مريض يعاني من سقوط شَرَجي نازف مزمن يُحدِث له إجهادًا مع كل عملية تبرز؛ نتيجة لتضخم وانتفاخ الشَّرَج بسبب الارتشاح المائي، كما يعاني أيضًا من انتفاخ بطني بصفة دائمة يخرج معه ريح فجائي لا يستطيع التحكم فيه؛ مما يمنعه من صلاة الجماعة وحضور الجمعة خوفًا من تعرضه للحرج، وقد يقوم أحيانًا بالجمع بين الصلاة جمعَ تأخير.
فما الطريقة الشرعية الصحيحة لطهارة هذا المريض ووضوئه وصلاته؟
يُعَدُّ صاحب الحالة المذكورة بالسؤال من أصحاب الأعذار وقت استمرار حدَثه، وعليه أن يتوضأ لكل صلاة من غير أن يتكلف لإزالة ما علق بالبدن والثياب من خبث؛ ما دام يغلب على الظن استمرار نزوله وقت أداء الصلاة.
كما ينبغي عليه أن يصلي بالهيئة التي يقل أو يرتفع بها عذره ولو بالإيماء؛ إن كان يحصل به ذلك.
وتسقط عنه صلاة الجماعة والجمعة، ويصليها في بيته ظُهْرًا. ويجوز له أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، وله أن يصلي الظهر والمغرب في آخر وقتهما والعصر والعشاء في أول وقتهما جمعًا صوريًّا كما ذهب إليه السادة المالكية.
الحكم الشرعي لمن عجز عن تحصيل الطهارة لاستمرار حَدَثِهِ هو الوضوء لكل وقت صلاةٍ مرةً واحدة، ولا يلزمه شرعًا إزالة النجاسة لكل وقت، فإذا اتفق وضوؤُه لوقت صلاةٍ وانقطع حدثه حتى دخل في وقت الصلاة التي تليها لم يجب عليه إعادة الوضوء ما دام قد أتم الصلاة خاليًا من الحدث.
أما إزالة النجاسة عن الثوب والبدن والمكان ونحوه فلا تجب إذا غلب على ظنه أن الموضع يتنجَّس مرةً أخرى قبل تمام الصلاة، فإن غلب على ظنه أن الموضع يظل طاهرًا حتى يتم صلاته وجب عليه أن يزيل النجاسة.
قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 305-306، ط: دار الفكر): [وصاحب عُذرٍ: مَنْ به سَلَس بول لا يمكنه إمساكه أو استِطْلاقُ بطنٍ أو انفِلاتُ ريحٍ أو استحاضةٌ أو بعينه رَمَدٌ أو عَمَشٌ أو غَرَبٌ، وكذا كل ما يَخرُج بِوَجَعٍ ولو من أُذُنٍ وثَدْيٍ وسُرَّة إن استوعب عذرُه تمامَ وقت صلاةٍ مفروضة بأن لا يجد في جميع وقتها زمنًا يتوضأ ويصلي فيه خاليًا عن الحدث ولو حُكمًا؛ لأن الانقطاعَ اليسير مُلحَقٌ بالعدم، وهذا شرط العذر في حق الابتداء، وفي حق البقاء كَفَى وجوده في جزءٍ من الوقت ولو مرةً، وفي حقِّ الزوال يُشترط استيعابُ الانقطاع تمامَ الوقت حقيقةً؛ لأنه الانقطاع الكامل وحكمه الوضوء لا غَسْلُ ثوبِهِ ونحوه لكل فرض اللام للوقت -كما في: ﴿لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: 78]- ثم يصلي به فيه فرضًا ونفلًا فدخل الواجب بالأولى، فإذا خرج الوقت بَطَل أي: ظَهَر حدثه السابق، حتى لو توضأ على الانقطاع ودام إلى خروجه لم يبطل بالخروج ما لم يطرأ حدث آخر أو يسيل كمسألة مسح خفه، وأفاد أنه لو توضأ بعد الطلوع ولو لعيد أو ضحى لم يبطل إلا بخروج وقت الظهر، وإن سال على ثوبه فوق الدرهم جاز له أن لا يغسله إن كان لو غسَله تنجس قبل الفراغ منها أي: الصلاة وإلا يتنجس قبل فراغه فلا يجوز ترك غسله، هو المختار للفتوى] اهـ.
ويستوي في هذا الحكم أصحاب الأعذار؛ من دماءٍ وقيحٍ، وصديدٍ، وماء جرحٍ، وماء عيْنٍ وأذُنٍ وثديٍ؛ قال العلامة ابن عابدين في "حاشيته" عليه (1/ 305): [في "المجتبى": الدم والقيح والصديد وماء الجرح والنفطة وماء البثرة والثدي والعين والأذن لعلة سواء على الأصح. اهـ.] اهـ.
وأما إن طرأ على السائل حدثٌ غير المذكور في السؤال؛ كقَيْء أو جرحٍ خرج منه دمٌ كثير أو حجامة فإنه يجب عليه أن يتوضأ للحدث الآخر الطارئ وضوءًا آخر لرفعه، ولا يجزئه الوضوء الأول؛ قال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (1/ 307): [والمعذور إنما تبقى طهارته في الوقت بشرطين: إذا توضأ لعذره ولم يطرأ عليه حدث آخر، أما إذا توضأ لحدثٍ آخر وعذره منقطع ثم سال، أو توضأ لعذره ثم طرأ عليه حدث آخر، بأن سال أحد منخريه أو جرحيه أو قرحتيه ولو من جدري ثم سال الآخر فلا تبقى طهارته] اهـ.
كما يجب على المريض المعذور التقليل من عذره ما أمكنه ذلك؛ فإذا كان عذره ينقطع إذا صلى جالسًا أو مُومئًا فإنه يجب عليه أن يصلي كذلك حتى يخرج من حكم ذوي الأعذار؛ قال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (1/ 307-308): [(فروع) يجب رد عذره أو تقليله بقدر قدرته ولو بصلاته موميًا، وبرده لا يبقى ذا عذر] اهـ.
وأما صلاة الجماعة: فإنها مستحبة عند الجمهور، ويجوز تركه لها قولًا واحدًا على القول بوجوبها؛ لكونه من أصحاب الأعذار.
وأما صلاة الجمعة: فإنه من المقرر في الفقه أن كل ما أمكن تصوره في الجماعة من الأعذار المرَخِّصَة في تركها فإنه يرخِّص في ترك الجمعة، وقد نص النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم على سقوط صلاة الجمعة عن المريض، ويصليها ظهرًا؛ فأخرج أبو داود في "سننه" عن طارق بن شهاب، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ»، قال أبو داود: طارق بن شهاب، قد رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يسمع منه شيئًا.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى رضي الله عنه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين؛ فقد اتفقا جميعًا على الاحتجاج بهريم بن سفيان، ولم يخرجاه، ورواه ابن عيينة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر؛ ولم يذكر أبا موسى في إسناده، وطارق بن شهاب ممن يعد في الصحابة. قال الذهبي: صحيح.
وأما الجمع بين الصلاتين لعذر المرض فجائز عند الحنابلة وبعض الشافعية.
يقول البهوتي في "كشاف القناع" (2/ 5 بتصرف، ط: دار الكتب العلمية): [(يجوز) الجمع (بين الظهر والعصر) في وقت إحداهما (و) بين (العشاءين في وقت إحداهما)...(و) الحالة الثانية (المريض يلحقه بتركه) أي الجمع (مشقة وضعف)؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع من غير خوف ولا مطر، وفي رواية: من غير خوف ولا سفر. رواهما مسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، ولا عذر بعد ذلك إلا المرض، وقد ثبت جواز الجمع للمستحاضة وهي نوع مرض، واحتج أحمد بأن المرض أشد من السفر واحتجم بعد الغروب ثم تعشى ثم جمع بينهما] اهـ.
وقال النووي في "روضة الطالبين" (12/ 401، ط: المكتب الإسلامي): [المعروف في المذهب: أنه لا يجوز الجمع بالمرض ولا الخوف ولا الوحل. وقال جماعة من أصحابنا: يجوز بالمرض والوحل. ممن قاله من أصحابنا: أبو سليمان الخطابي والقاضي حسين، واستحسنه الروياني. فعلى هذا يستحب أن يراعي الأرفق بنفسه، فإن كان يُحَمُّ مثلًا في وقت الثانية قدَّمها إلى الأولى بالشرائط المتقدمة، وإن كان يُحَمُّ في وقت الأولى أخرها إلى الثانية. قلتُ: القول بجواز الجمع بالمرض ظاهر مختار، فقد ثبت في "صحيح مسلم": أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر. وقد حكى الخطابي عن القفال الكبير الشاشي، عن أبي إسحاق المروزي جواز الجمع في الحضر للحاجة من غير اشتراط الخوف، والمطر والمرض، وبه قال ابن المنذر من أصحابنا. والله أعلم] اهـ.
وأجاز المالكية للمريض الجمع الصوري بأن يصلي الأولى في آخر وقتها والثانية في أول الوقت خروجًا من الخلاف في جواز الجمع بالمرض. يقول الخرشي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 68 بتصرف، ط: دار الفكر): [وكالمبطون ثاني أسباب الجمع أي الجمع الصوري، وليس الحكم مخصوصًا بالمبطون، بل يشاركه فيه كل من تلحقه المشقة بالوضوء أو القيام لكل صلاة، فإن كان الجمع للمريض أرفق به لشدة مرض أو بطن منخرق من غير مخافة على عقل جمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر وبين العشاءين عند غيبوبة الشفق] اهـ.
وبناءً على ما سبق: فإن صاحب الحالة المذكورة في السؤال يُعَد من أصحاب الأعذار وقت استمرار حدَثه، وعليه أن يتوضأ لكل صلاة من غير أن يتكلف لإزالة ما علق بالبدن والثياب من خبث؛ ما دام يغلب على الظن استمرار نزوله وقت أداء الصلاة.
كما ينبغي عليه أن يصلي بالهيئة التي يقل أو يرتفع بها عذره ولو بالإيماء؛ إن كان يحصل به ذلك.
وتسقط عنه صلاة الجماعة والجمعة، ويصليها في بيته ظُهْرًا.
ويجوز له أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، وله أن يصلي الظهر والمغرب في آخر وقتهما والعصر والعشاء في أول وقتهما جمعًا صوريًّا كما ذهب إليه المالكية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.