القدر الواجب مسحه من الرأس في الوضوء

  • المفتى: فضيلة الأستاذ الدكتور/ نظير محمد عياد
  • تاريخ الصدور: 24 أكتوبر 2024
  • رقم الفتوى: 21608

السؤال

ما القدر الواجب مسحه من الرأس في الوضوء؟ فقد رأيت شخصًا يتوضأ، ومسح قدرًا يسيرًا من رأسه، وفي ظني أن هذا غير مجزئ، ولكني لست على علم كافٍ في هذا الشأن، فأرجو من فضيلتكم بيان القدر الواجب مسحه من الرأس في الوضوء.

القدر الواجب مسحه من الرأس في الوضوء هو ما يدخل تحت مسمى المسح، ويتحقق بإمرار بعض اليد على بعض الرأس، ولو عقلة من إصبع على ثلاث شعرات أو شعرة أو بعض شعرة، بشرط أن يكون الممسوح في نطاق الرأس، وليس الخارج والمنسدل عنها، ومع ذلك فيستحب للمتوضئ أن يستوعب جميع رأسه بالمسح؛ خروجًا مِن خلاف مَن أوجب تعميم الرأس بالمسح.

المحتويات

 

الطهارة شرط لصحة الصلاة

من المقرر شرعًا أن الطهارة شرط لصحة الصلاة؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» رواه الشيخان.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (3/ 103، ط. المطبعة المصرية بالأزهر): [أجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير طهارة؛ من ماء أو تراب، ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة] اهـ.

حكم مسح الرأس في الوضوء

قد أجمع الفقهاء على أن مسح الرأس من فرائض الوضوء في الجملة.

قال الإمام ابن عبد البَرّ في "التمهيد" (4/ 31، ط. وزارة الأوقاف المغربية): [العلماء أجمعوا على أنَّ غَسل الوجه، واليدين إلى المِرفقين، والرِّجلين إلى الكعبين، ومسْح الرَّأس فرضٌ] اهـ.

آراء الفقهاء في القدر الواجب مسحه من الرأس

اختلف الفقهاء في القدر الواجب مسحه من الرأس، فذهب الحنفية في معتمد مذهبهم إلى أن ربع الرأس هو القدر الذي يجب مسحه.

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته "رد المحتار" (1/ 99، ط. دار الفكر): [(قوله: ومسح ربع الرأس)... واعلم أن في مقدار فرض المسح روايات أشهرها ما في المتن... والحاصل أن المعتمد رواية الربع، وعليها مشى المتأخرون] اهـ.

بينما ذهب المالكيَّة في المشهور، والحنابلة على الصَّحيح إلى أنه يجب مسح جميع الرَّأس، وهو اختيار المُزني من الشَّافعيَّة.

قال العلامة الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 202، ط. دار الفكر): [الفريضة الثالثة من الفرائض المجمع عليها وهي مسح الرأس، والمشهور من المذهب أن مسح جميعه واجب، فإن ترك بعضه لم يجزه] اهـ.

وقال العلامة المرداوي في "الإنصاف" (1/ 161، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: (ويجب مسح جميعه) هذا المذهب بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب، متقدمهم ومتأخرهم] اهـ. ويُنظر معهم: "الحاوي الكبير" للإمام الماوردي (1/ 114، ط. دار الكتب العلمية).

وذهب الشافعية إلى أن القدر الذي يجب مسحه من الرأس هو ما يدخل تحت مسمى المسح، وهو يتحقق بإمرار بعض اليد عليه، ولو عقلة من إصبع على ثلاث شعرات أو شعرة أو بعض شعرة من مقدمة الرأس، علمًا بأنه لا يجوز الاقتصار على مسح الشعر الذي خرج وانسدل عن نطاق الرأس.

قال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 176، ط. دار الكتب العلمية): [(الرابع) من الفروض (مسمى مسح لـ) بعض (بشرة رأسه أو) بعض (شعر) ولو واحدة أو بعضها (في حده) أي الرأس بأن لا يخرج بالمد عنه من جهة نزوله، فلو خرج به عنه منها لم يكفِ حتى لو كان مُتَجَعِّدًا بحيث لو مد لخرج عن الرأس لم يجز المسح عليه] اهـ.

مُدرَك الخلاف بين الفقهاء في القدر الواجب مسحه من الرأس

ومُدرَك الخلاف بين الفقهاء في المسألة هو اختلافهم في تفسير لفظ ﴿بِرُءُوسِكُمۡ﴾ الوارد في الآية الكريمة؛ فَوَجْهُ قول الحنفية: أن قوله تعالى: ﴿وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ﴾ [المائدة: 6] مجملٌ في مسح الرأس، فالمسح يحتمل إرادة الجميع، ويحتمل إرادة ما تناوله اسم المسح، ويحتمل إرادة بعضه، فكان لا بد للمجمل من بيان، وقد صح «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توضأ فمسح بناصيته» كما رواه مسلم، فكان بيانًا للآية في كون المراد من المسح بالرأس مقدار الناصية ببيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووجه التقدير بالربع: أنَّ الربع معتبر في كثير من الأحكام، كما في حلق ربع الرأس أنه يحل به المحرم، ولا يحل بدونه، ويجب الدم إذا فعله في إحرامه، ولا يجب بدونه، وكما في انكشاف الربع من العورة في باب الصلاة أنه يمنع جواز الصلاة، وما دونه لا يمنع، كذا ها هنا.

ووجه قول المالكية والحنابلة: أن الله تعالى ذكر الرأس في الآية، والرأس اسم للجملة، فيقتضي وجوب مسح جميع الرأس، وحرف الباء للإلصاق، فيقتضي إلصاق الفعل بالمفعول، وهو المسح بالرأس، والرأس اسم لكله، فيجب مسح كله، فكأنه قال: وامسحوا رءوسكم، فيتناول الجميع، كما قال في التيمم: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ﴾ [النساء: 43].

ووجه قول الشافعية: أن الأمر تعلق بالمسح بالرأس، والمسح بالشيء لا يقتضي استيعابه في العرف، كما يقال: مسحت يدي بالمنديل، وإن لم يمسح بكله، ويقال: كتبت بالقلم، وضربت بالسيف، فيتناول أدنى ما ينطلق عليه الاسم؛ لأن المسح يقع على القليل والكثير، وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسح بناصيته، فهذا يمنع وجوب الاستيعاب ويمنع التقدير بقدر ما؛ فتعين أن الواجب ما يقع عليه اسم المسح. يُنظر ما سبق في: "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني الحنفي (1/ 4، ط. دار الكتب العلمية)، و"كفاية الطالب الرباني" لأبي الحسن المالكي -بـ"حاشية العدوي"- (1/ 192، ط. دار الفكر)، و"المجموع" للإمام النووي الشافعي (1/ 399، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي (1/ 93، ط. مكتبة القاهرة).

المختار للفتوى في هذه المسألة

الذي نختاره للفتوى هو قول الشافعية؛ لما فيه من التيسير على الناس من جهة أنه هو القدر المجزئ في الوضوء، فلا يُتصور أن يأتي أحد بأقل منه، ومع ذلك فيُستحب للمتوضئ أن يستوعب رأسه بالمسح، فيمسح بيديه بدايةً من مقدم رأسه إلى قفاه، ثم يرجع مرة أخرى إلى مقدم الرأس؛ كما في حاشية "رد المحتار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (1/ 120-121، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني الشافعي (1/ 189، ط. دار الكتب العلمية)، وخروجًا مِن خلاف مَن أوجب تعميم الرأس بالمسح، و"الخروج من الخلاف مستحب". ينظر:  "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص: 207، ط. دار الكتب العلمية).

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإن القدر الواجب مسحه من الرأس في الوضوء هو ما يدخل تحت مسمى المسح، ويتحقق بإمرار بعض اليد على بعض الرأس، ولو عقلة من إصبع على ثلاث شعرات أو شعرة أو بعض شعرة، بشرط أن يكون الممسوح في نطاق الرأس، وليس الخارج والمنسدل عنها، ومع ذلك فيستحب للمتوضئ أن يستوعب جميع رأسه بالمسح؛ خروجًا مِن خلاف مَن أوجب تعميم الرأس بالمسح.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة