تزوج في شبابه أفطر السنة الأولى من زواجه أيامًا في رمضان لا يتذكر عددها، فماذا يفعل الآن؟

يجب على السائل الذي أفطر أيامًا عندما تزوّج في شبابه أن يقضي ما أفطره على كلِّ حالٍ، وما دام السائل ناسيًا لعدد الأيام التي أفطرها فإنه يقضي حتى يحصل عنده اليقين ببراءة ذمته وأنه قد وَفَّى بما عليه من أيام، فإن كان عاجزًا عن الصوم أخرج الفدية، كما أن عليه الكفارة إذا كان فساد صومه بسبب الجماع في نهار رمضان، والواجب إنما هو كفارة واحدة ولو في أيام متعددةٍ من الشهر.

المحتويات

 

حكم تعمُّد الفطر في نهار رمضان

من المقرر شرعًا وجوبُ صوم شهر رمضان على كلِّ مسلمٍ مكلَّف؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185]؛ قال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (1/ 369، ط. دار الكتب المصرية): [هذا إيجابُ حتْم على مَن شهد استهلال الشهر؛ أي: كان مقيمًا في البلد حين دخل شهر رمضان، وهو صحيحٌ في بدنه أن يصوم لا محالة] اهـ.

وتعمُّد الفطر في نهار رمضان كبيرةٌ من كبائر الذنوب؛ لأنَّ في ذلك انتهاكًا لحرمة الشهر، فقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلاَ مَرَضٍ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ».

قال الإمام ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 323، ط. دار الفكر): [الكبيرة الأربعون والحادية والأربعون بعد المائة: ترك صوم يوم من أيام رمضان، والإفطار فيه بجماع أو غيره بغير عذر؛ من نحو مرض أو سفر] اهـ.

بيان أن الجماع في نهار رمضان من مفسدات الصوم

من مفسدات الصوم بإجماع العلماء الأكلُ والشرب والجماع في نهار رمضان.

قال العلامة ابن المنذر في "الإشراف على مذاهب العلماء" (3/ 120، ط. مكتبة مكة الثقافية): [لم يختلف أهل العلم أن الله عزَّ وجلَّ حرَّم على الصائم في نهار الصوم الرَّفثَ، وهو الجماعُ، والأكل، والشرب] اهـ.

وقال العلامة ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 39، ط. دار الكتب العلمية): [واتفقوا على أن الأكل والشرب والجماع للمرأة إذا كان ذلك نهارًا بعمدٍ وهو ذاكر لصيامه فإن صيامه ينتقض] اهـ بتصرف.

حكم الزواج في شهر رمضان

عقدُ الزواج في شهر رمضان جائزٌ شرعًا، لكن العادة قد جرتْ بين الناس على تأجيل الدّخول إلى العيد؛ وذلك للاحتياط من تعريض الصوم للفساد بالجماع في نهار رمضان؛ ويستدل لذلك بما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل وهو صائم، ولكنَّه كان أملككم لإِرْبه".

وجه الدلالة: أن منعَ الصائم من تقبيل زوجته في نهار رمضان إنما هو لقاعدة سد الذريعة؛ قال الإمام أبو العباس القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3/ 163، ط. دار الكلم الطيب): [القبلة قد يكون معها الإنزال؛ فيفسد الصوم، فينبغي أن يُمنع ذلك حمايةً للباب] اهـ.

والشخص الذي يبدأ حياته الزوجية في رمضان يُخشى من وقوعه في المحظور وانتهاك حرمة الشهر، فكان ترك ذلك أولى؛ لمناسبته لحكمة مشروعية الصيام.

حكم الجماع في نهار رمضان، والواجب على من فعل ذلك

إذا أفطر الشخص أيامًا من شهر رمضان، وقد كان الحاصلُ أنه لم يُبيِّت نيةَ الصوم أصلًا، ثم جامع، فعليه قضاء ما أفطر، ولا كفارة عليه لجهله بأحكام الصيام، ومنها: حكم الجماع في نهار رمضان، وذلك قياسًا على حديثِ العهد بالإسلام؛ قال الشيخ أبو الحسن في "كفاية الطالب الرباني" (1/ 454-455، ط. دار الفكر): [(وإنما الكفارة على من أفطرَ متعمدًا بأكل أو شرب).. واحترز بالمتعمد من الناسي والجاهل] اهـ.

قال العلامة العدوي محشِّيًا: [قوله: (من النّاسي والجاهِل) أي: ناسي الحرمة وجاهلها وهو مَن لم يستند لشيء؛ كحديث عهد بالإسلام يظن أن الصوم لا يحرِّم الجماع مثلًا وجامع، فلا كفارة عليه، كما إذا جهل رمضان، وكما إذا أفطر يوم الشك قبل ثبوت الصوم] اهـ.

فإن كان الشخص عالمًا بحرمة الجماع في نهار رمضان، وقد بيَّت نية الصوم، ثم جامع زوجته، فقد فسَد صومُ كِلَا الزوجين، وعليهما قضاءُ هذا اليوم، والتوبةُ إلى الله تعالى، كما أن الزوج يلزمُه -زيادة على القضاء- الكفارةُ، وهي صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطعْ ذلك فليطعمْ ستين مسكينًا.

والدليل على ذلك: ما رواه البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هَلكْتُ. قال: «مَا شَأْنُكَ؟» قال: وقعتُ على امرأتي في رمضان، قال: «تَسْتَطِيعُ تُعْتِقُ رَقَبَةً»، قال: لا. قال: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قال: لا. قال: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قال: لا. قال: «اجْلِسْ» فجلس، فأُتي النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بعَرَقٍ فيه تمر -والعرق: المكتل الضخم- قال: «خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ» قال: أعلى أفقرَ منّا؟ فضحِك النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدتْ نواجذُه، قال: «أَطْعِمْهُ عِيَالَكَ».

قال العلامة ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 235، ط. الفاروق الحديثة): [وأجمع الجميع أن مَن جامَعَ بعد الفجر في رمضان أنه عاصٍ إذا كان عالمًا بالنَّهي عن ذلك، وعليه القضاء والكفارة، إلا أن يكون قدم من سفر فوافق زوجته قد طهرت من حيضتها، فاختلفوا فيما يجب عليه] اهـ. وانظر: "شرح النووي على مسلم" (7/ 224، ط. إحياء التراث العربي).

وأما إذا أفطر هذا الشخص بغير جماع؛ كأنْ أكل أو شرب ناسيًا لصومه، وظنَّ أنه قد أفطر بذلك لجهله بالحكـم، فجامع زوجته عامدًا، فعليه قضاء هذا اليوم، ولا كفارة بالإجماع، فإن علِمَ أنه لم يفطرْ بذلك، ثم جامع في نهار يومه، فعليه القضاء اتفاقًا، والكفارة أيضًا على قول بعض أهل العلم. انظر: "الإقناع لابن القطان" (1/ 234)، و"المجموع" للنووي (6/ 338، ط. دار الفكر).

فإن أفطر الشخص بغير الجماع متعمِّدًا، فالواجبُ عليه هو الإمساك بقية اليوم؛ لحرمة الوقت، وقضاءُ هذا اليوم فقط -على المختار للفتوى-، فإن جامع في نهار هذا اليوم أيضًا، لزمه القضاءُ فقط عند جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية خلافًا للحنابلة؛ قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (3/ 144، ط. مكتبة القاهرة): [أو أكل عامدًا، ثم جامع، فإنه يلزمه كفارة. وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا شيء عليه بذلك الجماع؛ لأنه لم يصادف الصوم، ولم يمنع صحته، فلم يوجب شيئا؛ كالجماع في الليل] اهـ.

والحكم بقضاء اليوم الذي أفطر فيه؛ هذا حيث كان قادرًا على الصوم، فإن لم يستطع القضاء فعليه الفدية؛ بإطعام مسكين عن كلِّ يومٍ، ولا تُقبل الفدية إلا لمن عجز عن الصيام تمامًا، ولم يعد قادرًا على صيام رمضان أداء، فيسقط عنه قضاء. أما إذا قدر، فلا يصح منه إلا الصيام.

حكم من جامع مرارًا في يوم واحد في رمضان

قد اتفق العلماء على أن من جامع مرارًا في يوم واحد أن الكفارة لا تعدَّد بتعدد الفعل، بل الواجب عليه كفارة واحدة؛ قال ابن عبد البر في "التمهيد" (7/ 181، ط. وزارة الأوقاف المغربية): [وأجمعوا على أن من وطئ في يوم واحد مرتين أو أكثر أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة] اهـ.

وعلَّل الفقهاء لزومَ كفارة واحدة إذا جامَعَ مرتين فأكثر بأن هذا الجماع الثاني لم يُصادف محلًّا؛ لفساد الصوم بالجماع الأول. انظر: "المجموع شرح المهذب" للنووي (6/ 336).

حكم من جامع مرارًا في أيام متعددة من شهر رمضان

اختلف الفقهاء فيمَن أفطر بالجماع مرارًا في أيام متعددة من شهر رمضان؛ قال ابن رشد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (2/ 68، ط. دار الحديث): [واختلفوا فيمن وطئ في يوم من رمضان ولم يكفر حتى وطئ في يوم ثان، فقال مالك والشافعي وجماعة: عليه لكل يوم كفارة، وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه كفارة واحدة ما لم يُكَفِّر عن الجماع الأول.

والسبب في اختلافهم: تشبيه الكفارات بالحدود، فمن شبَّهها بالحدود قال: كفارة واحدة تجزئ في ذلك عن أفعال كثيرة، كما يلزم الزاني جلد واحد، وإن زنى ألف مرة إذا لم يُحدّ لواحدٍ منها. ومَن لم يُشَبِّهْها بالحدود جَعَل لكلِّ واحدٍ من الأيام حكمًا منفردًا بنفسه في هتك الصوم فيه أوجب في كلِّ يوم كفارة.

قالوا: والفرقُ بينهما أن الكفارة فيها نوعٌ من القربة، والحدود زجرٌ محض] اهـ.

المختار للفتوى في كفارة من جامع مرارًا في رمضان

المختار للفتوى أن الواجب عليه كفارة واحدةٌ؛ لتداخل الكفارات ما أمكنَ، ولأن المعتبر في مشروعية الكفارة هو الجناية على الصوم بانتهاك حرمة الشهر، فلا تتكرر الكفارة؛ لأن الحرمة واحدة في كلٍّ. ولأن الكفارة عقوبة، والعقوبات تدرأ بالشبهات قياسًا على الحدود. انظر: "المبسوط للسرخسي" (3/ 74، ط. دار المعرفة).

على أن هذا التداخل مشروطٌ بألا يُجامع مرةً أخرى بعد أن يُخرج الكفارة الأولى، وإلا لم تكفِ واحدة؛ لعدم حصول الزجر المقصود بعودِه. انظر: "حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح" للشرنبلالي الحنفي (ص: 670، ط. دار الكتب العلمية).

وأما إذا كان المكلف قد تعلق بذمته قضاء لأيام لا يضبط عددها، فإنه يصوم حتى يتيقن براءة ذمته؛ لأن الأصل بعد تيقن الترك أنه مخاطب بالجميع، والأصل عدم أدائه له، فلزمه قضاء ما شك في أدائه.

الخلاصة

بناءً على ذلك فنقول في واقعة السؤال: على الرجل السائل وقد أفطر أيامًا عندما تزوّج في شبابه أن يقضي ما أفطره على كلِّ حالٍ، وما دام السائل ناسيًا لعدد الأيام التي أفطرها فإنه يقضي حتى يحصل عنده اليقين ببراءة ذمته وأنه قد وَفَّى بما عليه من أيام، فإن كان عاجزًا عن الصوم أخرج الفدية، كما أن عليه الكفارة إذا كان فساد صومه بسبب الجماع في نهار رمضان، والواجب إنما هو كفارة واحدة ولو في أيام متعددةٍ من الشهر.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة