بيان خطورة تعاطي المخدرات ومعارضتها لمقاصد الشرع

  • المفتى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
  • تاريخ الصدور: 09 مايو 2022
  • رقم الفتوى: 6993

السؤال

سائل يطلب توضيحًا شرعيًّا من دار الإفتاء المصرية عن حكم تناول المخدرات وتعاطيها.

الجواب

المحتويات 

 

مفهوم المخدرات

المخدِّرات في اللغة جمع مُخدِّر، والمخدِّر مشتق من مادة (خ د ر)، وهذه المادة تدل بالاشتراك على معانٍ: منها: الستر والتغطية، ومنه قيل: امرأة مخدَّرة؛ أي مستترة بخِدْرها، ومنها: الظلمة الشديدة، ومنها: الكسل والفتور والاسترخاء، ومنها: الغَيْم والمطر، ومنها: الحيرة. ينظر: "لسان العرب" (4/ 230-232، ط. دار صادر).

ولا يختلف تعريف المخدِّرات في الاصطلاح الفقهي عمَّا هي عليه في اللغة، فقد عرَّفها الشيخ محمد بن على مفتي المالكية بمكة المكرمة في "تهذيب الفروق" (1/ 374، ط. دار الكتب العلمية): [بأنها: ما غيَّب العقل والحواس دون أن يصحب ذلك نشوة أو سرور] اهـ.

وعرَّفها العلامة ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (1/ 356، ط. دار الفكر): [بأنها: كل ما يتولَّد عنه تغطية العقل وفقدان الإحساس في البدن أو فتوره ويسبب أضداد النشوة والطرب والعربدة والغضب والحمية] اهـ.

والمخدِّرات وفقًا لمنظمة الصحة العالمية هي: (كل مادة خام أو مستحضرة أو مصنعة، يُؤدِّي تناولها إلى اختلال في وظائف الجهاز العصبي المركزي سواء بالتهبيط أو التنشيط أو الهلوسة، مما يُؤثِّر على العقل والحواس، ويسبب الإدمان).

ويلاحظ أن التعريف اللغوي والفقهي والطَّبَعي للمخدِّرات يكاد يكون واحدًا، والمعنى الجامع المشترك بين هذه التعاريف أن المخدِّرات يتولَّد عنها فقدانٌ للحس أو فتور.

حكم الشرع في تعاطي المخدرات والأدلة على ذلك

الإسلام قد كرم الإنسان، وجعل المحافظة على النفس والعقل مِن الضروريات الخمس التي دعا إلى المحافظة عليها، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال؛ حتى يمكن للإنسان أن يكون خليفةً لله في الأرض ويقوم بعِمارتها.

لذلك حرَّم الإسلام تحريمًا قاطعًا كل ما يضُرُّ بالنفس والعقل، ومن هذه الأشياء التي حرمها: المخدِّرات بجميع أنواعها على اختلاف مسمياتها من مخدِّرات طبيعية وكيمائية، وأيًّا كانت طرق تعاطيها، عن طريق الشرب، أو الشم، أو الحقن؛ لأنها تؤدي إلى مضار جسيمة ومفاسد كثيرة، فهي تفسد العقل، وتفتك بالبدن، إلى غير ذلك من المضارِّ والمفاسد؛ حيث يقول تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، ويقول تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]، فقد نصت الآيتان على النهي عن الإضرار بالنفس، والإلقاء بها في المهالك، والأمر بالمحافظة عليها من المخاطر، ومعلوم أنَّ في تعاطي المخدِّرات هلاكًا ظاهرًا، وإلقاءً بالنفس في المخاطر.

قال العلامة ابن عاشور معلقًا على الآية الأولى في "التحرير والتنوير" (2/ 215، ط. الدار التونسية): [ووقوع الفعل: ﴿تُلْقُوا﴾ في سياق النهي يقتضي عموم كل إلقاء باليد للتهلكة، أي: كل تسبب في الهلاك عن عمد فيكون منهيًّا عنه محرمًا، ما لم يوجد مقتضٍ لإزالة ذلك التحريم] اهـ.

وقد روى الإمام أحمد في "مسنده" وأبو داود في "سننه" عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ».

قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (4/ 267-268، ط. المطبعة العلمية بسوريا): [المُفْتِر: كلّ شراب يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهو مقدِّمة السكر؛ ونُهِي عن شربه لئلَّا يكون ذريعة إلى السكر] اهـ.

فهذا الحديث نصٌّ في تحريم المخدرات؛ ولا يُقَلِّل من حرمة المخدرات كونها ليست خمرًا؛ لأنها أي: المخدرات من جملة المُفَتِّرات، والقاعدة عند الأصوليين كما جاء في "تهذيب الفروق" (1/ 376، ط. دار الكتب العلمية): [أنَّه إذا ورد النهي عن شيئين مقترنين ثم نصَّ على حكم النهي عن أحدهما من حرمة أو غيرها أُعطِيَ الآخرُ ذلك الحكم بدليل اقترانهما في الذكر والنهي، وفي الحديث المذكور ذكر المُفْتِر مقرونًا بالمسكر، وتقرَّر عندنا تحريم المسكر بالكتاب والسنة والإجماع فيجب أن يُعطَى المفتر حكمه بقرينة النهي عنهما مقترنين] اهـ.

وقد نَصَّ العلماء على تحريم كل ما هو مخدّر وما يسبب فقدان الوعي بدرجات متفاوتة؛ حتى نَقَل الإجماع على هذه الحرمة الإمام البدر العيني في "البناية" (12/ 370، ط. دار الكتب العلمية)؛ حيث قال: [لأنَّ الحشيش غير قتَّال، لكن مخدر، ومفتر، ومكسل، وفيه أوصاف ذميمة؛ فكذلك وقع إجماع المتأخرين رَحِمَهُمُ الله على تحريم أكله] اهـ.

ونقل الإجماع أيضًا على الحرمة الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "الفتاوى"، كما نقله العلامة ابن حجر الهيتمي بعد عدَّه من جملة الكبائر؛ قال في "الزواجر" (1/ 354- 355، ط. دار الفكر): [الكبيرة السبعون بعد المائة: أكل المسكر الطاهر كالحشيشة والأفيون.. قال العلماء: المفتر كل ما يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهذه المذكورات كلها تسكر وتخدر وتفتر. وحكى القرافي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة، قال: ومن استحلها فقد كفر. قال: وإنما لم يتكلم فيها الأئمة الأربعة؛ لأنها لم تكن في زمنهم، وإنما ظهرت في آخر المائة السادسة وأول المائة السابعة حين ظهرت دولة التتار] اهـ.

والقواعد الشرعية تقتضي أيضًا القول بحرمة المخدِّرات؛ حيث ثبت أَنَّ إدمانها فيه ضرر حسِّي ومعنوي، وما كان ضارًّا فهو حرام؛ لحديث: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه الإمام مالك، والإمام أحمد، وابن ماجه، والحاكم وصحَّحه، كما أَنَّ تعاطيها يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية في المحافظة على العقل والنفس والمال وعَدِّها من الضروريات الخمس.

موقف القانون من تعاطي المخدرات وعقوبة ذلك

نَصَّ المشرع المصري على تجريم تعاطي المخدرات ومعاقبة متعاطيها بالحبس والغرامة؛ فنَصَّ في الفصل التاسع من قانون المخدرات رقم 182 لسنة 1960م والمعدَّل بعدة قوانين آخرها 134 لسنة 2019م في المادة (39) على أنه: [يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثة آلاف جنيه كل مَن ضُبِط في مكانٍ أُعِدَّ أو هُيئ لتعاطي الجواهر المخدرة، وذلك أثناء تعاطيها مع علمه بذلك، وتزاد العقوبة إلى مثلها إذا كان الجوهر المخدر الذي قدم هو الكوكايين أو الهيروين أو أي من المواد الواردة بالقسم الأول من الجدول رقم (1)] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإنه يَحْرُم شرعًا تناول وتعاطي المخدِّرات بجميع أنواعها وعلى اختلاف مسمياتها؛ لأنها تؤدي إلى مضار جسيمة ومفاسد كثيرة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة