ما حكم الشبْكة وقائمة المنقولات عند الخلع؟
ما عليه العمل في الديار المصرية إفتاءً وقضاءً أن الواجب على المرأة المختلعة ردُّ كلِّ ما يثبت أنه مهرٌ أو جزءٌ منه، والحكم في ذلك مرده إلى القاضي؛ فكل ما يثبت كونه مهرًا أو جزءًا منه يحكم بردِّه إلى الزوج، وإلَّا كان حقًّا خالصًا للزوجة.
ما عليه الفتوى -وهو المعمول به في القضاء المصري- أن على المرأة المختلِعة مِن زوجها أن تَرُدَّ له مَهرَها الذي أَمهرها إياه، وأن تتنازل عن حقوقها الشرعية المالية عند الحكم لها بالخلع؛ اختيارًا مِن آراء بعض أهل العلم فيما يخصُّ هذه المسألة؛ وذلك تقليلًا للأعباء المالية والتكاليف الواقعة على الزوج بسبب هذا الانفصال الواقع عن غير اختياره.
وأما حقوقُ الزوجةِ الماليةُ الشرعيةُ التي تتنازل عنها عند طلبها الخُلْع -والتي وَرَدَت في نص المادة العشرين مِن القانون رقم 1 لسنة 2000م: [للزوجين أن يَتراضَيَا فيما بينهما على الخُلْع، فإن لم يَتراضَيَا عليه وأقامت الزوجةُ دعواها بطَلَبِه وافتَدَت نفسها وخالَعَت زوجَها بالتنازُل عن جميعِ حقوقِها الماليةِ الشرعيةِ ورَدَّتْ عليه الصداقَ الذي أعطاه لها، حَكَمَت المحكمةُ بتطليقها عليه] اهـ.- فالمقصود بها: المهرُ بكامله (مقدَّمه ومؤخَّره) وهو ما كان عِوَضًا عن البُضع ومقابِلًا للتسليم؛ فكل ما ثَبَتَ كونُه مَهرًا وجب ردُّه للزوج، وكذلك تدخل فيها نفقة المُتعة فتَسقط بالخُلْع، وكذا نفقة العِدَّة تَسقط به أيضًا؛ لأنَّ غرض المشرع مِن تنظيم قانون الخُلْع هو رحمةُ المرأةِ مِن زواجٍ لا تُطيق الاستمرارَ فيه مع عَدَم إثقالِ كاهِلِ الزوجِ بالتكاليف والأعباء.
وقد سعى المُشرِّعُ المصري في اختياره لأحكام الخُلْع مِن فقه الشريعة الإسلامية إلى تحقيق التوازن بين الرجل والمرأة؛ فقَيَّد العِوَضَ المقابِلَ للخُلْع -بعد أن كان مُطْلَقًا في أقوال الفقهاء- وخَصَّه بالحقوق الشرعية المالية الثابتة للزوجة بالعقد؛ حمايةً لها مِن استغلال الزوج، وحتى لا يَكِرَّ إطلاق العِوَضِ على مقصودِ الخُلْعِ بالبُطلان، وسَدَّ في ذات الوقت بابَ استغلال الخُلْع مِن قِبَل الزوجات في استِيلَائهن على أموال أزواجهن وإثقال كاهلهم بالتكاليف والأعباء المالية المُدَّعاة والتي قد تكون مبالغًا فيها.
والمتعارف عليه في صياغة القائمة بين الناس أنها في ظاهرها استيثاقٌ لِحَقِّ الزوجة تحت يد الزوج، فإذا ما قامت المرأة بإعداد بيت الزوجية بمقدَّم صَدَاقها؛ سواء أمهرها الزوجُ الصَّداقَ نَقدًا أو قدَّمه إليها في صورة جهازٍ أعَدَّه لبيت الزوجية فإن هذا الجهاز يكون مِلكًا للزوجة ملكًا تامًّا بالدخول، وتكون مالكةً لنصفه بعقد النكاح إن لم يتم الدخول، وعادةً ما يكون هذا الجهاز في بيت الزوجية الذي يمتلكه الزوج أو يؤجره مِن الغير، فيكون الجهاز تحت يد الزوج وقبضته، فلما ضَعُفَت الديانةُ وكَثُرَ تَضييع الأزواج لحقوق زوجاتهم رأى المجتمعُ كتابةَ قائمةٍ بالمنقولات الزوجية (قائمة العَفْش)؛ لتكون مُطْلَقَ ضمانٍ لِحَقِّ المرأة لدى زوجها إذا ما حدث خلافٌ بينهما، وتعارف كثيرٌ مِن الناس على ذلك، وصِيغَ هذا الضمانُ بِكَونِ القائمةِ حقًّا مدنيًّا للزوجة على زوجها بمثابة الدَّين لها عليه.
غيرَ أنَّ هذا الاستيثاقَ صار في كثيرٍ مِن الأحيان ذَرِيعةً للاستغلال؛ حين تُنكِر الزوجةُ كَونَ القائمةِ مَهرًا لها مع اختلاف ذلك عن الواقع ونفس الأمر؛ فقد تكون القائمةُ كلها هي المَهر الحقيقي الذي دفعه الزوجُ للزوجة، ويكون المُثبَت في قسيمة الزواج مَهرًا صوريًّا يُكتَب فيه أقلُّ مُتموَّل؛ تهرُّبًا من النسبة التي تُدفَع رُسُومًا على قيمة المَهر المُثبَت في قسيمة الزواج، وقد تكون مشتركةً بينهما بنسبٍ متفاوتة، وفي بعض الأحيان تكون الزوجة هي التي قامت بشراء المنقولات كلها مِن مالها أو مِن مال أهلها.
وعلى هذا التفصيل يجري الحُكمُ؛ فإن ادعى الزوجُ كونَ القائمة أو بعضَها مَهرًا وثَبَتَ ذلك بما يَثبُتُ به الحقُّ قضاءً بالبينات أو الشهود أو القرائن التي يطمئن القاضي إلى صحتها حُكِم له بها، ويجب على الزوجة حينئذٍ رَدُّها عند الخُلْع بموجب المعمول به إفتاءً وقضاءً؛ لخروجها حينئذٍ عن كونها دَيْنا إلى كونها عِوَضًا للبُضع ومقابِلًا للتسليم، فكانت بذلك مَهرًا واجب الرد.
أما إن لم يَثبُت ذلك عند القاضي فإنها تكون حقًّا خالصًا للزوجة؛ سواء اختلعَت أو لم تَختلع، ولا يجب عليها ردُّها للزوج عند الخُلْع.
أما الشبكة: فإذا كان العُرف قد جرى على أنها جزءٌ مِن المَهر فإنها تُرَدُّ عند الخُلْع، أما إذا كان قد اتُّفقَ على كونها هديةً فإنها تأخذ حُكمَ الهدايا، والهدايا ليست مَهرًا؛ فلا تُرَدُّ عند الخُلْع.
وبِناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالذي يُرَدُّ عند الخُلْع هو كل ما يَثبُتُ كونه مَهرًا، وما لم يكن مَهرًا فإنه لا يُرَدُّ عند الخُلْع، والحُكمُ بأن القائمة أو الشبكة أو غيرهما هو المَهر أو جزءٌ منه هو أمرٌ موكولٌ إلى القاضي بما يَترجح عنده مِن الأدلة والقرائن والبينات التي هو مُخَوَّلٌ بالنظر فيها والترجيح بينها عند تعارضها؛ فإذا ثَبَتَ عنده أن القائمة أو الشبكة أو بعضهما هو المَهر أو جزءٌ منه قَضى بِرَدِّه للزوج كما سبق إيضاحه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.