ما حكم كتابة القرآن الكريم على الأرض للمساعدة على الحفظ؟ ففي بعض الكتاتيب في البلاد الإسلامية لا يتوفر لدى التلاميذ أو بعضهم ألواح لكتابة القرآن الكريم عليها بغرض حفظه وتعلمه، ولا وسيلة أمامهم إلا أن يكتبوه على الأرض، وإلا سيضيع على كثيرٍ منهم فرصة الحفظ في الكتاتيب. فهل يجوز ذلك شرعًا؟
ما دامت الكتابة على الأرض هي الوسيلة المتاحة لهؤلاء التلاميذ لحفظ القرآن الكريم في البلدان المسؤول عنها ولم تتوفر الألواح اللازمة لهم أو لبعضهم للكتابة عليها فإنه يجوز شرعًا الكتابة على الأرض للضرورة، بشرط أن يكون ذلك في بقعةٍ تُحمَى من وطئها أو الجلوس عليها أو وضع شيء فوقها، وتكون الكتابة بطاهرٍ وعلى طاهر، ويكون محو الكتابة بالأيدي لا بالأرجل، بحيث يُتَعامَل مع هذه الكتابة وموضعها بمنتهى الاحترام والتقدير الواجبين لآيات القرآن الكريم، هذا مع التنبيه على أن ذلك موضع حاجة وضرورة يزول بزوالها، ونهيب بالمسلمين أن ينفقوا في مثل هذه المصارف ولو من الزكاة؛ فإن تعلُّم القرآن الكريم وتعليمه من الجهاد في سبيل الله.
المحتويات
حثَّ الشرع الشريف على تعلم القرآن وتعليمه، وتظاهرت الأدلة الشرعية على ذلك:
فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن متعلمَ القرآن ومعلِّمَه خيرُ الأمة؛ فقال: «خَيْرُكُمْ -وفي رواية: إِنَّ أَفْضَلَكُمْ- مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» رواه البخاري من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قال الإمام أبو الحسن بن بطال في "شرح البخاري" (10/ 256، ط. مكتبة الرشد): [حديث عثمان يدل أن قراءة القرآن أفضل أعمال البر كلها؛ لأنه لما كان مَن تعلم القرآن أو علَّمه أفضلَ الناس وخيرَهم دلَّ ذلك على ما قلناه؛ لأنه إنما وجبت له الخيريةُ والفضلُ مِن أجل القرآن، وكان له فضلُ التعليم جاريًا ما دام كلُّ مَن علَّمه تاليًا] اهـ.
وبيَّن النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أن حافظ القرآن وقارئَه مع الملائكة في المنزلة؛ فقال: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ» رواه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وحافظ القرآن لا تمسه النار؛ فروى الإمام أحمد في "مسنده" والدارمي في "سننه" عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ جُعِلَ فِي إِهَابٍ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ»، قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: [«في إهابٍ» يعني: في قلب رجل، هذا يُرْجَى لمَن القرآنُ في قلبه أن لا تمسه النار] اهـ. نقلًا عن "الآداب الشرعية" للعلامة ابن مفلح (2/ 33، ط. عالم الكتب).
تعلُّم القرآن الكريم وتعليمه من الأمور المطلوبة طلبًا مؤكَّدًا في الشريعة الإسلامية؛ على مستوى الأمة، وعلى مستوى الفرد:
فأمَّا على مستوى الأمة والجماعة: فقد أجمع العلماء على أنه يجب على المسلمين القيام على حفظ القرآن الكريم حفظًا ونقلًا وتعلُّمًا وتعليمًا، وأن حفظَ القرآنِ كلِّه وضبطَه فرضُ كفاية على جماعة المسلمين؛ إن قام به بعضهم سقط الإثم عن باقيهم، وإن تركوه جميعًا أثموا جميعًا؛ قال الإمام ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 156، ط. دار الكتب العلمية): [وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْسَان حفظ جَمِيعه وَأَن ضبط جَمِيعه على جَمِيع الْأمة وَاجِب على الْكِفَايَة لَا مُتَعَيَّنًا] اهـ.
وأما على مستوى الفرد: فقد أجمعوا على أنه يجب على المكلف أن يحفظ من القرآن ما يقيم به صلاته وفرضه؛ قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: [الذي يجب على الإنسان من تعليم القرآن والعلم: ما لا بد له منه في صلاته وإقامة عينه] اهـ. نقلًا عن ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (2/ 33).
وقال ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 156): [وَاتَّفَقُوا على أَن حفظ شَيْء من الْقُرْآن وَاجِب، وَلم يتفقوا على مَاهِيَّة ذَلِك الشَّيْء وَلَا كميته بِمَا يُمكن ضبط إجماع فِيهِ، إلا أَنهم اتَّفقُوا على أَنَّ مَن حفظ أمَّ الْقُرْآن ببِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم كلهَا وَسورَة أُخْرَى مَعهَا فقد أدَّى فرض الْحِفْظ، وَأَنه لَا يلْزمه حفظ أَكثر من ذَلِك] اهـ.
والكتابة من أكثر الوسائل مساعدة على حفظ القرآن الكريم وتعلمه، ولذلك كانت هي أنجع وسيلة للحفظ في مكاتب تحفيظ القرآن الكريم للطلبة عبر الأجيال.
حفظ القرآن واجبٌ كفائيٌّ على أهل كل بلدة ليظل القرآن الكريم محفوظًا بينهم، وهو واجب عيني على كل فرد فيما يتأدى به فرض الصلاة، ومن المقرر أن "الوسائل لها أحكام المقاصد"؛ فإذا تعينت وسيلةٌ ما لأداءِ واجبٍ ما فهي واجبةٌ؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإذا ضاق الأمر اتسع.
ومن مقاصد الشرع تيسير حفظ القرآن الكريم؛ فقد قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17].
قال الإمام الرازي في "تفسيره" (29/ 300، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه وجوه؛ الأول: للحفظ، فيمكن حفظه ويسهل، ولم يكن شيء من كتب الله تعالى يُحفظ على ظهر القلب غير القرآن، وقوله تعالى: ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ أي: هل مَن يحفظ؟] اهـ.
وقال الإمام القرطبي في "تفسيره" (17/ 134، ط. دار عالم الكتب): [أي: سهَّلناه للحفظ وأعنَّا عليه مَن أراد حفظه، فهل مِن طالبٍ لحفظه فيعان عليه؟.. وقال سعيد بن جبير: ليس مِن كُتُبِ الله كتابٌ يُقرَأُ كلُّه ظاهرًا إلا القرآن] اهـ.
فما يسر الله تعالى حفظَه إلا واقتضى ذلك تيسير الوسائل لدرك هذه الغاية الشريفة.
والمسلمون مكلَّفون بما في وسعهم وطاقتهم، ولم يحمِّلهم الشرع إلَّا على قدر ما آتاهم الله من الوسائل لتحقيق المقاصد؛ قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال سبحانه: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: 7]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم» رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قد استخدم الصحابة الكتابة في تدوين القرآن الكريم وحفظه؛ فكانوا يكتبونه على ما يتيسر لهم الكتابة عليه؛ من العُسُب (جمع عَسِيب، وهو جريد النخل)، واللِّخاف (جمع لَخْفة، وهي الحجارة العريضة الرقيقة)، والرِّقَاع (جمع رُقعة، من جلد أو ورق أو كاغد)، كما رواه البخاري في "صحيحه" عن زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع القرآن حيث قال: "فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُبِ والرِّقاع واللِّخاف وصدور الرجال"، وإنما عمدوا إلى الكتابة على مثل هذه الأدوات -التي قد لا تصلح لكتابة القرآن الكريم في عصرنا-؛ لأنها كانت هي المتاحة لهم في عصرهم.
إذا كانت الكتابة على الأرض هي الوسيلة المتاحة لتحفيظ القرآن في هذه البلدان ولم تتوفر الألواح للطلبة أو بعضهم في هذه الكتاتيب فإنه لا مانع حينئذٍ من الكتابة على الأرض؛ بشرط أن لا يوطَأ المكان الذي يُكتَب فيه القرآن ولا يُوضَع عليه شيء.
ولا يشكل على ذلك الآثار الواردة في النهي عن كتابة القرآن الكريم على الأرض؛ من مثل ما رواه ابن بطة في "الإبانة" والمستغفري في "فضائل القرآن" وغيرهما عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهما، قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُكْتَبَ القرآنُ على الأرض"؛ فإن علَّة النهي هي: أنَّ ذلك مَظِنَّةُ وَطْئِه؛ لأن الأرض من شأنها أن توطأ، وفي هذا امتهان للقرآن الكريم، وهو من الكبائر، وتعمد فعله كفرٌ.
ومقتضى ذلك أنه حيث تنتفي مظنة الوطء فلا تحريم؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فحيث وُجِدَ الامتهانُ حرُم الفعل، وحيث انتفى انتفت الحرمة.
وهذا يوضحه ما رواه أبو عُبَيْد القاسم بن سلَّام في "فضائل القرآن" (ص: 121، ط. دار ابن كثير)، وابن بطة في "الإبانة" (5/ 325، ط. دار الراية)، والمستغفري في "فضائل القرآن" (1/ 200) عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: "لا تكتبوا القرآنَ حيثُ يُوطَأُ"، وبوَّب له الحافظ المستغفري بقوله: "باب ما جاء في النهي عن كتابة القرآن على الأرض أو على شيء يُوطَأ؛ تعظيمًا له".
وقال العلامة الشيخ الضباع في رسالته "فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن": [ولا يجوز كتبه على الأرض، ولا على بساط، ونحوه مما يُوطَأُ بالأقدام] اهـ.
الامتهان غير متصور في هذا الموضع؛ فإن الكتابةَ على الأرض المفروضةَ هنا -حيث لا ألواح يُحفَظُ أو يُكتَب عليها- إنما هي وسيلة لتعليمه وتَعَلُّمه، ليظل محفوظًا بين المسلمين في هذه البلدة أو ذلك الموضع الذي لا يجد أهله من وسائل الكتابة لأولادهم غير ذلك، مع الحفاظ على الأرض المكتوبة عليها من أن تُوطَأ أو أن يُجلَس عليها.
وليس مجرد كتابة القرآن على الأرض من غير امتهان حرامًا؛ فكتابة آيات القرآن الكريم على القبر -مثلًا- ليست حرامًا في المعتمد عند الشافعية، مع أنها كتابة على الأرض، وقد علَّلُوا ذلك بإمكان تلافي المحاذير التي تؤدي إلى الامتهان.
قال العلامة الشمس الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (3/ 34، ط. دار الفكر): [وما ذكره الأذرعي من أن القياسَ تحريمُ كتابة القرآن على القبر؛ لتعرضِه للدوس عليه والنجاسِة والتلويثِ بصديد الموتى عند تكرار النبش في المقبرة المسبلة: مردود بإطلاقهم، لاسيما والمحذورُ غيرُ محقَّق] اهـ.
ويشهد لجواز كتابة الذكر على الأرض عند انتفاء الامتهان ما رُوِيَ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى - حكايةً عن زكريَّا على نبينا وعليه الصلاة والسلام-: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: 11]، قال: "كتب لهم على الأرض: أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا"، نقله عنه الآلوسي في "روح المعاني" (8/ 391، ط. دار الكتب العلمية)، ثم قال: [وهو الرواية الأخرى عن مجاهد، لكن بلفظ: "على التراب"، بدل على الأرض] اهـ.
وفي هذا كتابة نبي من الأنبياء لشيء من ذكر الله تعالى على الأرض؛ توصُّلًا بذلك إلى إرشاد قومه ووعظهم.
وقد نص الفقهاء على أن الامتهان إنما يتحقق بالقدرة على الحالة الكاملة مع العدول عنها، وأن وجود الضرورة ينفي الامتهان؛ فأجازوا لمن لا يستطيع كتابة القرآن بيديه أن يكتبه برجله، مع أنهم قد نصوا على أنه لا يجوز محو الكتابة من اللوح بالقدم.
قال الشيخ عبد الحميد الشرواني الشافعي في "حواشيه" على "تحفة المحتاج" لابن حجر (9/ 91، ط. المكتبة التجارية): [وقع السؤال عن شخص يكتب القرآن برجله؛ لكونه لا يمكنه أن يكتب بيديه؛ لمانع بهما. والجواب عنه -كما أجاب به شيخنا الشوبري-: أنه لا يحرم عليه ذلك -والحالة هذه-؛ لأنه لا يعد إزراءً؛ لأن الإزراء أن يقدر على الحالة الكاملة وينتقل عنها إلى غيرها، وهذا ليس كذلك. اهـ. ع. ش] اهـ.
كما أجازوا بعض الصور التي ظاهرها الامتهان؛ حفاظًا على الكليات الخمس؛ وذلك لأن وجود الضرورة يمنع مِن كون ذلك امتهانًا.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 177، ط. دار الكتب العلمية): [سُئِل بعضُ الشافعية عمن اضطُر إلى مأكول ولا يتوصل إليه إلا بوضع المصحف تحت رجله. فأجاب: الظاهر الجواز؛ لأن حفظ الروح مُقَدَّمٌ ولو من غير الآدمي؛ ولذا لو أشرفت سفينة على الغرق واحتيج إلى الإلقاء أُلقِيَ المصحفُ؛ حفظًا للروح، والضرورة تمنع كونَه امتهانًا، كما لو اضطر إلى السجود لصنم؛ حفظًا لروحه] اهـ.
كما أن الامتهان لا يكون كذلك إلا بتحقق القصد إليه؛ ولذلك نص الفقهاء على أن بصق أولاد الكتاتيب على ألواح القرآن لمسح للكتابة لا يُعَدُّ امتهانًا؛ لوجود الحاجة الداعية إلى ذلك مع عدم قصد الامتهان، ومن المقرر أن "الحاجة تُنَزَّل منزلة الضرورة".
جاء في "فتاوى العلامة الشهاب الرملي الشافعي" (1/ 31، ط. المكتبة الإسلامية): [سُئِل عما تفعله أولاد الكتاتيب من البصق على ألواح القرآن والعلم؛ لأجل المسح؛ هل يجب على من يراهم منعهم من ذلك؟ وإذا فعله بالغ أثم أو لا؟ فأجاب: بأنَّ الحاجة داعية إلى ذلك، ولم يقصد به المكلَّفُ الامتهانَ] اهـ.
قد تقرر في الفقه: أن تعليم القرآن وتعلمه وتحفيظه من مواضع الضرورة التي يُتَسامَح فيها ما لا يُتَسامَح في غيرها.
فأجاز الفقهاء حمل الصبي وهو مُحدِثٌ للمصحف أو اللوح للحفظ.
قال العلامة الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 58، ط. المطبعة الأميرية): [وكره بعض أصحابنا دفع المصحف واللوح الذي كتب فيه القرآن إلى الصبيان، ولم يرَ بعضهم به بأسًا وهو الصحيح؛ لأن في تكليفهم بالوضوء حرجًا بهم، وفي تأخيرهم إلى البلوغ تقليل حفظ القرآن؛ فيرخص؛ للضرورة] اهـ.
وقال الشيخ الخطيب الشربيني الشافعي في "الإقناع" (1/ 96): [ولا يجب منع الصغير المميز من حمل المصحف واللوح للتعلم إذا كان محدثًا ولو حدثًا أكبر كما في "فتاوى النووي"؛ لحاجة علمه ومشقة استمراره متطهرًا، بل يُندَب، وقضية كلامهم: أن محلَّ ذلك في الحمل المتعلق بالدراسة] اهـ.
كما أجاز المالكية للحائض مسَّ المصحف لغرض التعليم أو التعلُّم.
قال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته" على "الشرح الكبير" (1/ 174، ط. دار الفكر) أثناء تعداد الأمور التي تحرم على الحائض: [(قوله: ومس مصحف) أي: ما لم تكن معلمة أو متعلمة، وإلا جاز مسها له] اهـ.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما دامت الكتابة على الأرض هي الوسيلة المتاحة لتحفيظ القرآن الكريم في البلدان المسؤول عنها ولم تتوفر الألواح للطلبة أو لبعضهم في الكتاتيب فإنه يجوز لهم شرعًا الكتابة على الأرض؛ بشرط أن يكون ذلك في بقعةٍ تُحمَى من وطئها أو الجلوس عليها أو وضع شيء فوقها، وتكون الكتابة بطاهر وعلى طاهر، ويكون محو الكتابة بالأيدي لا بالأرجل، بحيث يُتَعامَل مع هذه الكتابة وموضعها بمنتهى الاحترام والتقدير الواجبين لآيات القرآن الكريم. هذا مع التنبيه على أن ذلك موضع حاجة وضرورة يزول بزوالها.
ونهيب بالمسلمين أن ينفقوا في مثل هذه المصارف؛ ولو من الزكاة؛ فإن تعلُّم القرآن الكريم وتعليمه من الجهاد في سبيل الله؛ قال سبحانه: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 52]؛ وذلك حتى لا يحتاج إخوانهم إلى الكتابة على الأرض؛ قيامًا بفرض الكفاية الذي أوجبه الله على مجموعهم؛ ليبقى القرآن مُيَسَّر الحفظ في سائر بلاد المسلمين وغيرهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.