يقوم بعض التجار بتخزين بعض السلع المتوقع غلاؤها، لبيعها في وقت الغلاء بأقل من سعرها، فهل هذا جائزٌ أم لا؟ كما تقوم بعض الشركات بإغراق الأسواق بمنتجاتها وتبيعها بأقل من سعرها أيضًا، فهل هذا جائز أم لا؟ وهل يُعَدُّ ذلك احتكارًا؟ وما الفرق بين هذه الممارسات وبين أن يرخص التاجر السلعة تيسيرًا على الناس وإرفاقًا بهم، أو جذبًا للمشترين، في إطار من المنافسة الشريفة العادلة؟
إذا كان تخزين التجار للسلع -أو طرح الشركات للمنتجات في الأسواق المحلية- بغرض بيعها بثمن زهيد قد يقل عن سعر تكلفتها؛ وذلك للانفراد بالأسواق والسيطرة عليها، والإضرار بالمنافسين وإخراجهم منها، بما يُسمَّى (بالإغراق): فإن ذلك حرامٌ شرعًا؛ لأنه يؤول إلى الإضرار بالأسواق، والإخلال بقانون العرض والطلب، وضرب الصناعة الوطنية وإضعاف الاقتصاد الوطني، ولذلك كان محرمًا دوليًّا.
أما إذا لم يكن فيه إضرارٌ بالعامة، وكان المقصودُ طرحَها بعد ذلك بغرض إرخاصها والتيسير على الناس في شرائها، أو التنافس التجاري الشريف في استقطاب الجمهور وجذب المشترين: فهو أمر محمودٌ شرعًا ولا مانع منه.
والمعوَّل عليه في حكم هذه الممارسات السوقية ونحوها على حصول الضرر الذي يكشف عنه "قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية" مع لائحته التنفيذية؛ فإذا تحققَ الضرر في أي ممارسة مِن هذه الممارسات بوقوعها فيما منعه القانون ولائحتُه فهي حرام شرعًا، سواء نوى صاحبها الإضرار بغيره أم لم ينوه.
الاحتكار: هو حبسُ كلِّ ما يضر العامّةَ حبسُه؛ وذلك عن طريق شراء السلع وحبسها، فتقِلُّ بين الناس، فيرفع البائع من سعرها ويصيب الناسَ بسبب ذلك الضررُ؛ وقد نهى عنه الشارع وحرَّمه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطئ» رواه الإمام أحمد في "مسنده"، ومسلم في "صحيحه"، وأبو داود والترمذي -وصححه- وابن ماجه والدارمي في "سننهم"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
والسلع التي يجري فيها الاحتكار هي كل ما يقع على الناس الضرر بحبسها، ومن الفقهاء من جعل الاحتكار جاريًا في أقوات الآدميين وأقوات البهائم:
قال العلامة الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (4/ 162، ط. الحلبي): [وقال أبو يوسف: الاحتكارُ في كل ما يَضُرُّ بالعامة؛ نظرًا إلى أصل الضرر. وقال محمد: الاحتكار في أقوات الآدميين؛ كالتمر والحنطة والشعير وأقوات البهائم؛ كالقَتِّ؛ نظرًا إلى الضرر المقصود] اهـ. وقول الإمام أبي يوسف هو المعوَّل عليه؛ لأن الاحتكار إنما حرم للإضرار.
وقد فرقت الشريعة بين الاحتكار والجَلْب؛ فحذَّرَتْ من الاحتكار أشد التحذير، وعدَّتْه من كبائر الذنوب، وجعلته من أسباب اللعن؛ وهو: الطرد من رحمة الله عز وجل، في حين أنها حضَّت على الجَلْب وجعلته قربةً وطاعةً، ورتبت على ذلك الأجر الجزيل والثواب العظيم؛ حتى أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الجالِبَ له أجرُ شهيدٍ: فروى الإمام أحمد في "المسند"، وابن ماجه في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" -وصححه-، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ».
وروى الزبير بن بكار في "أخبار المدينة"، والحاكم في "المستدرك" عن الْيَسَعِ بنِ المغيرة، قال: مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم برجلٍ بالسوق يبيع طعامًا بسعرٍ هو أرخص مِن سعر السوق، فقال: «تَبِيعُ فِي سُوقِنَا بِسِعْرٍ هُوَ أَرْخَصُ مِنْ سِعْرِنَا؟» قال: نعم، قال: «صَبْرًا وَاحْتِسَابًا؟» قال: نعم، قال: «أَبْشِرْ؛ فَإِنَّ الْجَالِبَ إِلَى سُوقِنَا كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْمُحْتَكِرُ فِي سُوقِنَا كَالْمُلْحِدِ فِي كِتَابِ اللهِ».
وروى الديلمي في "الفردوس" من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَن جَلَبَ طَعَامًا إلى مِصْرٍ مِن أمصَارِ المُسْلِمِينَ كانَ لهُ أجرُ شَهِيدٍ».
ورواه ابن مردويه في "التفسير" ولفظه: «مَا مِن جَالِبٍ يَجْلِبُ طَعَامًا إِلَى بَلَدٍ مِن بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ فَيَبِيعُهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ إِلَّا كَانَتْ مَنْزِلَتُهُ مَنْزِلَةَ الشَّهِيدِ».
فالأصل في الاحتكار: حجبُ السلع عن أيدي الناس إضرارًا بهم حتى يصعب الحصول عليها وترتفع قيمتُها؛ فيحصل المحتكرون على الأرباح الباهظة دون منافسة تجارية عادلة، والأصل في الجلب: السعيُ في توفيرها ليسهل حصول الناس عليها دون عناء ولا غلاء ولا استغلال، فهو من أعظم أبواب التوسعة والمنفعة العامة، والاحتكار من أشد أبواب التضييق والضرر.
وليس كلُّ حجبٍ للسلع يكون احتكارًا محرَّمًا، ولا كلُّ توفيرٍ لها يكون جلبًا مشروعًا، بل المعوَّل عليه في ذلك حصولُ الضرر وعدمُ حصوله؛ فحصوله مناط التحريم، وعدمُه مناط الحل:
فإن التاجر قد يخزِّن السِّلَع المتوفرة في الأسواق، حتى يبيعها بالثمن المناسب في الوقت المناسب، حسب عرف السوق وقانون العرض والطلب دون إضرار بالناس، ودون تأثير على اقتصاد السوق، ويكون ذلك من التنافس التجاري المباح شرعًا، والأخذ بالأسباب المباحة في الرزق الحلال، وهو من باب السعي لتحصيل المنفعة الخاصة دون التأثير على المنفعة العامة.
كما أن التاجر قد يجلب السلع بكميات هائلة، ويغرق بها الأسواق، ويبيعها بأقل من ثمن التكلفة، أو بربح هامشي لا يُذكَر؛ فيتسبب ذلك في خسارة التجار والإضرار بهم وفساد السوق باختلال قانون العرض والطلب.
والفقهاء ينيطون تحريم الاحتكار بحصول الضرر، وإباحة الجلب بحصول النفع؛ واختلافهم في تحريم بعض صور الاحتكار ناتج عن تفاوت أنظارهم في تحقيق مناط الضرر فيها؛ فإن ما لا ضرر فيه لا تحريم فيه.
قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (5/ 129، ط. دار الكتب العلمية): [وما يصير به الشخصُ محتكِرًا: فهو أن يشتريَ طعامًا في مصر، ويمتنع عن بيعه، وذلك يضر بالناس، وكذلك لو اشتراه من مكان قريب يحمل طعامه إلى المصر وذلك المصر صغير، وهذا يضر به: يكون محتكرًا، وإن كان مصرًا كبيرًا لا يضر به: لا يكون محتكِرًا، ولو جلب إلى مصر طعامًا من مكان بعيدٍ وحبَسَه لا يكون احتكارًا] اهـ.
وليس الإضرار قاصرًا على الاحتكار، بل مِن الممارسات السوقية ما يوازي الاحتكار في الضرر وإفساد السوق والإخلال بقانون العرض والطلب، وهو ما يُسمَّى في الاقتصاد بسياسة (الإغراق)، ويطلق عليه بعض الاقتصاديين مصطلح (الاحتكار المقلوب) أو (المعكوس)، وفيه يقوم التجار بجمع السلع وتخزينها ثم بيعها بثمن زهيد قد يقل عن سعر تكلفتها، أو تقوم بعض الشركات بطرح منتجاتها -أو ما تستورده من سلع- في الأسواق المحلية، وإغراقها بها؛ للانفراد بالأسواق والسيطرة عليها، والإضرار بالمنافسين وإخراجهم منها، فإذا خلت لها الأسواق أقدمت على رفع سعر المنتجات كما يحلو لها، وهذه الممارسة وإن لم تكن (احتكارًا) بالمعنى الفقهي التراثي المعروف إلا أنها في معنى (الاحتكار)؛ إذ تؤول إلى الإضرار بالاقتصاد واختلال الأسواق، وإذا كان الضرر في (الاحتكار) حاصلًا (بتعطيش السوق) فهو حاصل في هذه الممارسة (بإغراق السوق) أو (حرق السلع)، كما أنها تؤول إلى الاحتكار، فإن سد باب المنافسة على التجار والمنتجين الآخرين أكبر وسيلة للانفراد بالسوق والتحكم في أسعارها، ولذلك فهي حرام شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».
وقد تفطَّن سيدنا عمرُ رضي الله عنه لِمَا قد يكون في إرخاص السلع مِن ضرر في بعض الأحوال، وإن لم يجزم بذلك؛ لِعدم تحقق الضرر فيه؛ وذلك فيما رواه الإمام مالك في "الموطأ": أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرَّ بحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وهو يبيع زبيبًا له بالسوق، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إِمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ مِنْ سُوقِنَا". وقد روى الإمام الشافعي عنه أنه رجع في ذلك.
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" (6/ 413، ط. دار الكتب العلمية): [قال الليث: وقال ربيعة: السوق موضع عصمة ومنفعة للمسلمين؛ فلا ينبغي للوالي أن يترك أهل الأسواق وما أرادوه من أنفسهم إذا كان في ذلك فساد لغيرهم، ولو كان في ذلك إخراجهم من السوق وإدخال غيرهم فيه] اهـ.
غير أنه ليس كلُّ إرخاصٍ للسلع إغراقًا؛ فإن مِن التجار مَن يشتري السلع ثم يبيعها بهامش ربح قليل؛ من أجل التيسير على الناس، أو المنافسة وجلب المشترين، وذلك من غير إغراق للأسواق ولا إضرار بالتجار ولا إخلال بالمنافسة العادلة، وهذا التصرف نافع للبائع وللمستهلك؛ فإن فيه دفعًا لعجلة الإنتاج، وإنجازًا لأكثر من دورة مالية في وقت قياسي، مما ينعكس إيجابًا على المنفعة العامة.
بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشَّر مَن فعل ذلك تيسيرًا على الناس واحتسابًا لوجه الله تعالى بأنه كالمجاهد في سبيل الله تعالى؛ فعن الْيَسَعِ بنِ المغيرة، قال: مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم برجلٍ بالسوق يبيع طعامًا بسعرٍ هو أرخص مِن سعر السوق، فقال: «تَبِيعُ فِي سُوقِنَا بِسِعْرٍ هُوَ أَرْخَصُ مِنْ سِعْرِنَا؟» قال: نعم، قال: «صَبْرًا وَاحْتِسَابًا؟» قال: نعم، قال: «أَبْشِرْ؛ فَإِنَّ الْجَالِبَ إِلَى سُوقِنَا كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْمُحْتَكِرُ فِي سُوقِنَا كَالْمُلْحِدِ فِي كِتَابِ اللهِ» رواه الزبير بن بكار في "أخبار المدينة"، والحاكم في "المستدرك"، وقد سبق ذكره.
وهنا نقول: إن الاحتكار، بمعناه الاقتصادي الحديث، اتسع مدلوله عما كان عليه مِن قبل، فقد تطورت الممارسات التجارية وتشعبت أوجه الاحتكار فيها؛ فأصبحت الممارسات الاحتكارية تشمل معاني أخرى غير حبس السلع لإغلائها استغلالًا للاحتياج إليها، بل يدخل فيها الانفراد بالأسواق، ومحاولة الهيمنة عليها وإخراج المنافسين، وتنفيذ سياسات الإغراق الداخلية والدولية، وغيرها من الممارسات ذات المدلولات التجارية التي تدل على تحريك السوق لصالح تجار معينين، أو شركات معينة، أو دول معينة، أو انفراد كيانات اقتصادية كبرى بها.
وتحقيق مناط الضرر في هذه الممارسات، والفرق فيها بين الإرخاص المحمود والإغراق المذموم: مرجعه إلى المؤشرات والمعايير التي وضعها أهل الاقتصاد وخبراؤه المتخصصون فيه، والتي تُقَيَّم مِن خلالها هذه الممارسات ويُقاس مدى ضررها على الدولة والمجتمع، ويتم في ذلك عمل الدراسات والأبحاث السوقية الكاشفة عن الممارسات الاحتكارية الضارة، والتمييز بينها وبين إرخاص الأسعار لأغراض تنافسية أو قيمية وأخلاقية، فما كان من ذلك ضارًّا فهو حرام، وما لم يكن كذلك فلا حرمة فيه، فالحرمة منوطة بحصول الضرر وجودًا وعدمًا، وتزداد الحرمة كلما ازداد الضرر، وتقل كلما قلَّ.
ولذلك أمارات ومؤشرات في علم الاقتصاد، منها: أن الإغراق خسف بالأسعار يقل في كثير من الأحيان عن ثمن التكلفة، ويكون التخفيض فيه بنسب عالية، ومدد طويلة نسبيًّا، وظروف اقتصادية معينة، وأنه يتم بشكل منهجي هيكلي مستمر، وأن غرضه الضرر أو الضرار؛ فقد يُراد منه إخراج المنافسين من تجار أو شركات، وقد يراد به ضرب الصناعة الوطنية؛ إذ هو من مجالات الصراعات الاقتصادية بين الدول والكيانات العالمية. ومعرفة الغرض من الممارسات التجارية أمر مهم في علم الاقتصاد يستدل عليه بالمؤشرات المختلفة؛ كما هو الحال في الفرق بين العمل الخيري وغسيل الأموال.
أما الإرخاص: فليس فيه شيء من ذلك، بل هو ينتج غالبًا كنتيجة لزيادة قدرة التاجر على الجلب، أو زيادة القدرة الإنتاجية للشركات، أو زيادة المعروض في السوق، ولا يكون فيه ضرر على الآخرين، بل يكون دافعًا للتنافس الشريف العادل. وقد يلتبس أحيانًا الإغراقُ بالإرخاص؛ فيكون المرجع في ذلك إلى المؤشرات والمعايير التي تضعها الدول والحكومات لكشف مدى الضرر من جراء هذه الممارسات أو تلك.
ولذلك كله فقد أنشأت الدولة المصرية جهاز حماية المنافسة التابع لوزارة التجارة والصناعة، وجعلت من أهدافه: اتخاذَ إجراءات التقصي والبحث وجمع الاستدلالات وعمل الدراسات والأبحاث في السوق لكشف الممارسات الضارة بالمنافسة، ومراقبة ممارسات العاملين في السوق بما يساعد على تحقيق حرية المنافسة وعدالتها، وأصدرت من أجل ذلك "قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية" رقم (3) لسنة 2005م.
ومن المؤشرات والعلامات الفارقة التي نصت عليها اللائحة التنفيذية لهذا القانون، تفريقًا بين الإغراق الضار والإرخاص الذي لا ضرر فيه: ما جاء في الباب الرابع من اللائحة، تحت عنوان: (إساءة استخدام السيطرة على سوق معنية)، مادة (13):
[يحظر على من تكون له السيطرة على سوق معنية القيام بأي مما يأتي.. (ح) بيع المنتجات بسعر يقل عن تكلفتها الحدية أو متوسط تكلفتها المتغيـرة.
ويقصد بالتكلفة الحدية: نصيب الوحدة من المنتجات من إجمالي التكاليف خلال فترة زمنية محددة. كما يقصد بالتكلفة المتغيرة: التكلفة التي تتغير بتغير حجم ما يقدمه الشخص من منتجات خلال فترة زمنية محددة.
كما يقصد بمتوسط التكلفة المتغيرة: إجمالي التكاليف المتغيرة مقسومًا على عدد وحدات من المنتجات.
ويراعى عند تحديد ما إذا كان المنتج يتم بيعه بسعر يقل عن تكلفته الحدية أو متوسط تكلفته المتغيرة ما يأتي:
1- ما إذا كان البيع يؤدي إلى إخراج أشخاص منافسين لـلشخص المسيطر من السوق.
2- ما إذا كان البيع يؤدي إلى منع أشخاص منافسين للشخص المسيطر من الدخول إلى السوق.
3- ما إذا كان يترتب على البيع قدرة الشخص المسيطر على رفع الأسعار بعد إخراج الأشخاص المنافسين له من السوق.
4- ما إذا كانت الفترة الزمنية لبيع المنتج بسعر يقل عن تكلفته الحدية أو متوسط تكلفته المتغيرة تؤدي إلى تحقيق أي مما سـبق] اهـ. المراد منه.
ولا يخفى أن تصرف الحاكم في ذلك منوط بالمصلحة، وله فيه حق تقييد المباح، ويجب على الناس الالتزام بما نظمه من الإجراءات، والامتناع عما منعه من الممارسات.
وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإذا كان تخزين التجار للسلع -أو طرح الشركات للمنتجات في الأسواق المحلية- بغرض بيعها بثمن زهيد قد يقل عن سعر تكلفتها، وذلك للانفراد بالأسواق والسيطرة عليها، والإضرار بالمنافسين وإخراجهم منها، بما يُسمَّى (بالإغراق) فإن ذلك حرامٌ شرعًا، وهو وإن لم يكن (احتكارًا) بالمعنى الفقهي المعروف، إلا أنه في معناه؛ إذ يؤول إلى الإضرار بالأسواق، والإخلال بقانون العرض والطلب، وضرب الصناعة الوطنية وإضعاف الاقتصاد الوطني، ولذلك كان محرمًا دوليًّا.
أما إذا لم يكن في تخزين السلع المتوقع غلاؤها إضرارٌ بالعامة، وكان المقصودُ طرحَها بعد ذلك بغرض إرخاصها والتيسير على الناس في شرائها، أو التنافس التجاري الشريف في استقطاب الجمهور وجذب المشترين: فهو أمر محمود شرعًا ولا مانع منه.
والمعوَّل عليه في حكم هذه الممارسات السوقية ونحوها على حصول الضرر الذي يكشف عنه (قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية) مع لائحته التنفيذية؛ فإذا تحققَ الضرر في أي ممارسة مِن هذه الممارسات بوقوعها فيما منعه القانون ولائحتُه فهي حرام شرعًا، سواء نوى صاحبها الإضرار بغيره أم لم ينوه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.