حث الشرع الشريف الزوجين على الآداب الشرعيَّة والاجتماعية وغرسها في نفوس الأبناء؛ لتعويدهم على طهارة البدن والقلب وتزكية النفس والروح، والتمسك بشعار الحنيفية السمحة التي فطر الله تعالى الناس عليها.
وتأتي على رأس أولويات تلك الآداب: خصال الفطرة ومراعاة ما تحتاجه طبيعة الجسم البشري، وهي مجموعة في قولِه صلى الله عليه وسلم: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ»، وهذه الأمور في جملتها أفعال مسنونة وشعائر مستحبة.
ومن بين هذه الخصال: الختان، وهو لغة من الختن، وهو قطع القلفة من الذَكر، والنواة من الأنثى، ويطلق أيضًا على موضع القطع، وهو واجب بالنسبة للذكور؛ لما يتعلق به من أحكام الطهارة الشرعيَّة، ولما يعود عليهم بسببه من الفوائد الصحية والجنسية، كما أن تركه يؤدي إلى ضرر ومشقة.
لكن يختلف هذا الحكم بالنسبة إلى الإناث حيث ذهب جمهور العلماء قديمًا إلى أنه مكرمة لهن وليس واجبًا شرعًا، والتحقيق: أنه يعتبر في حقهن من قبيل العادات والأعراف وليس من قبيل الشعائر الدينية، وفي ذلك يقول الإمام ابن الحاج المالكي في "المدخل": [واختُلف في حَقِّهنّ: هل يخفضن مطلقًا، أو يُفرق بين أهل المشرق وأهل المغرب] اهـ.
وبحثها وفق المعارف الطبية الحديثة ليس أمرًا جديدًا في الطرح المعاصر؛ حيث نظر فيها كبار علماء الأزهر الشريف منذ بدايات القرن الماضي من الجهة الشرعيَّة، وتوصلوا في دراساتهم الدقيقة إلى أنها ليست دينية تعبدية من حيث الأصل، وإنما هي من قبيل العادات التي يجوز تركها إذا أثبت العلم ضررها، حيث ذكر المرحوم الشيخ/ محمد عرفة -عضو جماعة كبار العلماء- في مقال له منشور في مجلة الأزهر (عدد: 10 لسنة 1952م، ص: 1242): [فإذا ثبت كل ذلك فليس على من لم تختتن من النساء من بأس"، ثم استطرد فقال: "وإذا مُنِعَ في مصر كما مُنِع في بعض البلاد الإسلامية كتركيا وبلاد المغرب فلا بأس، والله الموفق للصواب] اهـ.
وفي ضوء هذه المعاني يفهم ما وردت به بعض الأدلة التي استند إليها أهل الفقه السابقين في مشروعية الختان للإناث؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ»، و"الختانان" تثنية لجمع الأمرين باسم أحدهما على جهة التغليب، كما نقول: "الأبوان" للأب والأم، ولذلك فالمراد بالختان هنا الذكر، فضلًا عن أن الحديث الشريف وارد في الأمور الموجبة للاغتسال لا في مشروعية الختان.
وأما حديث أم عطية رضي الله عنها -على فرض صحته- فمحمول على أنها كانت حالة علاجية خاصة.
ولا شك أنه لما كانت المعارف الطبية السائدة في العصور الأولى تقرر فائدة معتبرة لختان الإناث بنى الفقهاء على ذلك أقوالهم المنقولة والمشهورة، منطلقين من مقررات مناهجهم في تلك المسألة كغيرها من المسائل الكثيرة، والتي تربط إصدار الأحكام الشرعيَّة بالرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص بحسب طبيعة كل مسألة.
والمطلوب شرعًا في التأسي بسلف الأمة أن نعيش مناهجهم لا قضاياهم التفصيلية التي لها ملابساتها وظروفها الخاصة بزمانها؛ وقد ثبت يقينًا حدوث أضرار خطيرة مؤثرة على صحة الإناث جراء ممارسة عمليات الختان لهن في العصر الحاضر؛ حيث تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية بشكل جزئي أو تام، فضلًا عما يصاحب ذلك من ألم نفسي.
ولا يصح الاستدلال على مشروعية الختان للإنسان باستمرار هذه العادة لعقود متأخرة؛ لأن الظاهر من ذلك كان نتيجة مباشرة لعدم ظهور ضرر هذه الممارسة وتقرير أهل الطب لهذه الأضرار وقتها لم يكن بصورة يقينية، أما وقد ظهر ذلك وقرر أهل الطب وفق المعارف الطبية المستقرة حديثًا أنها ضارّةٌ على الجسم البشري للأنثى قطعًا، مما يستوجب معه القولَ بحرمته والاتفاق على ذلك، دون اختلافٍ لا مبرر له، ومِن ثَمَّ جرت قرارات المجامع العلمية والمؤسسات الإفتائية المختلفة على القول بحرمة ختان الإناث.
****