توضيح وبيان معاني آيات بينات من سورة النساء

  • المفتى: فضيلة الشيخ عبد اللطيف عبد الغني حمزة
  • تاريخ الصدور: 29 فبراير 1984
  • رقم الفتوى: 6233

السؤال

يريد السائل معرفة شرح وتوضيح وبيان معاني الآيات: (23، 24، 25، 26) من سورة النساء، وبيان معنى قوله تعالى: ﴿فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾، ويسأل عن الأجر المقصود في هذه الآية؟ وهل يجوز هذا الوضع في عصرنا هذا؟ وما معنى إذن أهلها؛ حيث إنه يملكها من الأصل فما الداعي للإذن من أهلها؟

الجواب

المحتويات

 

شرح وتوضيح وبيان معاني الآيات: (23، 24، 25، 26) من سورة النساء

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: 23]، أي: حرم عليكم نكاح الأمهات.

وجملة المحرمات من النساء بنص الكتاب أربعة عشر صنفًا: سبع بالنسب من قوله: ﴿أُمَّهَاتُكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَبَنَاتُ الْأُخْتِ﴾، وسبع بالسبب من قوله: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: 24].

وقد ثبت بالسنة تحريم أصناف أخر؛ كالجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، ونكاح المعتدة، ونكاح الخامسة لمَنْ كان عنده أربع.

والأمهات تعمُّ الجدات حيث كن؛ لأنَّ الأم هي الأصل.

﴿وَبَنَاتُكُمْ﴾ المراد بهن الفروع.

﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ﴾ أي: أمهات زوجاتكم، وحرمتهن بمجرد العقد عند الجمهور.

﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾ أي: بنات أزواجكم اللاتي ربيتموهن، وذكر الحجر ليس للقيد وإنما هو للغالب؛ لأنَّ الغالب أنها تكون مع أمها ويتولى الزوج تربيتها وهذا بالإجماع، ﴿مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ الدخول هنا كناية عن الجماع، أي من نسائكم اللاتي أدخلتموهن الستر، قاله ابن عباس، فإن لم تكونوا أيها المؤمنون قد دخلتم بأمهاتهن وفارقتموهن فلا جناح عليكم في نكاح بناتهن.

﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ أي: وحرم عليكم نكاح زوجات أبنائكم الذين ولدتموهم من أصلابكم، بخلاف من تبنيتموهم فلكم نكاح حلائلهم.

﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ أي: وحَرُم عليكم الجمع بين الأختين معًا في النكاح إلا ما كان منكم في الجاهلية فقد عفا الله عنه.

﴿إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ أي: غفورًا لما سلف ورحيمًا بالعباد.

﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: 24] أي: وحَرُم عليكم نكاح المتزوجات من النساء قبل مفارقة أزواجهن لهن، إلا ما ملكتموهن بالسبي، ويحلُّ لكم وطؤهن بعد الاستبراء بحيضة واحدة يظهر منها خلو أرحامهن من الحمل، ويصبح بعدها نكاحهن حلالًا إن دخلن في الإسلام، أو أن يباشرهن من غير عقد نكاح من يقعن في سهمه باعتبارهن ملك يمين سواء أسلمن أم لم يسلمن؛ وذلك لارتفاع النكاح بينهن وبين أزواجهن بمجرد السبي، أو بسبيهن وحدهن دون أزواجهن، لأنّ بالسبي تنقطع عصمة الكافر.

﴿كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ﴾ أي: كتب الله عليكم تحريم هذه المحرمات المذكورات كتابًا وفرضه فريضة، ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ أي: أحل لكم نكاح ما سواهن، ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ أي: إرادة أن تطلبوا النساء بطريق شرعي محصنين أنفسكم بمن تطلبوهن بأموالكم من الاستمتاع المحرم غير زانين، فالمراد بالإحصان هنا: العفة وتحصين النفس من الوقوع في الفاحشة، وبالسفاح: الزنا من السفح وهو صب الماء وسيلانه، وسمي به الزنا؛ لأن الزاني لا غرض له إلا صب النطفة فقط دون النسل.

﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ أي: فأي نساء استمتعتم بهن بعد الزواج منهن أحل الله لكم الدخول بهن فوفوهن مهورهن التي قدرتم لهن حقًا عليكم، لا تسامح فيه، تؤدونه في موعد، ولا حرج عليكم فيما تمَّ بينكم عن تراض من تنازل زوجة عن بعض مهرها أو زيادة زوج فيه، إن الله كان ولم يزل مُطَّلعًا على شؤون العباد مدبرًا لهم من إحكام ما يصلح به أمرهم.

﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: 25]، أي: من لم يكن منكم ذا سعة وقدرة أن يتزوج الحرائر المؤمنات، ﴿فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ أي: فله أن ينكح من الإماء المؤمنات اللاتي يملكهن المؤمنون.

﴿وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ﴾ جملة معترضة لبيان أنه يكفي في الإيمان معرفة الظاهر والله يتولى السرائر.

﴿بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ أي: أنكم جميعًا بنو آدم، ومن نفس واحدة، فلا تستنكفوا من نكاحهن، فرب أمة خير من حرة.

﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ أي: تزوجوهن بأمر أسيادهن وموافقة مواليهن، ﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: ادفعوا لهن مهورهن عن طيب نفس ولا تبخسوهن منه شيئًا استهانة بهن لكونهن إماء مملوكات، ﴿مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ﴾ عفائف غير معلنات بالزنا، ولا متخذات أصدقاء يزنون بهن، وكانوا في الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفي منه.

﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ أي: فإذا أحصن بالزواج، ثم زنين فعليهن نصف ما على الحرائر من عقوبة الزنا.

﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ أي: إنما يباح نكاح الإماء لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا، ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ أي: صبركم وتعففكم عن نكاحهن أفضل؛ لئلا يصير الولد رقيقًا، وفي الحديث «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْقَى الله طَاهِرًا مُطَهَّرًا، فَلْيَتَزَوَّجْ الْحَرَائِرَ» رواه ابن ماجه.

﴿وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيم﴾ أي: واسع المغفرة عظيم الرحمة، ﴿يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: 26]، أي: يريد الله أن يفصل لكم شرائع دينكم ومصالح أموركم، ﴿وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ أي: يرشدكم إلى طرائق الأنبياء والصالحين؛ لتقتدوا بهم، ﴿وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: يقبل توبتكم فيما اقترفتموه من الإثم والمحارم، ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي عليم بأحوال العباد حكيم في تشريعه لهم.

المقصود بقوله تعالى: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾

والمقصود بقوله تعالى: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ الإماء المؤمنات اللاتي يملكهن المؤمنون، فالقرآن لا يسمي الرقيقات رقيقات، ولا جواري، ولا إماء، إنما يسميهن فتيات تعبيرًا عن حقيقة العلاقة الإنسانية التي تقوم بين الأحرار والرقيق في المجتمع الإسلامي.

المقصود بالأجر في الآية الكريمة

والمقصود بالأجر في الآية الكريمة هو المهر؛ فالإسلام يكرمهن عن أن يكن بائعات أعراض بثمن من المال، إنما هو النكاح والإحصان، ومهر الفتاة ليس لسيدها وإنما هو حقٌ لها.

والمقصود بإذن أهلهن أن السيد هو ولي أمته لا تُزَوّج إلا بإذنه، وكذلك هو ولي عبده ليس له أن يتزوج بغير إذنه؛ كما جاء في الحديث «أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» رواه أبو داود. أي: زان. فإن كان مالك الأمة امرأة زوجها مَن يزوج المرأة بإذنها.

وهذا بالنسبة لمن لا يملك الأمة، أما من وقعت في سهمه فله أن يباشرها من غير عقد نكاح باعتبارها ملك يمين، وذلك بعد استبراء رحمها كما سبق ذكره.

موقف الإسلام من هذا الوضع في عصرنا هذا

ولم يأمر الإسلام بالرق قط، ولم يرد في القرآن نصٌّ على استرقاق الأسرى، ولكنه جاء فوجد الرقَّ نظامًا عالميًّا يقوم عليه الاقتصاد العالمي، ووجد استرقاق الأسرى عرفًا دوليًّا يأخذ به المحاربون جميعًا، فلم يكن بد أن يتريث في علاج الوضع الاجتماعي القائم، وقد اختار الإسلام أن يجفف منابع الرق وموارده حتى ينتهي بهذا النظام كله مع الزمن.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة