حكم غسل ظاهر العين وباطنها في الوضوء

  • المفتى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
  • تاريخ الصدور: 04 سبتمبر 2023
  • رقم الفتوى: 7969

السؤال

سائل يقول: أخبرني أحد أصدقائي أن غسل ظاهر العين يدخل في حدود الوجه الواجب غسله في الوضوء وأن باطن العين خارج عن ذلك. فهل عدم غسل باطن العين يؤثر على صحة الوضوء؟

اتفق الفقهاء على أن ظاهر العين ممَّا يجب أن يستوعبه الماء بالغسل وإن كان غائرًا، ونصوا على أن باطنها -وهو ما سترته الجفون حال إغماضها- ممَّا لا يجب على المتطهر إيصال الماء إليه؛ ذلك لأن بناء الطهارات على إيصال الماء إلى ظواهر البدن، وباطن العين ليس من الظاهر، والمقصود من الوجه ما يُواجَه به، وباطن العين مما لا يُواجَه به، مع ما في إيصال الماء إلى باطنها مِن تكلفِ الحرج والمشقة.

المحتويات

 

بيان أن غسل الوجه من فرائض الوضوء والأدلة على ذلك

مِن المقرر شرعًا أن الوضوءَ شرطٌ مِن شروط صحة الصلاة، وأن غسل الوجه ركن مِن أركانه لا يصح إلا به؛ وقد ثبت ذلك بالكتاب والسُّنَّة والإجماع.

فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6].

ومن السُّنَّة ما أخرجه الشيخان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أنَّه دعا بوَضُوء، فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاثَ مراتٍ، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثُمَّ غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلَّ رِجلٍ ثلاثًا، ثم قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ نحو وُضُوئي هذا، وقال: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

وقد نُقل الإجماع على أن غسل الوجه فرضٌ من فرائض الوضوء؛ قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد" (4/ 31، ط. أوقاف المغرب): [العلماء أجمعوا على أن غسل الوجه واليدين إلى المِرْفقين والرِّجْلين إلى الكعبين ومسح الرأس فرض ذلك كله.. لا خلاف علمته في شيء من ذلك] اهـ.

حد الوجه الواجب غسله في الوضوء

حَدُّ الوجه الواجب استيعابه بإسالة الماء عليه في الطهارة: إنما يكون من منبت الشَّعَر إلى الذقن طولًا، وما بين شَحْمَتي الأذنين عرضًا.

قال العلامة شيخي زاده الحنفي في "مجمع الأنهر" (1/ 10، ط. دار إحياء التراث العربي): [(والوجه ما بين قُصَاص الشعر) هذا باعتبار الغالب؛ لأن حَدَّ الوجه في الطول من مبدأ سطح الجبهة إلى الذَّقن سواء كان عليه شَعْر أو لا.. (وأسفل الذَّقَن) هذا حده طولًا، والذَّقن -بالتحريك- مجتمع اللَّحْيَيْن جمعه أذقان. (وشَحْمَتي الأذنين) هذا حَدُّه عرضًا، الشَّحْمة مُعلَّق القُرط، وإنما زاد لفظ الشَّحْمة إدخالًا لما بين العِذار وشَحْمة الأذن في حَدِّ الوجه مطلقًا] اهـ.

وقال العلامة الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 185، ط. دار الفكر): [قال الفاكهاني: والجبهة ما أصاب الأرض في حال السجود، والجَبِينَان ما أحاط بها من يمين وشمال، والعارضان والعَنْفَقَة وأهداب العين والشارب، كلُّ ذلك من الوجه] اهـ.

ويفهم من ذلك أن ظاهر العين من أهداب وجفون داخل قطعًا في حدود الوجه التي يجب أن يستوعبها الماء في الطهارة من الحدث، وعلى هذا اتفق الفقهاء، وأهداب العين جمع هُدْب وهو: الشعر النابت على حرف الجفن. كما في "طِلبة الطلبة" للعلامة النسفي (ص: 165، ط. المطبعة العامرة).

والأجفان: غِطَاء العين وما يظهر عند إغماضها، كما في "لسان العرب" (13/ 89، ط. دار صادر).

حكم غسل ظاهر العين وباطنها في الوضوء

مع اتفاق الفقهاء على أنَّ ظاهر العين ممَّا يجب أن يستوعبه الماء بالغسل وإن كان غائرًا، فقد نصّوا على أن باطنها -وهو ما سترته الجفون حال إغماضها- ممَّا لا يجب على المتطهر إيصال الماء إليه؛ ذلك لأن بناء الطهارات على إيصال الماء إلى ظواهر البدن، وباطن العين ليس من الظاهر، والمقصود من الوجه ما يُواجَه به، وباطن العين مما لا يُواجَه به، مع ما في إيصال الماء إلى باطنها مِن تكلفِ الحرج والمشقة.

فأما اتفاقهم على أن ظاهر العين مما يجب إيصال الماء إليه:

قال العلامة ابن نُجَيم الحنفي في "البحر الرائق" (1/ 12، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال الفقيه أحمد بن إبراهيم: إن غَمَّض عينيه شديدًا لا يجوز، ولو رَمِدت عينه فرَمِصَت يجب إيصال الماء تحت الرَّمَص إن بقي خارجًا بتغميض العين، وإلَّا فلا، وفي "المغرب": الرَّمَص ما جَمَد من الوسخ في المُوق، والمُوق: مؤخر العين، والماق مقدمها] اهـ.

وقال العلامة الطحطاوي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح" (ص: 63، ط. دار الكتب العلمية): [وفي ابن أمير حاج: يجب إيصال الماء إلى أهداب العينين ومُوقيهما] اهـ.

وقال العلَّامة النَّفَراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 138، ط. دار الفكر) -في بيان وجوب تتبع أماكن يبعد عنها الماء غالبًا؛ تبعًا للماتن-: [قوله: (و) يجب عليه أن (يُمَرَّ يديه على ما غَارَ) أي: غاب (من ظاهر أجفانه) حتى يعمه الماء لا داخل العين؛ لأنه من الباطن] اهـ.

وقال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 39، ط. الفكر): [لم أعلم مخالفًا في أنَّ الوجه المفروض غسله في الوضوء ما ظهر دون ما بطن، وأن ليس على الرجل أن يغسل عينيه ولا أن ينضح فيهما] اهـ.

وقال شمس الدين الرملي في "نهاية المحتاج" (1/ 169، ط. دار الفكر): [(ويجب غسل كل هُدْب) -وهو بضم الهاء مع سكون الدال المهملة وضمها وبفتحهما معًا- الشعر النابت على العين] اهـ.

وقال القاضي الشريف أبو علي البغدادي الحنبلي في "الإرشاد إلى سبيل الرشاد" (ص: 29، ط. مؤسسة الرسالة) في صفة الوضوء: [ويمر يديه على ما غاب من ظاهر أجفانه وغضون جبهته وما تحت حاجبيه] اهـ.

وأما ما تواردت عليه نصوصهم من أن باطن العين مما لا يجب إيصالُ الماء إليه:

قال العلَّامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 4، ط. دار الكتب العلمية): [إدخال الماء في داخل العينين ليس بواجب؛ لأن داخل العين ليس بوجه؛ لأنه لا يواجه إليه؛ ولأن فيه حرجًا] اهـ.

وقال الشيخ أبو محمد الجُوَيْنِي في "الجمع والفرق" المسمَّى "الفروق" (1/ 154، ط. دار الجيل): [فأما بناء الطهارات فهو على إيصال الماء إلى ظواهر البدن، وليس باطن العين والفم والأنف من جملة الظواهر] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (1/ 369، ط. دار الفكر) أثناء بيان أحكام غسل العينين: [أما حكم المسألة فلا يجب غسل داخل العين بالاتفاق] اهـ.

وقال العلامة الحَجَّاوِي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 27، ط. دار المعرفة): [ولا يجب -بل ولا يسن- غسل داخل عين لحدث ولو أَمِن الضرر؛ بل يكره، ولا يجب من نجاسة فيها] اهـ.

وقال الإمام الطبري في "جامع البيان" (8/ 180، ط. هجر): [وإن كان ما تحت شعر اللحية والشاربين قد كان وجهًا يجب غسله قبل نبات الشعر الساتر عن أعين الناظرين على القائم إلى صلاته، لإجماع جميعهم على أن العينين من الوجه، ثم هم مع إجماعهم على ذلك مجمعون على أن غَسْل ما علاهما من أجفانهما دون إيصال الماء إلى ما تحت الأجفان منهما مُجزئ؛ فإذا كان ذلك منهم إجماعًا بتوقيف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمته على ذلك، فنظير ذلك كل ما علاه شيء من مواضع الوضوء من جسد ابن آدم من نَفْسِ خَلْقه ساتره لا يصل الماء إليه إلا بكُلفةٍ ومؤنةٍ وعلاجٍ] اهـ. وممَّا سبق يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة