يُعَدُّ الرضا بين الزوجين من أقوى دعائم الحياة الأسرية السليمة؛ فهو يحتل أولوية في المبادئ الأسرية في مفهوم الزواج قبل أن يكون واقعًا، حيث يقتضي الاجتماعُ الحاصل بقيام الزوجية تحققَ التوافق والرضا بين الجانبين بالقدر الذي يدعم سعادتهما بل وشعور كل منهما بأنه قد وُفِّق في اختيار أنسب شريك لحياته.
لقد حثَّ الشرع الشريف الزوج على الاهتمام بزوجته باعتبارها أهم شيء في حياته مما يقتضي أن يؤدي الواجبات الشرعيَّة والعرفية تجاهها، وأن يجتهد في تحصيل مرضاتها ومعاشرتها بالمعروف، وأن يتلطف في معاملتها ويتجنب كل ما يتضمن إساءة أو أَذى لها، سواء على الجانب المعنوي أو البدني، وسواء بالقول أو بالفعل أو بالإشارة؛ وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم» "صحيح ابن حبان".
ولا يتوقف حسن العشرة عند كف الزوج عن الإساءة والأذى تجاه زوجته، إنما يتضمن احتمال الأذى منها والحِلم عند غضبها، خاصة في حالات حاجتها النفسية والعاطفية، فضلًا عن اقتضائه للنظر دائمًا إلى محاسنها ومواقفها الإيجابية، لا إلى المساوئ والعيوب، مع حسن الظن بها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً؛ إن كره منها خلقًا رضي منها آخر» "صحيح مسلم"، والفرك: البغض.
ويضاف إلى ذلك حَثُّ الشرعِ الزوجَ على صيانة زوجته وإعفافها والتزين لها بالمظهر الحسن؛ امتثالًا لقوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]، وقد أتت امرأةٌ إلى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه بزوجٍ لها أشعث أغبر أصفر فقالت له: "يا أمير المؤمنين! لا أنا ولا هذا؛ خلصني منه"، فغيَّر عمر من حاله ثم قال له: "يا عبد الله، سبحان الله، أبين يدي أمير المؤمنين تفعل مثل هذا". فلما عرضه على امرأته فعرفته فمضت معه، فقال عمر رضي الله عنه: "هكذا فاصنعوا بهن! فو الله إنهن ليحببن أن تتزينوا لهن كما تحبون أن يَتَزَيَّنَّ لكم". "أدب النساء لابن حبيب المالكي".
وكذلك تطالَب الزوجة بمراعاة مرضاة زوجها لكونها راعية ومؤتمنة عليه وعلى أسرتها؛ فهي مخاطبة شرعًا وعرفًا بالاهتمام بهم والقيام بمصالحهم وبذل ما تقتضيه فطرتها من العطف والحب والحنان تجاههم؛ وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «وَالْـمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» "متفقٌ عليه".
وقد رتب الله تعالى للزوجة على اهتمامها بمرضاة زوجها وإحسان عِشرته وإظهار الحب والمودة له وبذل ما في الجهد من صور الملاطفة المعنوية والحسية؛ رتب لها أجرًا كبيرًا؛ لقيام ذلك مقام ما امتاز به الرجل عليهن من العبادات كحضور الجُمُع والجماعات والجنائز وغير ذلك؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم لأسماء الأنصارية رضي الله عنها: «انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته تعدل ذلك كله»، فأدبرت وهي تهلل وتكبر استبشارًا. "شعب الإيمان للبيهقي".
وبهذه السمات يؤكد الشرع الشريف على أهمية وجود عنصر الرضا بين الزوجين في الحياة الأسرية، وضرورة مراعاة مقتضياته في سائر شئونها من قِبل الشريكين في هذه الحياة؛ حتى يصفو الجو الأسري بينهما بسلامة ونقاء قلب كل طرف تجاه الآخر، مع وجود توافق في الجملة بينهما حول المواقف والقضايا المتعلقة بعلاقتهما ذات الميثاق الغليظ، ولا يخفى انعكاس ذلك على سعادة هذه الحياة واطمئنان أطرافها وخلوها من الاضطرابات الزوجية الحادة، بما يدفع الزوجين نحو توجيه عاطفتهما وتوظيف قدرتهما وطاقاتهما إلى القيام بالحقوق والواجبات تجاه بعضهما بعضًا، بل يمثل هذا المبدأ ضمانة كبيرة وحصانة لحماية الحياة الزوجية في حالة إذا ما تأرجحت سفينتها فسرعان ما يستعيدا استقرارها وتوازنها؛ لأنهما قد تحققا بمعرفة التعاون معًا، ومن ثَمَّ يعود النفع من ذلك على الأسرة والمجتمع جميعًا.
***