حكم التوكيل في رمي الجمرات في الحج

  • المفتى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
  • تاريخ الصدور: 29 مايو 2024
  • رقم الفتوى: 20820

السؤال

ما حكم توكيل كبار السن والمرضى والنساء غَيْرَهم في رمي الجمرات عنهم؟
 

التوكيل في رمي الجمار بالنسبة لكبار السن والمرضى والنساء جائز شرعًا، ودليل ذلك أنه تجوز الاستنابة في الحج، فالاستنابة في الرمي جائزةٌ من باب أولى؛ لأن الحج رميٌ وزيادة، وهي رخصة لأهل الأعذار، ولا حرج عليهم، ولا يلزمهم بذلك فدية.

المحتويات

 

المقصود برمي الجمرات وحكمها في الحج

المقصود بالرمي في باب الحج عند الفقهاء: القذف بالجمرات وهي الحصاة الصغيرة، في زمانٍ مخصوصٍ، ومكانٍ مخصوصٍ، وعددٍ مخصوصٍ، كما في "بدائع الصنائع" للإمام علاء الدين الكاساني (2/ 137، ط. دار الكتب العلمية).

وقد أجمع الفقهاء على أن رمي الجمرات واجبٌ من واجبات الحج، يلزم من تركه بدون عذر فدية؛ قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (17/ 255، ط. وزارة الأوقاف بدولة المغرب): [أجمع العلماء على أن من فاته رمي ما أمر برميه من الجمار في أيام التشريق حتى غابت الشمس من آخرها وذلك اليوم الرابع من يوم النحر وهو الثالث من أيام التشريق فقد فاته وقت الرمي ولا سبيل له إلى الرمي أبدًا، ولكن يجبره بالدم أو بالطعام على حسب ما للعلماء في ذلك من الأقاويل] اهـ.

حكم التوكيل في رمي الجمرات لأصحاب الأعذار

من المقرر شرعًا أنَّ الأصل في العبادات البدنية أنه لا تجوز فيها النيابة، إلا ما استثناه الشرع الشريف، ومن ذلك الحج؛ فهو قابلٌ للنيابة عن الغير إذا كان صاحب عذر، فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: "أنَّ امرأةً قالت: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ" أخرجه الشيخان.

وإذا كان الحج في عمومه يقبل الإنابة فكذلك واجباته، وفي هذا المعنى يقول إمام الحرمين الجويني في "نهاية المطلب في دراية المذهب" (4/ 327، ط. دار المنهاج): [ومن المقاصد أن الناسك لو عجز عن الرمي بنفسه، فله أن ينيب غيرَه مناب نفسه؛ فإن الاستنابة إذا جرت في أصل الحج، فجريانها في أبعاض المناسك غيرُ ممتنع] اهـ.

والأصل أن الحاج هو الذي يباشر الرمي بنفسه ما دام قادرًا عليه بحيث لو تركه بدون عذر لزمته الفدية، إلا أنه يجوز له عند وجود عذرٍ أنْ يُنيب غيره فيه، ولا فدية عليه حينئذٍ عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، خلافًا للمالكية الذين ذهبوا إلى وجوب الدم على العاجز لعدم مباشرة الرمي بنفسه، وغاية جواز الإنابة هي سقوط الإثم عن العاجز، والدم دم جبران لترك النسك وهو الرمي بالنفس، فإن عجز عنه صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، فإن لم يصم الثلاثة في الحج صام العشرة إذا رجع، إن شاء وصلَ الثلاثة بسبعة أو لم يصل.

قال العلَّامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 137): [سواء رمى بنفسه أو بغيره عند عجزه عن الرمي بنفسه كالمريض الذي لا يستطيع الرمي فوضع الحصى في كفه فرمى بها أو رمى عنه غيره؛ لأنَّ أفعال الحج تجري فيها النيابة كالطواف والوقوف بعرفة ومزدلفة] اهـ.

وقال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته "رد المحتار" (2/ 512، ط. دار الفكر): [(قوله: لا شيء عليه) وكذا كل واجبٍ إذا تركه بعذر لا شيء عليه كما في "البحر"] اهـ.

وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (3/ 280، ط. دار الغرب الإسلامي): [الأعمال البدنية لا تدخلها النيابة؛ لكن لما قال بعض السلف يرمى عنه فعل ذلك استحبابًا ووجب الدم لترك النسك، ويرمي عنه من قد رمى عن نفسه] اهـ.

وقال العلَّامة الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 48، ط. دار الفكر): [(ويستنيب) العاجز من يرمي عنه، ولا يسقط عنه الدم برمي النائب، وفائدة الاستنابة سقوط الإثم، (فيتحرى) العاجز (وقت الرمي) عنه، (ويكبر) لكل حصاة، كما يتحرى وقت دعاء نائبه ويدعو، (وأعاد) الرمي (إن صح قبل الفوات) الحاصل (بالغروب من) اليوم (الرابع)، فإن أعاد قبل غروب الأول فلا دم، وبعده فالدم] اهـ.

وقال الإمام أبو بكر ابن يونس التميمي المالكي في "الجامع لمسائل المدونة" (5/ 599، ط. دار الفكر): [وكل هدي وجب على من تعدى ميقاته، أو تمتع، أو قرن، أو أفسد حجه، أو فاته الحج، أو ترك الرمي، أو النزول بالمزدلفة، أو نذر مشيًا فعجز عنه، أو ترك شيئًا من الحج فجبره بالدم، فله إذا لم يجد هديًا صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع... فإن لم يصم الثلاثة الأيام حتى مضت أيام التشريق صام بعد ذلك إن شاء وصل الثلاثة بسبعة أو لم يصل] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" 8/ 245، ط. دار الفكر): [استدل أصحابنا على جواز الاستنابة في الرمي بالقياس على الاستنابة في أصل الحج. قالوا: والرمي أولى بالجواز] اهـ.

وقال أيضًا في (8/ 243): [قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله العاجز عن الرمي بنفسه لمرض أو حبس ونحوهما يستنيب من يرمي عنه؛ لما ذكره المصنف، وسواء كان المرض مرجو الزوال أو غيره؛ لما ذكره المصنف، وسواء استناب بأجرة أو بغيرها وسواء استناب رجلًا أو امرأة] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 427، ط. مكتبة القاهرة): [إذا كان الرجل مريضًا أو محبوسًا أو له عذر، جاز أن يستنيب من يرمي عنه] اهـ.

الخلاصة

بناء على ما سبق؛ فالتوكيل في رمي الجمار بالنسبة لكبار السن والمرضى والنساء جائز شرعًا، ودليل ذلك أنه تجوز الاستنابة في الحج، فالاستنابة في الرمي جائزةٌ من باب أولى؛ لأن الحج رميٌ وزيادة، وهي رخصة لأهل الأعذار، ولا حرج عليهم، ولا يلزمهم بذلك فدية.

والله سبحانه وتعالى أعلم

فتاوى ذات صلة