مراعاة أصحاب الأعذار في خطبة الجمعة

  • المفتى: فضيلة الدكتور نصر فريد واصل
  • تاريخ الصدور: 15 أبريل 1997
  • رقم الفتوى: 3099

السؤال

طلب السائل من خطيب الزاوية التي يصلي بها بأن يقصر في الخطبة؛ لأنه رجل مسن عمره 80 عامًا، ويستند على عكازين، فرد عليه الشيخ وقال له: ليس لك صلاة، ودعنا نعلم الناس.
علمًا بأن السائل يقرر بأن خطبته تمتد أكثر من ساعة، ويقرر أنه تعرض للإهانة من ذلك الشيخ تمس شخصه.
ويطلب: هل من حق خطيب هذه الزاوية طرد شيخ مسن من مسجد لمجرد أنه طلب سرًّا منه عدم إطالة الخطبة لأكثر من ساعة رحمة بالمسنين والمرضى؟ وهل يحق لهذا الخطيب إهانة مسن والاستهزاء بمصلٍّ جاء إلى بيت الله يرجو رحمته ورضاه؟ وهل جعلت المساجد لذكر الله وعبادته أم للمجادلة والاستهزاء بكبار السن؟ وهل طلب التخفيف يوقف تعليم الناس كما اتهمه الإمام المذكور بأنه يقف عقبة في تعليم الناس؟ وبيان الحكم الشرعي.

يستحب للإمام أن يقصر الخطبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ» رواه مسلم، ويندب للإمام أن يخفف الصلاة بالمأمومين؛ لحديث: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ» رواه النسائي.
أما بخصوص ما ورد ذكره بالسؤال مما صدر من الخطيب: فلا يجوز لمسلم طرد مسلم من مسجد ولا إهانته ولا الاستهزاء بأي مصلٍّ ولو بكلمةٍ، فالمساجد لله وخصصت للعبادة، وطلب التخفيف في الصلاة وفي الخطبة ليس عقبة في سبيل تعليم الناس، فتعليمهم يكون بالدروس في المساجد والوعظ والإرشاد، ويجب أن يكون الرد على المصلين بالقول الحسن والكلمة الطيبة والتعاون على البر والتقوى كما قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125].

أجمع العلماء على أن صلاة الجمعة فرض عين، وأنها ركعتان؛ لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: 9]، وأن صلاة الجمعة تجب على المسلم الحر البالغ العاقل المقيم القادر على السعي إليها الخالي من الأعذار المبيحة للتخلف عنها، وأما من لا تجب عليهم صلاة الجمعة فمنهم المرأة والصبي، وكذلك المريض الذي يشق عليه الذهاب إلى الجمعة، أو يخاف زيادة المرض، أو بطأه، أو التأخير في شفائه؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِى جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ» سنن أبي داود، وكذلك المسافر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره، وكذلك المدين والمعسر والذي يخاف الحبس؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ» قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: «خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ؛ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى» رواه أبو داود، وكل هؤلاء لا جمعة عليهم، وإنما يجب عليهم أن يصلوا ظهرًا، ومن صلى منهم الجمعة صحت منه وسقطت عنه فريضة الظهر.
وبناءً على ذلك: فحيث إن الشيخ المسن قام بالذهاب إلى المسجد، وصلى الجمعة صحت منه، وسقطت عنه فريضة الظهر، وأخذ ثواب الجمعة والجماعة، ويستحب للإمام أن يقصر الخطبة ويهتم بها؛ لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «أَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ» رواه مسلم، وألَّا يكون التطويل يشق على المسلمين ولا يضرهم، ويندب للإمام أن يخفف الصلاة بالمأمومين؛ لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» رواه النسائي، هذا بيان الحكم الشرعي.
أما بالنسبة لباقي الأسئلة كطرد شيخ مسن من مسجد لمجرد أنه طلب من الإمام سرًّا بينه وبين الإمام عدم إطالة الخطبة، أو إهانته والاستهزاء بمصلٍّ جاء إلى بيت الله وغير ذلك نفيد بالآتي: إذا ثبت ذلك، وكان الحال كما ورد بالسؤال فذلك غير جائز شرعًا؛ لأنه لا يجوز لمسلم طرد مسلم من مسجد، ولا إهانته ولا الاستهزاء بأي مصلٍّ ولو بكلمة نابية، وأن المساجد لله وخصصت للعبادة، وأن طلب التخفيف في الصلاة وفي الخطبة لا يكون عقبة في سبيل تعليم الناس، وأن تعليمهم أيضًا يكون بالدروس في المساجد، وبالوعظ والإرشاد، وبقراءة الكتب الدينية، ويجب أن يكون الرد على المصلين بالقول الحسن، وبالكلمة الطيبة، والمعاشرة الجميلة، وتبادل المصالح، والتعاون على البر والتقوى، ويدعو إلى السلام؛ قال الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]، وأن العلاقة بين الإنسان وأخيه علاقة سلام وأمان؛ لأنه يحس بإحساسه، ويشعر بشعوره «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» رواه مسلم. ومما ذكر يعلم الجواب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة