المراد بأهل السنة والجماعة

  • المفتى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
  • تاريخ الصدور: 24 يوليه 2013
  • رقم الفتوى: 2366

السؤال

ما هو التعريف الجامع والمانع لأهل السنة والجماعة؟

أهل السنة والجماعة هم أصحاب ذلك المنهج الوسطي عبر القرون؛ شريعة، وعقيدة، وسلوكًا. ففي الشريعة: يعتمدون المذاهب السنية الأربعة للأئمة المتبوعين (ويستقون من المذاهب الأخرى أيضًا في فسيح الفقه الإسلامي الواسع)، وفي العقيدة: العقيدة الأشعرية للشيخ أبي الحسن الأشعري والماتريدية للشيخ أبي منصور الماتريدي، وفي السلوك: التصوف السني المقيد بالكتاب والسنة الذي كان عليه سَلَفُ الأمة وخَلَفُها جيلًا بعد جيل، وهو يعني الأدب مع الله تعالى وتزكية النفس والترقي في مقامات الكمال ودرجات الرجال.
وأهل السنة والجماعة على هذا النحو هم السواد الأعظم من المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَاتَّبِعُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ، فَإِنَّهُ مَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ» رواه الحاكم في "المستدرك".

المحتويات 

 

المراد بأهل السنة والجماعة

يطلق مصطلح أهل السنة والجماعة في مقابل أصحاب البدع الاعتقادية، واستعمال ذلك المصطلح في هذا المعنى استعمال قديم، يرجع إلى العصر الأول؛ حيث ورد ذكره في بعض الأحاديث المرفوعة والموقوفة؛ فأخرج الخطيب فِي "رُوَاة مالك" والديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النَّبِي صلى الله عَلَيه وآله وسلم فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: 106] قَالَ: «تَبْيَضُّ وُجُوه أَهْلِ السُّنَّةِ وَتَسْوَدُّ وُجُوه أهْلِ الْبِدَعِ».

وَأخرج أَبُو نصر السِّجْزِي فِي "الإبانة" عَن أبي سعيد الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وسلم قَرَأَ: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: 106]، قَالَ: «تبيض وُجُوه أهل الْجَمَاعَات وَالسُّنَّة، وتَسْوَدُّ وُجُوه أَهْلِ البِدَعِ والأَهْوَاءِ». نقلًا عن "الدر المنثور" للسيوطي (2/ 291، ط. دار الفكر).
وروى الآجُرِّي في "الشريعة" عن ابن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي هَذِه الْآيَة قال: [فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة، وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والأهواء] اهـ.

ثم إنه لما انتُدِب جماعة من علماء أصول الدين إلى تقرير عقائد السلف وبسط الكلام فيها ونصرتها وتدعيمها بالحجج والبراهين والرد على أهل الزيغ والإلحاد، وارتضى ما وصل إليه هؤلاء جماهيرُ أئمة الإسلام ونقلة الشرع الشريف عبر العصور إلى يومنا هذا، وتبعوهم عليه، وسلكوا مسالكهم، وانتسبوا إليهم، صار السواد الأعظم من المسلمين على هذا النحو، وقد روى الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فَاتَّبِعُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ، فَإِنَّهُ مَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ»، فكان اصطلاح أهل السنة والجماعة عَلَمًا على هؤلاء وأتباعهم في مقابل أهل الابتداع والانحراف.

سبب وصف أهل السنة بأنهم أهل الجماعة

سبب وصف أهل السنة بأنهم أهل الجماعة كونهم -كما يقول الإمام عبد القاهر البغدادي في "الفَرْق بين الفِرَق" (ص361، ط. المدني)-: [لا يُكَفِّر بعضهم بعضًا، وليس بينهم خلاف يوجب التبري والتكفير، فهم إذن أهل الجماعة القائمون بالحق، والله تعالى يحفظ الحق وأهله، فلا يقعون في تنابذ وتناقض، وليس فريق من فرق المخالفين إلا وفيهم تكفير بعضهم لبعض وتبري بعضهم من بعض؛ كالخوارج والروافض والقدرية؛ حتى اجتمع سبعة منهم في مجلس واحد فافترقوا عن تكفير بعضهم بعضًا] اهـ.

قال العلامة ابن السبكي في "شرح عقيدة ابن الحاجب": [اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل، وإن اختلفوا في الطرق والمبادي الموصلة لذلك، أو في لِمِّية ما هنالك. وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف: الأول: أهل الحديث، ومعتمد مباديهم: الأدلة السمعية؛ أعني: الكتاب، والسنة، والإجماع. الثانية: أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية؛ وهم: الأشعرية، والحنفية. وشيخ الأشعرية: أبو الحسن الأشعري، وشيخ الحنفية: أبو منصور الماتريدي، وهم متفقون في المبادي العقلية في كل مطلب يتوقف السمع عليه، وفي المبادي السمعية فيما يدرك العقل جوازه فقط، والعقلية والسمعية في غيرها، واتفقوا في جميع المطالب الاعتقادية إلا في مسألة التكوين ومسألة التقليد. الثالثة: أهل الوجدان والكشف؛ وهم الصوفية، ومباديهم مبادي أهل النظر والحديث في البداية، والكشف والإلهام في النهاية] اهـ. نقلًا عن "إتحاف السادة المتقين" للزبيدي (2/ 6-7، ط. مؤسسة التاريخ العربي بلبنان).

وقال العلامة السَّفَّاريني الحنبلي في "لوامع الأنوار البهية" (1/ 73، ط. مؤسسة الخافقين): [أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية: وإمامهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه، والأشعرية: وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله، والماتريدية: وإمامهم أبو منصور الماتريدي، وأما فرق الضلال فكثيرة جدًّا] اهـ.
وقال الإمام المرتضى الزبيدي في "شرح الإحياء" (2/ 6): [إذا أُطْلِق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين في "حاشيته رد المحتار على الدر المختار" (1/ 48-49، ط. دار الكتب العلمية): (قوله -أي: الحصكفي-: عن معتقدنا) أي: عما نعتقد من غير المسائل الفرعية، مما يجب اعتقاده على كل مكلف بلا تقليد لأحد، وهو ما عليه أهل السنة والجماعة؛ وهم: الأشاعرة والماتريدية، وهم متوافقون إلا في مسائل يسيرة، أرجعها بعضهم إلى الخلاف اللفظي، كما بُيِّن في محله] اهـ.

مكانة الإمام أبو الحسن الأشعري من أهل السنة والجماعة

الإمام أبو الحسن الأشعري المتوفى ببغداد في الثلث الأول من القرن الرابع الهجري، هو أحد الذين قرروا العقائد الإسلامية، وردوا على طوائف المبتدعة، وقد صارت طريقته في تقرير العقائد هي الطريقة المعتمدة في الحواضر العلمية والجامعات الإسلامية العريقة؛ كالأزهر الشريف بمصر، والزيتونة بتونس، والقرويين بالمغرب، بالإضافة إلى المدارس الشرعية في الشام، والعراق، والمحاظر العلمية في شنقيط، وغيرها من أماكن الدرس في معظم الديار الإسلامية.

وصرح الأئمة المحققون بمدحه وبتزكية منهجه وطريقته؛ من ذلك قول القاضي عِياض المالكي في "ترتيب المدارك" (5/ 24-25، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب): [وصَنَّف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحُجج على إثبات السنة وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى، ورؤيته، وقدم كلامه، وقدرته، وأمور السمع الواردة؛ من الصراط والميزان والشفاعة والحوض وفتنة القبر التي نفت المعتزلة، وغير ذلك من مذاهب أهل السنة والحديث، فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة العقلية، ودَفَعَ شُبَهَ المبتدعة ومَنْ بَعْدَهُم من الملحدة والرافضة، وصَنَّف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة، وناظر المعتزلة، وكان يقصدهم بنفسه للمناظرة ... إلى أن قال: فلما كثرت تواليفه، وانتفع بقوله، وظهر لأهل الحديث والفقه ذَبُّهُ عن السنن والدين، تعلق بكتبه أهل السنة، وأخذوا عنه، ودرسوا عليه، وتفقهوا في طريقه، وكثر طلبته وأتباعه؛ لتَعَلُّم تلك الطرق في الذب عن السنة، وبَسْط الحُجَج والأدلة في نصر المِلَّة، فسُمُّوا باسمه، وتلاهم أتباعهم وطلبتهم، فعُرِفوا بذلك -يعني الأشاعرة-، وإنما كانوا يُعرَفون قبل ذلك بالمُثْبِتة، سِمةٌ عَرَّفتهم بها المبتدعة؛ إذ أثبتوا من السنة والشرع ما نَفَوه ... إلى أن قال: فأهل السنة من أهل المشرق والمغرب بحججه يحتجون وعلى منهاجه يذهبون، وقد أثنى عليه غير واحد منهم، وأثنَوا على مذهبه وطريقته] اهـ.

وقال الإمام الحافظ الحُجَّة أبو بكر البيهقي: [إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه الله، فلم يحدث في دين الله حَدَثًا، ولم يأتِ فيه ببدعة، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين فنصرها بزيادة شرح وتبيين، وأن ما قالوا في الأصول وجاء به الشرع صحيح في العقول، خلاف ما زعم أهل الأهواء من أن بعضه لا يستقيم في الآراء، فكان في بيانه تقوية ما لم يدل عليه من أهل السنة والجماعة ونصره أقاويل من مضى من الأئمة؛ كأبي حنيفة وسفيان الثوري من أهل الكوفة، والأوزاعي وغيره من أهل الشام، ومالك والشافعي من أهل الحرمين، ومن نحا نحوهما من الحجاز وغيرها من سائر البلاد؛ وكأحمد بن حنبل وغيره من أهل الحديث، والليث بن سعد وغيره، وأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري إمامي أهل الآثار وحفاظ السنن التي عليها مدار الشرع، رضي الله عنهم أجمعين] اهـ. نقلًا عن "تبيين كذب المفتري" للحافظ ابن عساكر (ص103، ط. دار الكتاب العربي).

وقال الإمام تاج الدين بن السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (3/ 365، ط. هجر): [اعلم أنَّ أبا الحسن لم يُبدِع رأيًا، ولم يُنشِ مذهبًا، وإنما هو مقرر لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عَقَد على طريق السلف نطاقًا، وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتَدي به في ذلك، السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريًّا] اهـ.
وقال الإمام المايُرْقي المالكي: [ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلسان أهل السنة، إنما جرى على سَنَن غيره، وعلى نصرة مذهبٍ معروف، فزاد المذهب حجة وبيانًا، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبًا انفرد به؛ ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نُسِب إلى مالك، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له: مالكي، ومالك إنما جرى على سنن من كان قبله، وكان كثيرَ الاتِّباع لهم، إلا أنه لما زاد المذهب بيانًا وبسطًا عُزِي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري لا فرق، ليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه، وتواليفه في نصرته] اهـ. نقلًا عن "طبقات الشافعية الكبرى" (3/ 367).

وقد ذكر شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام أن: [عقيدة الأشعري اجتمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة، ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ المالكية في زمانه أبو عمرو بن الحاجب، وشيخ الحنفية جمال الدين الحصيري] اهـ. نقلًا عن "طبقات الشافعية الكبرى" (3/ 365).

وقال العلامة ابن السبكي أيضًا في "معيد النعم ومبيد النقم" (ص75، ط. الخانجي): [وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة -ولله الحمد- في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجماعة، يدينون لله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال، ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم، وبرأ الله المالكية؛ فلم نرَ مالكيًّا إلا أشعريًّا عقيدة، وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة] اهـ.

وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي: [وأبو الحسن الأشعري إمام أهل السنة، وعامة أصحاب الشافعي على مذهبه، ومذهبه مذهب أهل الحق] اهـ. نقلًا عن "طبقات الشافعية الكبرى" (3/ 367).

ولهذا كله صار مصطلح أهل السنة والجماعة عَلَمًا على أتباعه، وعلى أتباع صِنوه الإمام أبي منصور الماتريدي، فمتى ما أطلق هذا المصطلح في كتب أهل العلم المعتبرين انصرف الذهن إليهم.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة