الرد على مقولة انتشار الإسلام بالسيف

  • المفتى: فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
  • تاريخ الصدور: 06 سبتمبر 2011
  • رقم الفتوى: 2430

السؤال

يردد الغربيون مقولة: "إن الإسلام انتشر بالسيف"، فكيف نرد على هذا؟

الجواب

المحتويات

 

الرد على مقولة انتشار الإسلام بالسيف

يقول الله تعالى مخاطبًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، إن هذا البيان القرآني بإطاره الواسع الكبير الذي يشمل المكان كله، فلا يختص بمكان دون مكان، والزمان بأطواره المختلفة وأجياله المتعاقبة فلا يختص بزمان دون زمان، والحالات كلها سلمها وحربها فلا يختص بحالة دون حالة، والناس أجمعين مؤمنهم وكافرهم عربهم وعجمهم فلا يختص بفئة دون فئة؛ ليجعل الإنسان مشدوهًا متأملًا في عظمة التوصيف القرآني لحقيقة نبوة سيد الأولين والآخرين ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107] رحمة عامة شاملة، تجلت مظاهرها في كل موقف لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تجاه الكون والناس من حوله.
والجهاد في الإسلام حرب في غاية النقاء والطهر والسمو، وهذا الأمر واضح تمام الوضوح في جانبي التنظير والتطبيق في دين الإسلام وعند المسلمين، وبالرغم من الوضوح الشديد لهذه الحقيقة، إلا أن التعصب والتجاهل بحقيقة الدين الإسلامي الحنيف، والإصرار على جعله طرفًا في صراع وموضوعًا للمحاربة، أحدث لبسًا شديدًا في هذا المفهوم -مفهوم الجهاد- عند المسلمين، حتى شاع أن الإسلام قد انتشر بالسيف، وأنه يدعو إلى الحرب وإلى العنف، ويكفي في الرد على هذه الحالة من الافتراء، ما أمر الله به من العدل والإنصاف، وعدم خلط الأوراق، والبحث عن الحقيقة كما هي، وعدم الافتراء على الآخرين؛ حيث قال سبحانه في كتابه العزيز: ﴿يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 71].
ولقد فطن لبطلان هذا الادعاء كاتب غربي كبير هو توماس كارليل، حيث قال في كتابه "الأبطال وعبادة البطولة" ما ترجمته: إن اتهامه -أي سيدنا محمد- بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا له، فإذا آمن به من يقدرون على حرب خصومهم، فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها. اهـ. "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه" (ص: 166).
ويقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب" وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده صلى الله عليه وآله وسلم وفي عصور الفتوحات من بعده: [قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة...، ولم ينتشر القرآن إذن بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخرًا كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل ما زاد عدد المسلمين على خمسين مليون نفس فيها...، ولم يكن القرآن أقل انتشارًا في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط] اهـ. "حضارة العرب" (ص: 128-129).
هذا وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة ثلاثة عشر عامًا، يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد كان نتاج هذه المرحلة أن دخل في الإسلام خيار المسلمين من الأشراف وغيرهم، وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء، ولم يكن لدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثروة عظيمة يغري بها هؤلاء الداخلين، لم يكن لديه إلا الدعوة والدعوة وحدها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تحمَّل المسلمون -لا سيما الفقراء والعبيد ومن لا عصبية له منهم- من صنوف العذاب وألوان البلاء؛ ما تعجز الجبال الرواسي عن تحمله، فما صرفهم ذلك عن دينهم، وما تزعزعت عقيدتهم، بل زادهم ذلك صلابة في الحق، وصمدوا صمود الأبطال مع قلتهم وفقرهم، وما سمعنا أن أحدًا منهم ارتدَّ سخطًا عن دينه، أو أغرته مغريات المشركين في النكوص عنه، وإنما كانوا كالذهب الإبريز لا تزيده النار إلا صفاءً ونقاءً، وكالحديد لا يزيده الصهر إلا قوةً وصلابةً، بل بلغ من بعضهم أنهم وجدوا في العذاب عذوبة، وفي المرارة حلاوة. أفيصح مع هذه الحقائق الناصعة أن يقال: إن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم قد قهر الناس، وحملهم على الدخول في دينه بالقوة والإرهاب والسيف؟!

القتال في الإسلام من أنقى أنواع الحروب

يتبين من التدبر لآيات الله سبحانه وتعالى؛ أن القتال في الإسلام من أنقى أنواع الحروب، وقد تجلى ذلك من عدة نواحٍ كالتالي:
1- من ناحية هدفه وأسلوبه.
2- من ناحية شروطه وضوابطه.
3- من ناحية ما ترتب عليه من نتائج.
أولًا: أهداف الحرب في الإسلام:
1- رد العدوان والدفاع عن النفس.
2- تأمين الدعوة إلى الله، وإتاحة الفرصة للضعفاء الذين يريدون اعتناقها.
3- المطالبة بالحقوق السليبة.
4- نصرة الحق والعدل.

شروط الجهاد

1- النبل والوضوح في الوسيلة والهدف.
2- لا قتال إلا مع المقاتلين، ولا عدوان على المدنيين.
3- إذا جنحوا للسلم وانتهوا عن القتال؛ فلا عدوان إلا على الظالمين.
4- المحافظة على الأسرى ومعاملتهم المعاملة الحسنة التي تليق بالإنسان.
5- المحافظة على البيئة، ويدخل في ذلك النهي عن قتل الحيوان لغير مصلحة وتحريق الأشجار، وإفساد الزروع والثمار، والمياه، وتلويث الآبار، وهدم البيوت.
6- المحافظة على الحرية الدينية لأصحاب الصوامع والرهبان، وعدم التعرض لهم.


الآثار المترتبة على الجهاد

1- تربية النفس على الشهامة والنجدة والفروسية.
2- إزالة الطواغيت الجاثمة فوق صدور الناس، وهو الشر الذي يؤدي إلى الإفساد في الأرض بعد إصلاحها.
3- إقرار العدل والحرية لجميع الناس مهما كانت عقائدهم.
4- تقديم القضايا العامة على المصلحة الشخصية.
5- تحقيق قوة ردع مناسبة لتأمين الناس في أوطناهم.

حقائق غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والفتوحات الإسلامية

1- إن مجموع تحركات النبي صلى الله عليه وآله وسلم العسكرية نحو ثمانين غزوة وسارية وإن القتال الفعلي لم يحدث إلا في نحو سبع مرات فقط.
2- المحاربون كانوا كلهم من قبائل مضر أولاد عمه صلى الله عليه وآله وسلم فلم يقاتل أحدًا من ربيعة ولا قحطان.
3- أن عدد القتلى من المسلمين في كل المعارك 139، ومن المشركين 112، ومجموعهم 251، وهو عدد القتلى من حوادث السيارات في مدينة متوسطة الحجم في عام واحد، وبذلك يكون عدد القتلى في كل تحرك من تلك الثمانين 3.5 أشخاص، وهذا أمر مضحك مع ما جُبل عليه العرب من قوة الشكيمة والعناد في الحرب أن يكون ذلك سببًا لدخولهم الإسلام وتغيير دينهم.
4- لقد انتشر الإسلام بعد ذلك بطريقة طبيعية لا دخل للسيف ولا القهر فيها، وإنما بإقامة العلاقات بين المسلمين وغيرهم، وعن طريق الهجرة المنتظمة من داخل الحجاز إلى أنحاء الأرض. وهناك حقائق حول هذا الانتشار؛ حيث يتبين الآتي:
في المائة العام الأولى من الهجرة: كانت نسبة انتشار الإسلام في غير الجزيرة كالآتي: في فارس (إيران) كانت نسبة المسلمين فيها هي 5%، وفي العراق 3%، وفي سورية 2%، وفي مصر 2%، وفي الأندلس أقل من 1%.
أما السنوات التي وصلت نسبة المسلمين فيها إلى 25% من السكان فهي كالآتي:
إيران سنة 185هـ، والعراق سنة 225هـ، وسورية 275هـ، ومصر 275هـ، والأندلس سنة 295هـ.
والسنوات التي وصلت نسبتهم فيها إلى 50% من السكان كانت كالآتي:
بلاد فارس 235هـ، والعراق 280هـ، وسورية 330هـ، ومصر 330هـ، والأندلس 355هـ.
أما السنوات التي وصلت نسبة المسلمين فيها إلى 75% من السكان فكانت كالآتي:
بلاد فارس 280هـ، والعراق 320هـ، وسورية 385هـ، ومصر 385هـ، والأندلس سنة 400هـ.

خصائص انتشار الإسلام

أ- عدم إبادة الشعوب.
ب- معاملة العبيـد معاملة راقية، وتعليمهم، وتدريبهم، بل وتوليتهم الحـكم في فترة اشتهرت في التاريخ الإسلامي بعصر المماليك.
ج- الإبقاء على التعددية الدينية من يهود ونصارى ومجوس؛ حيث نجد الهندوكية على ما هي عليه وأديان جنوب شرق آسيا كذلك.
د- إقرار الحرية الفكرية، فلم يعهد أنهم نصبـوا محـاكم تفتيش لأي من أصحاب الآراء المخالفة.
هـ- ظل إقليم الحجاز مصدر الدعوة الإسلامية فقيرًا حتى اكتشـاف البترول في العصر الحديث.
إن هذه الحقائق ظلت باقية إلى يومنا هذا وعبر التاريخ، وعلى العكس منها تعرض العالم الإسلامي للاستعمار، ولإبادة الشعوب، وتهجيرها، ولمحاكم التفتيش، والحروب الصليبية، ولسرقة البشر من غرب أفريقيا، وصناعة العبيد في أمريكا من ملف واسع كبير.
والغرض من ذكر ما سبق المقارنة بين نقاء الإسلام والحروب عند غيرنا قديمًا وحديثًا.
هذه حقيقة انتشار الإسلام، وسمات الجهاد في الدين الإسلامي.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة