ما حكم صلاة المرأة كاشفة شعرها؟ فإن زوجتي صَلَّت كاشفة شعرها في حال وجودي في البيت؛ فهل صلاتها صحيحة؟ وهل هناك فرق لو صَلَّت بهذا الحال منفردة في مكان لا يراها أحد؟
يجب على المرأة تغطية شَعْر رأسها أثناء الصلاة ولو كانت في مكانٍ لا يراها فيه أحد من الناس، وينبغي عليها إن كَشفت شعرها في الصلاة أن تعيد صلاتها إن كان وقت الفريضة باقيًا، وإن خرج وقتها فلا تجب عليها الإعادة؛ تقليدًا لمذهب المالكية.
المحتويات
الصلاة ركنٌ من أركان الدين، وفريضةٌ من الفرائض، والأصل فيها؛ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ [النساء: 103].
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (11/ 208، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾، أي: فرضًا موقتًا، والمراد بالكتاب هاهنا المكتوب؛ كأنه قيل: مكتوبة موقوتة، ثم حذف الهاء من الموقوت كما جعل المصدر موضع المفعول والمصدر مذكر، ومعنى الموقوت: أنها كتبت عليهم في أوقات موقتة.. واعلم أنَّه تعالى بيَّن في هذه الآية أن وجوب الصلاة مُقدَّر بأوقات مخصوصة] اهـ.
ومن السنة: ما جاء في الحديث "المتفق عليه" -واللفظ للبخاري- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بُنِي الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».
قال العلامة ابن رجب في "فتح الباري" (1/ 22، ط. مكتبة الغرباء الأثرية): [وهذا الحديث دل على أن الإسلام مبني على خمس أركان.. ومعنى قوله صلي الله عليه وآله وسلم «بُنِي الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ»: أنَّ الإسلام مثله كبنيان، وهذه الخمس: دعائم البنيان وأركانه التي يثبت عليها البنيان] اهـ.
وأما الإجماع: فمنعقدٌ على وجوب الصلاة من لدن عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا دون نكيرٍ يعتدّ به. ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني" (1/ 89، ط. دار الكتب العلمية)، و"حاشية العدوي" (1/ 240، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (1/ 297، ط. دار الكتب العلمية)، و"كشاف القناع" للبهوتي (1/ 222، ط. دار الكتب العلمية).
والفقهاء متفقون على أن ستر العورة من شروط صحة الصلاة عند القدرة عليه. ينظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (1/ 116)، و"الشرح الكبير" للدردير (1/ 211، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (1/ 396)، و"كشاف القناع" للبهوتي (1/ 263).
والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿يا بني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31].
قال العلامة الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" (2/ 332، ط. عالم الكتب): [وقوله: ﴿يا بني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾؛ هذا أمرٌ بالاسْتِتَارِ في الصلوات] اهـ.
ولا تختلف شَرطيَّة سَتْر العورة -للرجال أو للنساء- سواء أكانت الصلاة بحضرةٍ الناس أم في خلوةٍ؛ لأنَّ النصوص وردت بالستر مطلقًا، ولأنَّ الله تعالى أحق أن يستحيا منه، وهو ما تواردت عليه عبارات الفقهاء من الحنفية في الصحيح، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وذلك عند تعدادهم لشروط الصلاة.
قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 404، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية رد المحتار"): [الرابع: (ستر عورته)، ووجوبه عام ولو في الخلوة على الصحيح إلا لغرض صحيح] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين مُحَشِّيًا عليه: [قوله: (والرابع ستر عورته) أي: ولو بما لا يحل لبسه، كثوب حريرٍ، وإن أَثِم بلا عذر، كالصلاة في الأرض المغصوبة، وسيذكر شروط الستر والساتر. قوله: (ووجوبه عام) أي: في الصلاة وخارجها. قوله: (ولو في الخلوة)، أي: إذا كان خارج الصلاة يجب الستر بحضرة الناس إجماعًا، وفي الخلوة على الصحيح. وأَمَّا لو صلى في الخلوة عريانًا، ولو في بيت مظلم، وله ثوب طاهر لا يجوز إجماعا كما في "البحر".. قوله: (على الصحيح)؛ لأنه تعالى وإن كان يرى المستور كما يرى المكشوف، لكنه يرى المكشوف تاركًا للأدب والمستور متأدبًا، وهذا الأدب واجب مراعاته عند القدرة عليه. هذا، وما ذكره الزيلعي من أن عامتهم لم يشترطوا الستر عن نفسه فذاك في الصلاة كما يأتي بيانه عند ذكر المصنف له، فليس فيه تصحيح لخلاف ما هنا، فافهم] اهـ.
وقال العلامة الزيلعي في "تبيين الحقائق" (1/ 95، ط. الأميرية): [وشرط بعض المشايخ ستر عورته عن نفسه حتى لو رأى فرجه من زيقه أو كان بحيث يراه لو نظر إليه لم تجز صلاته ما لم يلتصق بصدره، ومنهم من قال إن كان كثيف اللحية وستر بها يجوز صلاته لوجود الستر بها، ومنهم من قال لا تجوز، وعامتهم لم يشترطوا الستر عن نفسه؛ لأنها ليست بعورة في حق نفسه؛ لأنه يحل له مسها والنظر إليها] اهـ.
وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 211-212): [(فصل) في الشرط الثالث: وهو ستر العورة.. (إن ذكر وقدر) إن لم يكن بخلوة؛ بل (وإن) كان (بخلوة)، لكن الراجح التقييد بالقدرة فقط، فمن صلى عريانًا ناسيًا أعاد أبدًا] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 396) في كلامه عن شروط الصلاة: [ثالثها: (ستر العورة) عن العيون، ولو كان خاليًا في ظلمة عند القدرة.. فإن قيل: ما الحكمة في السترة في الصلاة؟ أجيب: بأنَّ مريد التمثل بين يدي كبير يتجمل بالستر والتطهير، والمصلي يريد التمثل بين يدي ملك الملوك، فالتجمل له بذلك أولى] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 264): [(وسترها) أي: العورة (في الصلاة عن النظر، حتى عن نفسه)، فلو كان جيبه واسعًا بحيث يمكن رؤية عورته منه إذا ركع أو سجد، وجب زره ونحوه ليسترها، لعموم الأمر بستر العورة (و) حتى (خلوة) فيجب ستر العورة خلوة كما يجب لو كان بين الناس] اهـ.
ممَّا هو من العورة ويجب سَتْره في الصلاة وكذا في خارجها عن الأجنبي باتفاق الفقهاء: شَعْر المرأة الذي فوق رأسها، وكذا شَعْر المرأة النازل عن الأذن على ما ذهب إليه المالكية، والشافعية، والحنابلة، والحنفية في الصحيح، وهذا ما يستفاد من عبارات الفقهاء في حديثهم عن عورة الحرة في الصلاة وغيرها.
قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 405): [(وللحرة) ولو خنثى (جميع بدنها) حتى شعرها النازل في الأصح] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين مُحَشِّيًا عليه: [قوله: (حتى شعرها) بالرفع عطفًا على جميع ح. قوله: (النازل) أي: عن الرأس، بأن جاوز الأذن، وقُيِّد به إذ لا خلاف فيما على الرأس. قوله: (في الأصح) صححه في "الهداية" و"المحيط" و"الكافي" وغيرها، وصحح في "الخانية" خلافه مع تصحيحه لحرمة النظر إليه، وهو رواية "المنتقى" واختاره الصدر الشهيد، والأول أصح وأحوط، كما في "الحلية" عن "شرح الجامع" لفخر الإسلام، وعليه الفتوى، كما في "المعراج"] اهـ.
وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (1/ 289، ط. دار المعارف، ومعه "حاشية الصاوي"): [(و) عورة الحرة (مع رجل أجنبي): منها أي ليس بمحرم لها جميع البدن (غير الوجه والكفين): وأما هما فليسا بعورة. وإن وجب عليها سترهما لخوف فتنة، (ويجب سترها): أي العورة المذكورة لرجل أو أمة أو حرة مع أجنبي (بالصلاة أيضًا)] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (3/ 168، ط. دار الفكر): [وأما عورة الحرة فجميع بدنها إلا الوجه والكفين إلى الكوعين، وحكى الخراسانيون قولًا وبعضهم يحكيه وجهًا: أن باطن قدميها ليس بعورة، وقال المزني القدمان ليسا بعورة، والمذهب الأول] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (1/ 452، ط. دار إحياء التراث): [قوله: (والحرة كلها عورة، حتى ظفرها وشعرها، إلا الوجه) الصحيح من المذهب أن الوجه ليس بعورة. وعليه الأصحاب. وحكاه القاضي إجماعًا] اهـ.
ومِن ثَمَّ فيجب على المرأة تغطية شعرها في الصلاة ولو كانت في خلوة، لإطلاق النصوص بالستر مطلقًا، ولأنَّ الله تعالى أحق أن يُستحيا منه، ومع اتفاقهم على -وجوب ستر شعر المرأة في الصلاة- إلَّا أنه إذا صلت المرأة كاشفة شعرها مع القدرة على تغطيته، فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أَنَّ عليها إعادة الصلاة؛ لكون صلاتها غير صحيحة.
قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 408-409): [(ويمنع) حتى انعقادها (كشف ربع عضو) قدر أداء ركن بلا صنعة (من) عورة غليظة أو خفيفة على المعتمد] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين مُحَشِّيًا: [قوله: (ويمنع إلخ) هذا تفصيل ما أجمله بقوله: وستر عورته. ح. قوله: (حتى انعقادها)، منصوب عطفًا على محذوف، أي: ويمنع صحة الصلاة حتى انعقادها.
والحاصل: أنَّه يمنع الصلاة في الابتداء، ويرفعها في البقاء. ح. قوله: (قدر أداء ركن) أي: بسنته. "منية". قال شارحها: وذلك قدر ثلاث تسبيحات اهـ.. واحترز عما إذا انكشف ربع عضو أقل من قدر أداء ركن، فلا يفسد اتفاقًا؛ لأنَّ الانكشاف الكثير في الزمان القليل عفو، كالانكشاف القليل في الزمن الكثير، وعما إذا أَدَّى مع الانكشاف ركنًا فإنها تفسد اتفاقًا. قال ح: واعلم أنَّ هذا التفصيل في الانكشاف الحادث في أثناء الصلاة، أَمَّا المقارن لابتدائها، فإنه يمنع انعقادها مطلقًا اتفاقًا بعد أن يكون المكشوف ربع العضو، وكلام الشارح يوهم أنَّ قوله: (قدر أداء ركن) قيد في منع الانعقاد أيضًا] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (3/ 166): [فستر العورة شرط لصحة الصلاة، فإن انكشف شيء من عورة المصلي لم تصح صلاته، سواء أكثر المنكشف أم قَلَّ، وكان أدنى جزء، وسواء في هذا الرجل والمرأة، وسواء المصلي في حضرة الناس، والمصلي في الخلوة، وسواء صلاة النفل والفرض والجنازة والطواف وسجود التلاوة والشكر، ولو صَلَّى في سترة، ثم بعد الفراغ عَلِم أنَّه كان فيها خَرْقٌ تبين منه العورة؛ وجبت إعادة الصلاة على المذهب، سواء كان علمه ثم نسيه، أم لم يكن علمه] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 269): [(وكذا) لا تبطل الصلاة إن انكشف من العورة شيء (كثير في زمن قصير، فلو أطارت الريح سترته ونحوه) أي: نحو الريح (عن عورته، فبدا) أي: ظهر (منها ما لم يعف عنه لو) طال زمنه لفحشه، (ولو) كان الذي بدا (كلها) أي: كل العورة (فأعادها سريعًا بلا عمل كثير لم تبطل) صلاته، لقصر مدته أشبه اليسير في الزمن الطويل، فإن احتاج في أخذ سترته لعمل كثير بطلت صلاته. (وإن كشف يسيرًا منها) أي: العورة (قصدًا بطلت) صلاته؛ لأن التحرز منه ممكن من غير مشقة أشبه سائر العورة، وكذا لو فحش وطال الزمن، ولو بلا قصد] اهـ.
بينما ذهب السادة المالكية إلى أنَّ المرأة إذا صلت وهي كاشفة الشعر فإنَّ عليها إعادة الصلاة ما دام وقتها لم يخرج، فإن خرج وقت الصلاة، فلا إعادة عليها؛ لكون شعر المرأة مِن العورة المخففة.
جاء في "المدونة" (1/ 186، ط. دار الكتب العلمية): [وقال مالك: في امرأة صلت وقد انكشفت قدماها أو شعرها أو صدور قدميها: إنها تعيد ما دامت في الوقت] اهـ.
وقال الإمام أبو الوليد الباجي في "المنتقى" (1/ 252، ط. مطبعة السعادة): [فإن صلت بادية الشعر.. استحب لها أن تعيد في الوقت وقد أثمت لمخالفتها السُّنَّة إن قصدتْ ذلك، وهذا يحتمل معنيين: أحدهما: أن يكون هذا على قول مَن رأى إعادة الصلاة من كشف العورة في الوقت، وقد سلَّم ابن القصار أن تعاد الصلاة من ذلك في الوقت مع كونه عنده فرضًا، والثاني: ذلك أخف من كشف العورة] اهـ.
وقال الإمام القرافي في "الذخيرة" (2/ 105، ط. دار الغرب الإسلامي): [القسم الثالث: الحرائر في "الجواهر" أجسادهن كلها عورة إلا الوجه والكفين، قال في "الكتاب": إذا صلت بادية الشعر أو ظهور القدمين أعادت في الوقت.. وقال ابن نافع في "العتبية": لا إعادة عليها] اهـ.
وعلَّق عليه العلامة ابن عرفة في "المختصر" (1/ 221، ط. مؤسسة خلف الخبتور): [وقول القرافي عن ابن نافع في "العتبية": إن صلتْ بادية الشعر أو ظهور القدمين لا إعادة عليها في وقت ليس فيها؛ إنما في سماعه: لا تخمر رأسها وتكشف نحرها] اهـ.
من خلال ما سبق: فإن الفقهاء متفقون على أن ستر العورة من شروط صحة الصلاة عند القدرة عليها، لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، ولا بين خلوةٍ وغيرها، ومن ذلك شَعْر المرأة الذي فوق رأسها، أو النازل عن أذنها، ومع اتفاقهم على ذلك إلَّا أنهم اختلفوا في إعادة الصلاة إذا صلتِ المرأةُ كاشفةً شعرها مع القدرة على تغطيته: فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أَنَّ عليها إعادة الصلاة؛ لكون صلاتها غير صحيحة، ولم يتقيَّدوا بوقت الصلاة. بينما نصَّ المالكية على أنَّ عليها إعادة الصلاة ما دام وقتها لم يخرج، فإن خرج وقت الصلاة فلا إعادة عليها حينئذٍ.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجب على زوجتك تغطية شَعْر رأسها أثناء الصلاة ولو كانت في مكانٍ لا يراها فيه أحد من الناس، وينبغي عليها إن كَشفت شعرها في الصلاة أن تعيد صلاتها إن كان وقت الفريضة باقيًا، وإن خرج وقتها فلا تجب عليها الإعادة؛ تقليدًا لمذهب المالكية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.