ما هي الأضحية؟ ولماذا شُرعت؟ وهل هي واجبة؟ وما هي شروط الأضحية؟ وما موعد ذبحها؟ وكيف تقسَّم وتوزع؟ وما هو آخر ميعاد للذبح المشروع؟
الأضحية هي ما يذكى تقربًا إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصة، وشُرعت شكرًا لله تعالى على نعمة الحياة إلى حلول الأيام الفاضلة من ذي الحجة كما شكر نبي الله إبراهيمُ ربَّه بذبح الكبش العظيم لبقاء حياة ابنه إسماعيل على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، وشكرًا له تعالى على شهود هذه الأيام المباركة وعلى التوفيق فيها للعمل الصالح.
والأضحية سنَّةٌ مؤكدةٌ عند جمهور الفقهاء، يفوتُ المسلمَ خيرٌ كبيرٌ بتركها إذا كان قادرًا عليها؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» رواه الحاكم وصححه.
ويشترط في الأضحية ما يشترط في غيرها من الذبائح؛ مِن كون الحيوان حيًّا، وأن تزهق روحه بالذبح، وألا يكون صيدًا من صيد الحرم، وأن يبلغ سنَّ التضحية، وأن تكون الأضحية سالمةً من العيوب، وأن تكون مملوكةً للمضحِّي، وينوي بها التقرب إلى الله تعالى.
ووقت الأضحية يبدأ من بعد صلاة عيد الأضحى، وينتهي بغروب شمس الثالث عشر من ذي الحجة، ويستحب توزيعها أثلاثًا؛ ثلثٌ للمضحي، وثلث للهدية، وثلثٌ للفقراء.
المحتويات
الأضحية هي ما يذكى تقربًا إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصة، فلا يُعَدُّ أضحية ما يذكى لغير التقرب إلى الله تعالى كالذبائح التي تذبح للبيع أو الأكل أو إكرام الضيف، ولا يكون أضحية ما يُذبح في غير هذه الأيام ولو بِنيَّة التقرب لله تعالى، ولا كذلك ما يذكَّى بنية العقيقة عن المولود، ولا ما يُذبح في الحج من هَدي التمتع أو القران أو جزاء ترك واجب أو فعل محظور في الحج، أو لمطلق الإهداء للحَرم وفقرائه.
ويقال عنها: أضحية، والجمع أضاحيُّ، أو: ضَحيَّة، والجمع ضحايا، أو أَضحاة والجمع أَضحًى، وبه سمي عيد الأضحى، أي الضحايا؛ سميت بذلك لأنها تفعل في الضحى.
الأضحية المقصود بها شكر الله تعالى على نعمة الحياة إلى حلول الأيام الفاضلة من ذي الحجة كما شكر نبي الله إبراهيم ربه بذبح الكبش العظيم لبقاء حياة ابنه إسماعيل على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، ولشكر الله تعالى على شهود هذه الأيام المباركة وعلى التوفيق فيها للعمل الصالح؛ لأنها خير أيام العام التي أقسم الله عز وجل بها: ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر: 1-2].
وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الأيام -يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ-» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلا الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: «وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلا رَجُلًا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما.
فالإسلام الحنيف يُعَلِّم أتباعه أن يكون فرحهم لله وفي الله وبفضل الله: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]. فعيدَا رمضان والأضحى هما فرح بطاعة الله وتوفيقه ورضاه؛ ليتعود المسلم أن يكون فرحه لله، وحزنه لله، وعطاؤه لله، ومنعه لله، وأن يحيا لله، ويموت له تبارك وتقدس.
الأضحية شرعت بدليل الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]. فمن تفسيرها: صلِّ العيد وانحر الأضاحي: البُدن وغيرها.
والسنة في ذلك قولية وفعلية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلا يَقْرَبَنَّ مُصَلانَا» أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه، وعن أنس رضي الله عنه قال: "ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا" أخرجه مسلم.
وأجمع المسلمون على مشروعيتها.
أما حكمها: فالجمهور على أنها سنَّة مؤكَّدة -أي إنه لا إثم في تَركها- يفوت المسلمَ خيرٌ كبير بتركها إذا كان قادرًا على القيام بها، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» رواه ابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن غريب، ورواه الحاكم وصححه.
وذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها، منهم أبو حنيفة ومالك في أحد قوليه.
وممن قال بأنها سنَّة مَن ذهب إلى أنها سنَّة عين، لا تجزئ إلا عن صاحبها فقط، ومنهم من ذهب إلى أنها سنَّة عين في حق المنفرد، وسنَّة كفاية في حق أهل البيت الواحد، وهذا رأي الشافعية والحنابلة، وهو ما نميل إليه، فالشخص يضحي عن نفسه وعن أهل بيته ولو بالشاة الواحدة؛ قال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: "كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ بَعْدُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً". أخرجه مالك وصححه النووي في "المجموع".
وأهل البيت الواحد هم من تلزم الشخص نفقتهم، ومعنى كونها سنَّة كفاية سقوط المطالبة عن الجميع بفعل الواحد منهم، لا حصول الثواب لكل منهم، إلا إذا قصد المضحي تشريكهم في الثواب.
أما شروط الأضحية: فلها شروط عامة تشملها وتشمل غيرها من الذبائح، ولها شروط خاصة بها، فأما الشروط العامة:
ا- أن يكون الحيوان حيًّا وقت الذبح.
ب- وأن يكون زهوق روحه بمحض الذبح، فلو اجتمع الذبح مع سبب آخر للموت يُغَلب المحرِّم على المبيح فتصير ميتة لا مذكاة.
ج- وألا يكون الحيوان صيدًا من صيد الحرم، فلو ذُبح صيد الحرم كان ميتة سواء كان ذابحه محرمًا أم حلالًا.
ويشترط في الذابح أن يكون:
ا- عاقلًا.
ب- ومسلمًا أو كتابيًّا.
ج- وألَّا يكون مُحْرِمًا إذا ذبح صيد البر.
د- وألَّا يذبح لغير اسم الله تعالى.
ويشترط في آلة الذبح، أن تكون قاطعة: معدنية أو غير معدنية؛ فعن رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَنْهَرَ -أي أسال- الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ» رواه الشيخان.
ويستحب في الذبح أشياء معظمها مأخوذ من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه المرفوع: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه مسلم.
من مستحبات الذبح:
1- أن يكون بآلة حادة.
2- وأن يسرع الذابح الذبح.
3- واستقبال القبلة من جهة الذابح ومن جهة مذبح الذبيحة؛ لأن القبلة جهة الرغبة إلى طاعة الله تعالى، ولا بد للذابح من جهة، وجهة القبلة هي أشرف الجهات، وكان ابن عمر رضي الله عنهما وغيره يكرهون أكل الذبائح المذبوحة لغير القبلة.
4- وإحداد الشفرة قبل الذبح، ولكن دون أن يرى الحيوان ذلك؛ لحديث الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلًا أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يُحِدُّ شفرته، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوتَاتٍ! هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا».
5- وأن تضجع الذبيحة على شقها الأيسر برفق، قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (13/ 122، ط. دار إحياء التراث العربي): [اتفق العلماء على أن إضجاع الذبيحة يكون على جانبها الأيسر؛ لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار] اهـ. يؤخذ من التعليل أنه إن كان الذابح أعسر فيكون الإضجاع بالعكس، على اليمين، والله تعالى أعلم. وهذا في حق الذبائح التي تحتاج إلى إضجاع، بخلاف الإبل التي تنحر قائمة كما سيأتي.
6- وَسَوْق الذبيحة إلى المذبح برفق.
7- وعرض الماء على الذبيحة قبل ذبحها.
8- وعدم المبالغة في القطع حتى يبلغ الذابح النخاع، أو يُبين رأس الذبيحة حال ذبحها، وكذلك بعد الذبح وقبل أن تبرد، وكذا سلخها قبل أن تبرد؛ لما في ذلك من إيلام لا حاجة إليه.
أما الإبل فتختص بالنحر، وزاد البعض الزرافة والفيلة وما طال عنقه، وحقيقة النحر وضع آلة النحر في اللبَّة مع قطع الأوداج، أو ولو مع عدم قطعها، على خلاف بين العلماء، واللبَّة: هي الثغرة بين الترقوتين أسفل العنق، ويستحبُّ في النحر أن تكون الإبل قائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى، وقد ذكر المالكية للنحر كيفية، وهي أن يوجِّه الناحر ما يريد نحرَه للقِبلة ويقف بجانب الرِّجْل اليمنى غير المعقولة ممسكًا مشفره لأعلى بيده اليسرى ويطعنه في لبَّته بيده اليمنى مُسَمِّيا، والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: 36]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "معقولة على ثلاثة"، وكذلك أحاديث منها حديث زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَتَى عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ بَارِكَةً فَقَالَ: "ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وآله وسلم" رواه الشيخان.
أما الشروط الخاصة بالأضحية، فمنها شروط خاصة بالحيوان:
1- أن يكون من الأنعام؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 34]. وللاتباع، عربية أو غير عربية، وهي الضأن والماعز والإبل والبقر ومنها الجاموس، يجزئ من كل ذلك الذكور والإناث. والجمهور على أن الشاة تجزئ عن واحد، والبدنة جمل أو ناقة والبقرة أو الجاموس كل منها تجزئ عن سبعة؛ لحديث جابر رضي الله عنه: "نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ" رواه مسلم.
2- وأن تبلغ سن التضحية، وهو أن تكون ثنية فما فوق من الإبل والبقر والماعز، أو جذعة فما فوق من الضأن؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تَذْبَحُوا إِلا مُسِنَّةً -أي ثَنِيَّة- إِلا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ» أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وتفسير هذه الأسنان فيه خلاف بين المذاهب نختار منها أن جذعة الضأن تبدأ من ستة أشهر فصاعدًا، وأن ثنية المعز تبدأ من سنة، وأن ثنية البقر تبدأ من سنتين، ومن الإبل تبدأ من خمس.
3- وأن تكون سليمة من العيوب الفاحشة، وهي العيوب التي تنقص الشحم واللحم، بدليل حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُجْزِي مِنَ الضَّحَايَا أَرْبَعٌ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَكْسُورَةُ بَعْضُ قَوَائِمِهَا بَيِّنٌ كَسْرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تَنْقَى» رواه الخمسة، و"لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يضحى بعضباء الأذن" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه عن علي رضي الله عنه، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «اسْتَشْرِفُوْا العَيْنَ والأُذُن» رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن علي رضي الله عنه، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وعليه: فلا يجزئ في الأضحية: العمياء والعوراء البيِّن عورها، ومقطوعة اللسان بالكلية والجدعاء مقطوعة الأنف ومقطوعة الأذنين أو إحداهما أو ما ذهب من إحدى أذنيها مقدار كبير، والعرجاء البيِّن عرجها، والجذماء مقطوعة اليد أو الرجل وكذا فاقدة إحداهما خِلقة، والجَذَّاء التي قُطعت رؤوس ضروعها أو يبست، ومقطوعة الإلية، أما فاقدتها خِلقة فأجازها الشافعية أو ما ذهب من إليتها مقدار كبير، والمريضة البيِّن مرضها، والعجفاء التي لا تُنقي وهي المهزولة التي ذهب نقيها، وهو المخ الذي في داخل العظام ومصرمة الأطباء وهي التي عولجت حتى انقطع لبنها، والجلَّالة؛ وهي التي تأكل النجاسات ما لم تُستبرَأ بحبسها لتأكل من الطاهرات حتى يطيب لحمها، والبكماء وهي فاقدة الصوت، والبخراء وهي منتنة رائحة الفم، والصماء وهي التي لا تسمع، والهيماء وهي المصابة بالهُيام وهو العطش الشديد الذي لا ترتوي معه، والخصي المجبوب وهو ما ذهب أنثياه وذَكَره جميعًا بخلاف ذاهب أحدهما فلا يضر؛ فقد صحَّ "أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضحَّى بكبشين أملحين موجوءين"؛ أي مرضوضي الخصية. رواه أحمد عن عائشة رضي الله عنها.
ولا يضر التضحية بالجَمَّاء، وتسمى الجلحاء وهي التي لا قرن لها خِلقة أما مكسورة القرن ففيه تفصيل، ولا يضر التضحية بالحولاء ما دام بصرها باقيًا، ولا الصمعاء وهي صغيرة إحدى الأذنين أو كليهما، ولا الشرقاء وهي مشقوقة الأذن، ولا الخرقاء وهي مثقوبة الأذن بشرط عدم ذهاب الخرق بأكثرها، ولا المدابرة وهي التي قطع من مؤخر أذنها شيء ولم يُفصَل، ولا الهتماء وهي التي لا أسنان لها بشرط ألا يمنعها هذا من الرعي والاعتلاف، ولا الثولاء وهي المجنونة بشرط ألا يمنعها ثولها من الاعتلاف، ولا المكوية، ولا العاجزة عن الولادة لكبرها، ولا الموسومة وهي التي في أذنها سمة، ولا المجزوزة وهي التي جُزَّ صوفها، ولا المقعدة وهي العاجزة عن القيام لكثرة الشحم عليها، ولا العشواء وهي التي تبصر بالنهار دون الليل، ولا العمشاء، ولا ضعيفة البصر، ولا ما قطع منها قطعة صغيرة من عضو كبير كشيء يسير من الفخذ.
4 - وأن تكون مملوكة للذابح أو مأذونًا له فيها، فلو غصب شخص شاة وضحَّى بها عن مالكها من غير إذن لم تقع عنه؛ لعدم الإذن، ولو ضحَّى بها عن نفسه لم تجزئ أيضًا؛ لعدم الملك.
ويشترط في المضحي: نية التضحية؛ لحديث: «إنما الأعمال بالنيات»؛ لتفترق هذه القُربة عن غيرها من القربات، وعن الذبح لمجرد اللحم.
أما موعد ذبحها، ففي الأمصار حيث تشرع صلاة العيد، يبدأ الوقت من انتهاء الصلاة في موضع التضحية، ولو قبل الخطبة، ولو قبل انتهاء الصلاة في مواضع أخرى، والأفضل التأخير إلى ما بعد الخطبتين، وإن كان في غير المِصر حيث لا تشرع صلاة العيد، فيجوز من فجر يوم النحر الصادق، وهذا رأي الحنفية، والأفضل الانتظار بقدر ما يسع انتهاء الصلاة؛ خروجًا من خلاف من اشترطه، والعبرة بمكان الذبح لا بمكان الموكل.
أما عن كيفية تقسيمها وتوزيعها، فيستحب أن يأكل منها ويطعم غيره ويدخر؛ لقوله تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 28]، ولقوله عز وجل: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: 36]، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا» رواه مسلم والنسائي عن جابر رضي الله عنه.
والأفضل أن يكون ذلك أثلاثًا، ويعطي منها الغني والفقير، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في أضحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤَّال بالثلث". قال في "المغني": [رواه أبو موسى الأصفهاني في "الوظائف" وحسنه] اهـ.
وله التصدق بالجميع أو إبقاء الجميع، والتصدق بها أفضل من ادخارها إلا أن يكون المضحي ذا عيال وهو ليس ذا غنًى وبسطة، فالأفضل لمثل هذا أن يوسِّع على عياله؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا» رواه مسلم.
يستحبُّ للمضحي أن يذبح بنفسه إن قدر على ذلك؛ لأنه قربة، ومباشرة القربة أفضل من التفويض والتوكيل فيها، واستثنى الشافعية إن كان المضحي أنثى أو أعمى فالأفضل في حقهما التوكيل.
ويستحب للمضحي أيضًا التسمية عند الذبح خروجًا من خلاف مَن أوجبه، فيقول: باسم الله والله أكبر، وحبذا لو صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويستحب له الدعاء بقوله: اللهم منك ولك، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أُمرت، وأنا من المسلمين؛ وذلك لحديث فاطمة رضي الله عنها الآتي ولغيره، ويستحب له أن يبادر بالتضحية ويسرع بها قبل غيرها من وظائف العيد وأيام التشريق لِابتدار الخير؛ قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].
ويستحب له قبل التضحية أن يربطها قبل يوم النحر بأيام؛ إظهارًا للرغبة في القربة، وأن يقلدها؛ أي يجعل شيئًا في عنقها ليعلم أنها أضحية، وأن يُجَلِّلها؛ وهو تغطيتها وإلباسها الجُلَّ بضم الجيم أو فتحها؛ لصيانتها قياسًا على الهَدي، وألا يزيل شيئًا من شعره أو أظفاره إذا دخل أول ليلة من عشر ذي الحجة؛ تشبهًا بالحجيج، والأصل في ذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها مرفوعًا: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» أخرجه مسلم.
وبعضهم جعل الحكمة من ذلك أن يبقى مريد التضحية كامل الأجزاء رجاء أن يعتق من النار بالتضحية، وهذا الأمر مسنون عند المالكية والشافعية، واجب عند الحنابلة.
ويستحب له أن يسمِّن الأضحية أو يشتري السمين؛ لأن ذلك من تعظيم شعائر الله تعالى، وإن كانت شاة أن تكون كبشًا أبيض عظيم القرن خصيًّا؛ لحديث أنس رضي الله عنه: "أنه صلى الله عليه وآله وسلم ضحَّى بكبشين أملحين موجوءين"، وقد سبق.
هل الأفضل الشاة أم الاشتراك في البدن أو البقر؟ وهل الأفضل الذكر أم الأنثى؟ وهل الأفضل الفحل أم الخصي؟ في ذلك كله خلافات بين الأئمة، مرجعها يدور حول الأفضل للفقير، وحول الذي يعود على الضحية بالسمن والعظم، ولعل عرف البلاد يتدخل في ذلك للحكم على تقدير الناس للطعوم وحاجات الناس للأنواع والمقادير، وفي النهاية مدار الأمر على التقوى؛ قال تعالى: ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: 203]. ويكره للمضحي التضحية في الليل لغير حاجة، ويكره التصرف في الأضحية بما يعود عليها بضرر في لحمها أو جسمها، خاصة إذا كانت معينة أو منذورة؛ كالركوب، أو شرب لبن يؤثر فيها، أو جزِّ صوف يضر بها، أو سلخها قبل زهوق الروح.
يكره إعطاء الجازر ونحوه أجرته من الأضحية؛ لحديث علي رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقوم على بُدنه وأقسم جلودها وجِلالها، وأمرني ألَّا أعطي الجزار منها شيئًا، وقال: «نَحْنُ نُعْطِيهِ منْ عِنْدنَا» رواه البخاري.
يجوز توكيل الغير عن ذبح الأضحية: الجزار وغيره؛ للحديث المرفوع: «يَا فَاطِمَة، قُومِي إِلَى أُضْحِيتَكِ فَاشْهَدِيهَا» رواه الحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وإن كان به ضعف إلا أن الفقهاء اتفقوا على صحة العمل بمضمونه، والأفضل أن يذبح بنفسه.
آخر ميعاد للذبح هو آخر أيام التشريق؛ أي عند غروب شمس الثالث عشر من ذي الحجة، وهذا مذهب عدة من الصحابة والتابعين، وهو رأي الشافعية وقول للحنابلة واختيار ابن تيمية، ودليلهم حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي رواه ابن حبان عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: «كلُّ أيام التشريق ذبح»، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده".
والأفضل التعجيل بالذبح قبل غروب ثاني أيام التشريق أي يوم الثاني عشر من ذي الحجة؛ للخروج من خلاف الجمهور.
والله سبحانه وتعالى أعلم.