حكم اشتراط التأمين على الحياة لضمان القرض

  • المفتى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
  • تاريخ الصدور: 18 أغسطس 2025
  • رقم الفتوى: 22072

السؤال

ما حكم اشتراط التأمين على الحياة لضمان القرض؟ فأنا أعمل في شركة تُعْطِي قُروضًا لـمَن يريد شراء شقة مِن موظفيها بدون فوائد، لكن تشترط على الموظف أن يقوم بالتأمين على الحياة؛ لتأخذ الشركة حقها من شركة التأمين حال وفاته قبل الانتهاء من سداد القرض، فما حكم ذلك؟ وهل يجوز الاشتراط على المقترض لضمان القرض؟

اشتراط الشركة على مَن يريد أخذ القرض بدون فوائد -التأمين على الحياة لضمان الحصول على حقها، جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه، وليس من قبيل المنفعة المشترطة للمقرض وإنَّما ذلك من قبيل التوثيق لحقِّه.

المحتويات

 

بيان حرص الشريعة الإسلامة على حفظ الحقوق

مِن سمات المعاملات في الشريعة الإسلامية كونها مُغَيَّاة بمقاصد تَضمَن سلامة حقوق أطرافها انطلاقًا من كون ضمان الحقوق ركنًا أساسيًّا لترسيخ العدل بين المتعاملين، ولذا أَولَت الشريعةُ الإسلاميةُ أهميةً بالغة لحفظ حقوق الأفراد وحمايتها مِن الضياع أو الإنكار، وذلك عن طريق عدة عقود، كالضمان والرهن، وهما العقدان اللذان يتميزان بمرونةٍ عاليةٍ وقُدرَة على التَّكيُّف مع مختلف المعاملات المالية والاقتصادية.

فالضمان ويسمى عند البعض بالكفالة فيه تَعهُّد بتسديد دينٍ أو تنفيذ التزام على شخص آخر في حال عجزه أو امتناعه، مما يُوفِّر طمأنينة للدائن بأن حَقَّه لن يضيع، والأصل فيه قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ [يوسف: 72].

والرَّهْن كذلك؛ إذ بموجبه يتم حجز مال معيَّنٍ وثيقة للدَّين ضمانًا لسداد الدَّين في حال تَعثُّر الـمَدين، والأصل فيه قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: 283]، وقد رَهَن النبي صلى الله عليه وآله وسلم درعه عند يهودي كما في "الصحيحين" من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وتُوُفِّيَ ودرعه مرهونة عنده كما في رواية البخاري.

بيان المقصود بالتأمين في واقعة السؤال

من صور الضمان العصري -كما وَرَد بصورة السؤال-: اشتراط التأمين لضمان حصول الـمُقرِض على حَقِّه، والمقصود بالتأمين هنا "التأمين على الحياة"، والذي هو أحد أنواع التأمين، وقد عَرَّفته المادة (747) مِن القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948م، بأنه عبارة عن: [عقد يلتزم المؤمِّن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمَّن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغًا من المال، أو إيرادًا مرتبًا، أو أي عِوَضٍ ماليٍّ آخر، في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المُبَيَّن بالعقد، وذلك في نظير قسطٍ أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمَّن له للمؤمِّن] اهـ.

حكم اشتراط التأمين على الحياة لضمان القرض

"التأمين على الحياة" على المختار للفتوى: عقدُ تَبرُّعٍ مِن طَرَفيه قائمٌ على التكافل الاجتماعي والتعاون على البِرِّ، وليس بعقدِ معاوَضة، حيث يتبرع المؤمِّن بقيمة التأمين، ويتبرع المؤَمَّن له بقيمة العقد، أمَّا القرض فهو تكافلٌ وتعاونٌ وإرفاقٌ، وهو تَبرُّعٌ من جانب المقرض، ومن شروطه: ألَّا يجُرَّ نفعًا للمقرض، لذا كان اشتراط الزيادة والنَّفع للمقرض مِن الربا المحرَّم؛ لخروجه حينئذٍ عَمَّا وُضِع له من تنفيس الكُرُبات وإقالة العثرات وإعانة المحتاج، ابتغاء تحصيل الأجر والمثوبة، وتحوله إلى معاوضة، وقد تقرر أنَّ "كل قرض جرَّ نفعًا فهو ربًا".

قال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (7/ 395، ط. دار الكتب العلمية) عند تعداده لشرط القرض: [(وأما) الذي يرجع إلى نفس القرض: فهو ألَّا يكون فيه جر منفعة، فإن كان لم يجز، نحو ما إذا أقرضه دراهم غلة، على أن يرد عليه صحاحًا، أو أقرضه وشرط شرطًا له فيه منفعة؛ لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى عن قرضٍ جَرَّ نَفعًا] اهـ.

وقال العلامة الحَطَّاب في "مواهب الجليل" (4/ 546، ط. دار الفكر): [السلفُ إذا جرَّ منفعةً لغير المقترضِ فإنَّه لا يجوز] اهـ.

وقال الإمام الشيرازي في "المهذب" (2/ 83-84، ط. دار الكتب العلمية): [ولا يجوز قرض جر منفعة مثل: أن يُقرِضَه ألفًا على أن يبني داره أو على أن يرد عليه أجود منه أو أكثر منه] اهـ.

وقال العَلَّامة الـمُوفَّق ابن قُدَامة في "المغني" (4/ 240، ط. مكتبة القاهرة): [وكل قرض شُرِط فيه أَن يزيده فهو حرام بغير خلافٍ... ولأنَّه عقد إرفاقٍ وقُرْبة، فإذا شَرَط فيه الزيادة أَخْرَجه عن موضوعه] اهـ.

وأَمَّا اشتراط التأمين لضمان حصول المقرض على حَقِّه، فلا منفعة فيه للمُقرِض زائدة على القرض، وإنما هو لتوثيق حَقِّه كما مَرَّ، وتوثيق القرض لضمان حصول المقترض على حَقِّه جائز؛ لما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «اشْتَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ».

واتفقت المذاهب الفقهية الأربعة على جواز اشتراط الضمان في القرض لضمان حق المقرض.

قال العلامة الـمَرْغِيناني الحنفي في "الهداية" (3/ 90، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأما الكفالة بالمال فجائزة، معلومًا كان المكفول به أو مجهولًا إذا كان دَيْنًا صحيحًا مثل أن يقول: تكفلت عنه بألف، أو بما لك عليه، أو بما يدركك في هذا البيع؛ لأن مبنى الكفالة على التوسع فيتحمل فيها الجهالة] اهـ.

وقال العلامة الدردير المالكي في "الشرح الكبير" ومعه حاشية الدسوقي (3/ 331، ط. دار الفكر): [(و) صح ضمان الدين (المؤجل حالا) أي على الضامن بأن رضي المدين بإسقاط حقه من الأجل (إن كان) الدين (مما يُعجَّل) أي يجوز تعجيله وهو العين مطلقًا والعرض والطعام من قرض] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (2/ 143، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويصح) الإقراض (بشرط رهنٍ، وكفيل، وإشهاد، وإقرار به عند حاكم)؛ لأنَّ هذه الأمور توثيقات لا منافع زائدة] اهـ.

وقال العلامة التغلبي الحنبلي في "نيل المآرب" (1/ 368، ط. مكتبة الفلاح): [(ويجوز شرطُ رَهْنٍ وضمينٍ فيهِ) أي في القَرْض] اهـ.

فالذي يُفْهَم مِن هذه النصوص صراحةً جواز الضمان لأجل إعطاء القرض، والمعنى كما سَبَق هو التوثيق ثم اطمئنان المقرض على قدرة المقترض في سداد الدين، وهذا بعينه هو الحاصل والـمُتحقَّق في صورة اشتراط التأمين، إذ فيه ضمان حصول المقرض على حَقِّه، فلا فَرق بينهما ولا تَغاير.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فاشتراط الشركة على مَن يريد أخذ القرض بدون فوائد -التأمين على الحياة لضمان الحصول على حقها، جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه، وليس من قبيل المنفعة المشترطة للمقرض وإنَّما ذلك من قبيل التوثيق لحقِّه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة