حكم تعاطي المخدرات وزراعتها والاتجار فيها

  • المفتى: فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
  • تاريخ الصدور: 02 مايو 2010
  • رقم الفتوى: 3453

السؤال

هل تحريم المخدِّرات متفق عليه في الشريعة الإسلامية، أو هو مِن جملة ما وقع فيه الخلاف بين الفقهاء، وما حكم متعاطي المخدِّرات، وهل له عقوبة شرعية معينة كشارب الخمر والزاني والسارق ونحوهم؟

من الجدير بالذكر أن المخدِّرات لم تعرف زمان الفقهاء المتقدمين حتى نهاية المائة السادسة؛ ولذلك لم يتكلم فيها الأئمة الأربعة، ولكن نص علماء الإسلام على تحريم تعاطي المخدرات، ونقَل الإجماعَ على الحرمة الإمامُ القرافي المالكي في "الفروق"، وعدَّه بعضهم من جملة الكبائر.
وقد دلت الأدلة الشرعية على حرمة تناول وتعاطي المخدرات؛ منها قوله تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]، فنصت الآيتان على النهي عن الإضرار بالنفس والإلقاء بها في المهالك، والأمر بالمحافظة عليها من المخاطر؛ لأن المحافظة عليها من المقاصد الخمس، ولذلك حرم على الإنسان كل ما يُذهِب عقله أو يضر نفسه، ومعلوم أن في تعاطي المخدِّرات هلاكًا ظاهرًا، وإلقاءً بالنفس في المخاطر.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ" رواه أحمد وأبو داود. وهو نص في تحريم المخدرات باعتبارها من جملة المفترات.
كما أن القواعد الشرعية تقتضي القول بحرمة المخدِّرات؛ حيث ثبت ضررها حسيًّا ومعنويًّا، وما كان ضارًّا فهو حرام؛ لحديث: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» راوه أحمد، وذلك ما لم يتعيَّن شيء منها طريقًا للدواء بتقرير أهل الطب المتخصصين.
ولا تقتصر حرمة المخدِّرات على تناولها فقط، بل يشمل ذلك زراعتها والاتجار فيها؛ فالشرع لَمَّا حرَّم الخمر حرَّم أيضًا كل الأسباب المؤدية إلى تداولها، لكن لا يُحَدُّ صاحبها، بل يعزَّر بحسب ما يراه القاضي محققًا للمصلحة المجتمعية.

المحتويات 

تعريف المخدرات 

المخدِّرات في اللغة جمع مُخدِّر، والمخدِّر مشتق من مادة "خ د ر"، وهذه المادة تدل بالاشتراك على معانٍ: منها: السَّتر والتغطية، ومنه قيل: امرأة مخدَّرة؛ أي مستترة بخِدْرها. ومنها: الظلمة الشديدة. ومنها: الكسل والفتور والاسترخاء. ومنها: الغَيْم والمطر. ومنها: الحيرة. "لسان العرب" (4/ 230)، مادة "خ د ر".

وبين هذه المعاني اللغوية وبين المخدِّرات وأحوال متعاطيها علاقة قوية، وتلازم ظاهر، فالمخدِّرات تستر العقل وتغطيه، وتحجب القلب عن النور والهداية كما يحجب الغيم ضوء الشمس، وتُفتر الجسم وتدعوه إلى الكسل والارتخاء، وتصيب متعاطيها بظلمة شديدة في قلبه، وحيرة في أمره وتخلف عن أقرانه.

ولا يختلف تعريف المخدِّرات في الاصطلاح الفقهي عما هي عليه في اللغة، فقد عرَّفها الإمام القرافي في "الفروق" (1/ 217، ط. عالم الكتب) بأنها: [ما غيَّب العقل والحواس دون أن يصحب ذلك نشوة أو سرور] اهـ بتصرف.

وعرَّفها العلامة ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (ص: 356، ط. دار الفكر، الطبعة الأولى) بأنها: [كل ما يتولد عنه تغطية العقل وفقدان الإحساس في البدن أو فتوره ويسبب أضداد النشوة والطرب والعربدة والغضب والحمية] اهـ بتصرف.
والمخدرِات في الاصطلاح العلمي المعاصر: كل مادة خام أو مستحضرة أو مصنعة، يؤدي تناولها إلى اختلال في وظائف الجهاز العصبي المركزي سواء بالتهبيط أو التنشيط أو الهلوسة؛ مما يؤثر على العقل والحواس، ويسبب الإدمان.
ويلاحظ أن التعريف اللغوي والفقهي والعلمي للمخدِّرات يكاد يكون واحدًا، والمعنى الجامع المشترك بين هذه التعاريف أن المخدِّرات يتولد عنها فقدانٌ للحس أو فتور.

ومن الجدير بالذكر أن المخدِّرات لم تعرف زمان الفقهاء المتقدمين حتى نهاية المائة السادسة، وفي ذلك يقول الشيخ ابن تيمية: [لم يتكلم المتقدمون في خصوصها؛ لأنه إنما حدث أكلها من قريب، ولذلك لم يتكلم فيها الأئمة الأربعة، فقد ظهرت في آخر المائة السادسة وأول المائة السابعة حين ظهرت دولة التتار] اهـ. بتصرف. "السياسة الشرعية": (ص: 101، ط. وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالسعودية، سنة 1418هـ).

الحكم الشرعي لتعاطي المخدرات

قد دلت الأدلة الشرعية على حرمة تناول وتعاطي المخدرات، منها:

قوله تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقوله: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]، فقد نصت الآيتان على النهي عن الإضرار بالنفس والإلقاء بها في المهالك، والأمر بالمحافظة عليها من المخاطر؛ فإن الحفاظ على النفس والعقل من المقاصد الكلية الخمسة في الإسلام، ومن أجل ذلك حرم على الإنسان كل ما يُذهِب عقله أو يضر نفسه، ومعلوم أن في تعاطي المخدِّرات هلاكًا ظاهرًا، وإلقاءً بالنفس في المخاطر.

قال العلامة ابن عاشور معلقًا على الآية الأولى في "التحرير والتنوير" (2/ 215، ط. الدار التونسية للنشر): [ووقوع فعل: تلقوا في سياق النهي يقتضي عموم كل إلقاء باليد للتهلكة، أي: كلِّ تسبب في الهلاك عن عمد، فيكون منهيًّا عنه محرمًا ما لم يوجد مقتضٍ لإزالة ذلك التحريم] اهـ.

ومن الأدلة أيضًا ما رواه الإمام أحمد في "مسنده" وأبو داود في "سننه" عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ".

قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (4/ 267، ط. المطبعة العلمية بسوريا، الطبعة الأولى): [المُفتر: كل شراب يورث الفتور والرخوة في الأعضاء والخدر في الأطراف، وهو مقدِّمة السكر، ونُهي عن شربه لئلا يكون ذريعة إلى السكر] اهـ.

فهذا الحديث نص في تحريم المخدرات؛ لأنها من جملة المفترات، والقاعدة عند الأصوليين: أنه "إذا ورد النهي عن شيئين مقترنين ثم نص على حكم النهي عن أحدهما -من حرمة أو غيرها- أُعطِيَ الآخرُ ذلك الحكم" بدليل اقترانهما في الذكر والنهي، وفي الحديث المذكور ذكر المُفْتِر مقرونًا بالمسكر، وتقرر عندنا تحريم المسكر بالكتاب والسنة والإجماع، فيجب أن يُعطَى المفتر حكمه؛ بقرينة النهي عنهما مقترنَين. اهـ. يُراجع: "حاشية ابن الشاط على الفروق" (1/ 216).
فالاقتران إن كان بين الجمل التامة المستقلة فدلالة الاقتران على المشاركة في الخبر أو الحكم مختلف فيها، والجمهور على أنها دلالة ضعيفة. أما اقتران الجملة الناقصة أو المفردات بالجملة التامة فإنه يدل دلالة قوية على الاشتراك في الخبر والحكم.

يقول الإمام الزركشي في "البحر المحيط" (8/ 110، ط. دار الكتبي): [أما إذا كان المعطوف ناقصًا، بأن لم يذكر فيه الخبر فلا خلاف في مشاركته للأول؛ كقولك: زينب طالق وعمرة؛ لأن العطف يوجب المشاركة،.. ومثله عطف المفردات] اهـ.
والقواعد الشرعية تقتضي أيضًا القول بحرمة المخدِّرات، حيث ثبت أن الإدمان عليها فيه ضرر حسي ومعنوي، وما كان ضارًّا فهو حرام؛ لحديث: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» راوه أحمد، وابن ماجه، والحاكم وصحَّحه.

كما أن تعاطيها يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية في محافظتها على العقل والنفس والمال التي هي من الضروريات الخمس.

وقد نص علماء الإسلام على تحريم تعاطي المخدرات، ونقَل الإجماعَ على الحرمة الإمامُ القرافي المالكي في "الفروق"، والشيخ ابن تيمية الحنبلي في "الفتاوى"، كما ذكره العلامة ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (1/ 354)؛ حيث عدَّه من جملة الكبائر.

ولا يخفى أن هذا في غير الضرورة؛ فإن هذه الحرمة تزول إذا تعيَّن شيء من المخدرات طريقًا للدواء، وذلك مِن قِبَل الطبيب الحاذق الموثوق به تخصصًا وأمانةً، يقول الإمام النووي في "الروضة" (10/ 171، ط. المكتب الإسلامي): [وما يزيل العقل من غير الأشربة كالبنج: حرام، ولو احتيج في قطع اليد المتآكلة إلى زوال عقله هل يجوز ذلك؟ قلت: الأصح الجواز، ولو احتاج إلى دواء يزيل العقل لغرض صحيح جاز تناوله قطعًا] اهـ.

حكم زراعة المخدرات والاتجار فيها

ولا تقتصر حرمة المخدِّرات على تناولها فقط، بل يشمل ذلك زراعتها والاتجار فيها؛ فالشرع لَمَّا حرَّم الخمر حرَّم أيضًا كل الأسباب المؤدية إلى تداولها، فلعن بائعها ومبتاعها وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، ويقاس على ذلك المخدِّرات؛ للجامع المشترك بينهما، وهو الاشتراك في مطلق تغييب العقل.

يقول العلامة ابن حجر في "الزواجر" (1/ 354): [.. إذا ثبت أن هذه كلها مسكرة أو مخدِّرة فاستعمالها كبيرة وفسق كالخمر، فكل ما جاء في وعيد شاربها يأتي في مستعمل شيء من هذه المذكورات؛ لاشتراكهما في إزالة العقل المقصود للشارع بقاؤه؛ لأنه الآلة للفهم عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والمتميز به الإنسان عن الحيوان، والوسيلة إلى إيثار الكمالات عن النقائص، فكان في تعاطي ما يُزيلُه وعيدُ الخمر] اهـ.

وإنما قلنا: "مطلق تغييب العقل؛" لأنه ثَمَّ فرق بين المخدِّرات والمسكرات، فليست المخدِّرات من المسكرات، وهو الذي صحَّحه المالكية، ونصَّ عليه الإمام القرافي في "الفروق" والإمام ابن الحاج في "المدخل"، يقول الإمام القرافي في "الفروق" (1/ 217): [والفرق بينها أن المتناول من هذه إما أن تغيب معه الحواس أو لا، فإن غابت معه الحواس كالبصر والسمع واللمس والشم والذوق فهو المُرْقِد –أي المُفتِر-، وإن لم تغب معه الحواس فلا يخلو: إما أن يحدث معه نشوة وسرور وقوة نفس عند غالب المتناول له أو لا، فإن حدث ذلك فهو المسكر، وإلا فهو المفسد فالمسكر هو المغيب للعقل مع نشوة وسرور، كالخمر والمِزْر،.. والمفسد هو المشوش للعقل مع عدم السرور الغالب، كالبنج والسَّيْكَران] اهـ.

الخلاصة

عليه: فلا يحد متناول المخدِّرات، بل يعزَّر بحسب ما يراه القاضي محققًا للمصلحة المجتمعية.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة