يُعَدُّ التعاون الصادق المثمر من أقوى دعائم الحياة الاجتماعية السليمة، بل إنه يحتل أولوية في المبادئ الأسرية الملحوظة في مفهوم الزواج قبل أن يكون واقعًا؛ حيث يقتضي الاجتماع الحاصل بقيام الزوجية التعاون بين الجانبين بالقدر الذي تقوم به حياتهما معًا مع الإبقاء على سعادتهما واستمرارها، فضلًا عن تقرير الحقوق والواجبات وتوزيعها.
والتعاون أساس الأسرة ومرتكز تكوينها، فهو مقصود أصيل من مقاصد عقد الزواج؛ حيث قد لا يكون بين الزوجين قبله عاطفة، فيميل بعده كلٌ منهما إلى الآخر بالتآنس وحسن المعاملة فيصبحان متوادَّين متراحمين؛ يقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].
ولم يترك الشرع الشريف معيار التعاون هملًا؛ بل جعل له إطارًا منضبطًا سواء كان من جهة الزوج أو من جهة الزوجة أو من جهتهما معًا، فضلًا عن ندب الشرع للزوجين مراعاة الفضل في المطالبة بذلك، وقد قرر على الزوج واجبات لازمة تجاه الأسرة؛ كالقيام بجميع ما يحتاج أفرادها من: طعام، وملبس، ومسكن، وتعليم، وعلاج، مع صيانتهم ورعاية حقوقهم، وذلك بحسب العرف لأمثالهم على مثله؛ امتثالًا لقوله تعالى: ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ [البقرة: 233]، كما أوجب على المرأة التعاون مع الزوج بعد إتمام الزواج والدخول بها، كل ذلك في دائرة المعروف والمعقول؛ لما له من القوامة في حق البيت والأسرة، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: 34].
ولا تعني القوامة انتقاصًا للمرأة في نطاق الحياة الأسرية ولا تقتضي التمييز، وإنما كان ذلك في مقابل عدة واجبات على الرجال من القيام بالحفظ والحماية والخدمة والنفقة والرعاية، ومن ثم فهي مسئولية على الرجل يدير من خلالها البيت إدارة رشيدة، ولكل ذلك فالحياة الزوجية حياة اجتماعية من الدرجة الأولى، ولابد لكل اجتماع من قائد يقوم على تدبير أمره بما فيه صلاحه.
كما تنطلق المرأة من مألوف المودة والعشرة الطيبة بمشاركة زوجها في تدبير البيت وسياسة شئونه، وتقدم في سبيل ذلك ألوانًا من التضحية والعطاء نظير استقرار الأسرة، ومواصلة مسيرة الإنسان في العمل والعطاء لعمارة الأرض، وفي ذلك تروى المواقف المشرفة للنساء عبر تاريخ البشرية، ونذكر منها موقف سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها حيث كانت تعين عن طيب خاطر وصفاء نفس زوجها الإمام علي رضي الله عنه على الحياة وتوفر حاجات البيت حتى تورمت يداها، كما ورد هذا الوصف عن زوجها الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه.
وأوجب الشرع الشريف عليهما معاملة بعضهما بعضًا بالحسنى والرفق واللين في مواجهة التحديات والمشكلات التي قد تعترض مسيرة الحياة الزوجية، بل حث الزوج علي طلب مشورة زوجته في شئون تدبير العائلة؛ فإن التشاور يظهر الصواب ويحصل به التراضي، كما أرشد إلى ضرورة أن يتعاون الزوجان في إطار صحي للعلاقات بالأقارب تفاديًا للمشكلات التي تنعكس بسبب التدخل العائلي في شئون الزوجين، أو بسبب سوء الإرشاد العائلي لهما.
وبذلك تتأسس معالم التفاعل الإيجابية في الزواج والتي تكشف عن مظاهر الطريقة المثلى لبناء الأسرة، ويتأكد أيضًا مفهوم الشراكة بين الزوجين الذي لا يقوم بالضرورة على المصالح المادية أو الاستمتاع، وإنما يقوم على التساند والتعاون والتضحية من أجل استقرار الحياة المشتركة التي لها أهدافها المتماسكة المترابطة، ومن ثَمَّ يتحقق مفهوم الأسرة الصالحة التي هي نواة المجتمع.
***