ما حكم إضافة الطفل المكفول لنظام تأمين صحي خاص؟ فقد كفل شخصٌ طفلًا يتيمًا منذ عِدَّةِ أشهر، ويرغب في إضافته لنظامِ التأمين الصحي الخاص بالأسرة الكافلة، فهل يُعَدُّ ذلك من أوجُه كفالته التي يُثاب عليها شرعًا؟
إضافة الطفل المكفول لنظام التأمين الصِّحِّي الخاصِّ بالأسرة الكافلة يُعدُّ من أوجُهِ الكفالةِ التي يُثابُ الكافلُ عليها شرعًا، ويَنالُ بها عظيمَ الثواب وواسِعَ العطاء مِن المَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ، ويدخل هذا في عموم قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ [البقرة: 220]. وهي وسيلةٌ لتحقيق ما اشترطه المُشَرِّع المصري من ضرورة توفير الرعاية الصحية للطفل المكفول.
المحتويات
حث الشرع الشريف على كفالة الأيتام
حثَّ الشرعُ الشريفُ على كفالةِ اليتيم وتَرْبِيَتِهِ والإحسان إليه والقيام بأمره ومَصَالِحِهِ، حَتَّى جَعَلَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم كافلَ اليتيم معه في الجنة ورفيقًا له فيها، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا»، وقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وعن مالك بن عمرو رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ أَلْبَتَّةَ» أخرجه الإمامان: أحمد في "مسنده"، والطبراني في "المعجم الكبير" واللفظ له.
وفي ذلك ترغيبٌ شديدٌ في كفالة اليتيم بتربيته والإحسان إليه والقيام على مصالحه؛ طَمَعًا في مرافقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة، ولجماعة النبيين والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين، ولا منزلة عند الله في الآخِرة أفضل من مرافقة الأنبياء.
ولعلَّ الحكمة في قُرْبِ منزلة كافل اليتيم في الجنة من منزلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي: أنَّ النبي يُبعَثُ إلى قومٍ لا يعقلون أمر دِينهم، فيكون كافلًا لهم ومُعَلِّمًا ومرشدًا، وكذلك كافلُ اليتيم يكفل مَن لا يعقل أمرَ دِينه بل ولا دُنياه، ويُرشدُه ويُعلِّمُه ويُحسِنُ أَدَبَهُ. ينظر: "فتح الباري" للحافظ ابن حَجَر العَسْقَلَانِي (10/ 437، ط. دار المعرفة) نقلًا عن الحافظ زين الدين العِرَاقِي في "تكملة شرح جامع الإمام الترمذي".
الفقهاءُ مُجمعون على أنَّ كفالة اليتامى واجبةٌ على الكفاية، متى قام بها البعضُ سَقَطَت عن الآخَرين؛ لأنَّ الإنسانَ خُلِقَ ضعيفًا مفتَقِرًا إلى مَن يَكفُلُه ويُرَبِّيه ويُؤدِّبُه ويُعلِّمُه حتى ينفعَ نفسه ويستغني بذاته عن مُربِّيه في قضاء حوائجه، ولو تُرِكَت الكفالة لَهَلَكَ اليتيمُ، فكانت واجبةً لإنجائِهِ من الهلاك.
قال الإمام أبو الوليد ابن رُشْد الجد في "المقدمات الممهدات" (1/ 564، ط. دار الغرب الإسلامي): [لا خلاف بين أحد من الأمة في إيجاب كفالة الأطفال الصغار؛ لأنَّ الإنسان خُلِقَ ضعيفًا مفتَقِرًا إلى مَن يَكفُلُه ويُرَبِّيه حتى ينفع نفسه ويستغني بذاته، فهو من فروض الكفاية، لا يَحِلُّ أن يُترك الصغيرُ دون كفالة ولا تربية حتى يَهلك ويَضيع، وإذا قام به قائمٌ سقط عن النَّاس] اهـ.
وكفالةُ اليتيمِ تَعني القيامَ بأموره دِينًا ودُنيا، وتعهُّدَهُ بما يُصلِحُه في نَفْسِه ومالِه، فتشمل التَّكَفُّل بأُمورِ المَعيشَة من مأكَلٍ ومَشْرَبٍ ومَسْكَنٍ وتعليمٍ وعلاجٍ وتزويجٍ وغير ذلك مما يحتاج إليه، وكأنَّ المكفولَ بعض ولده، فيؤَدِّبُه أحسنَ تأديب، ويُعلِّمُه أحسنَ تعليم، ويَحرِصُ عليه حِرْصَه على بعض ولده.
قال الإمام شرفُ الدِّين الطِّيبِي في "شرح المشكاة" (10/ 3187، ط. مكتبة مصطفى الباز): [وأمَّا إذا كان عنده وهو كافِلُهُ فيجب عليه أن يُرَبِّيَهُ تربيةَ أولادِهِ، ولا يُقَصِّر في الشَّفَقَةِ عليه والتَّلَطُّفِ به، ويؤَدِّبَه أحسنَ تأديب، ويُعلِّمَه أحسن تعليم، ويراعي غِبْطَتَهُ في ماله وتزويجِه وتزوُّجِه] اهـ.
إضافةُ الطِّفلِ المكفولِ لنظام التَّأمينِ الصِّحِّي الخاصِّ بالأسرةِ الكافلة من أوجهِ كفالتِهِ ورعايتِهِ التي حثَّ عليها الشرعُ الشريف؛ إذ هو وسيلةٌ لتطبيبه وعلاجه، ويدخل هذا في عموم قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ [البقرة: 220].
قال الإمام مُقَاتِلُ بن سليمان في "تفسيره" (1/ 189، ط. دار إحياء التراث): [﴿قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ يقول: ما كان لليتيم فيه صلاح، فهو خيرٌ أن تفعلوه] اهـ.
والآية الكريمة وإن كانت واردةً في سياق إصلاح مال اليتيم بالتنمية والزيادة، إلَّا أنَّها تَعُمُّ كلَّ ما كان فيه إصلاحٌ له، ومن ذلك وسائل تطبيبه وعلاجه، "فهذه الكلمة جامعة لجميع مصالح اليتيم"، كما قال الإمام فخر الدين الرَّازِي في "مفاتيح الغيب" (6/ 405، ط. دار إحياء التراث العربي)؛ إذ "العبرةُ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام تاج الدين السُّبْكِي (2/ 134، ط. دار الكتب العلمية).
كما أنَّ إضافة الطفل المكفول لنظام التأمين الصِّحِّي الخاص بالأسرة الكافلة تُشعره بأنَّه عنصرٌ مرغوبٌ فيه، ليس منبوذًا، ولا مستبعدًا، ولا مستغرَبًا عن بقِيَّةِ أقرانه بسبب فقدانه أبَوَيْهِ أو لجهله بهما، فينشأ بذلك نشأةً سويَّةً مُحبًّا لمجتمعه متقبِّلًا له، فيصبح عنصرًا منتجًا فيه لا باغضًا ناقمًا عليه، وتلك من أوجه الإحسان المندوب إليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ» أخرجه الإمام ابن ماجه في "سننه".
قال العلامة زَيْن الدين المُنَاوِي في "فيض القدير" (3/ 484، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [«يُحسَنُ إليه» بالبناء للمفعول، أي: بالقول أو الفعل أو بهما؛ لأنَّ ذلك البيت حَوَى الرحمة والشفقة والنيابة عن الله في الإيواء والشفقة] اهـ.
فالإحسان إلى اليتيم يكون بإيوائه، والعطف الذي يقوم مقام عطف والديه عليه، وسَدِّ حاجاته، والاختلاط به بالرحمة، فيجعله مع أولاده، مختلطًا بهم، مؤتنسًا معهم، ويُسوِّي بينهم وبينه، لكي ينشأ أليفًا مألوفًا مع المجتمع الذي يعيش فيه، كما في "زهرة التفاسير" للشيخ العلامة أبي زَهْرَة (3/ 1676، ط. دار الفكر العربي).
قد عني المشرعُ المصري بتوفير الرعاية الصحية المُثلى للمكفول مِن قِبَل الكافل واهتم بها أَيَّمَا اهتمام؛ إذ العقل السليم في الجسم السليم، فاشترط لصلاحية الأسرة البديلة (الكافلة) للكفالة القُدْرَةَ على توفير الرعاية الصحية للطفل المكفول، حيث نصت المادة (6- الفقرة 5) من القرار الوزاري رقم 181 لسَنَة 1989م الصادر بنظام العمل بالأسرة البديلة على أنَّه يجب "أن يكون مَقَرُّ الأسرة في بيئة صالحة، على الأخَصِّ من ناحية توافر المؤسسات التعليمية والدينية والطبية والرياضية وغيرها، كما يُراعَى توافر الشروط الصحية الأساسية في المسكن والمستوى الصحي المقبول لأفراد الأسرة".
ويبتغي المشرِّعُ المصري بهذا الشرط تحقيقَ الرعاية الاجتماعية والتربوية والنفسية والصحية والمهنية للأطفال، وهو ما نصَّ عليه في المادة (2) من ذات القرار الوزاري؛ إذ نصت على أن نظام الأسر البديلة يهدف "إلى توفير الرعاية الاجتماعية والتربوية والنفسية والصحية والمهنية للأطفال الذين قست عليهم الظروف لسبب من الأسباب من أن ينشأوا في أسرهم الطبيعية وذلك بقصد تربيتهم تربية سليمة وتعويضهم عما حُرِموا منه من حنانٍ وعطفٍ على أسسٍ سليمة".
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن إضافة الطفل المكفول لنظام التأمين الصِّحِّي الخاصِّ بالأسرة الكافلة يُعدُّ من أوجُهِ الكفالةِ التي يُثابُ الكافلُ عليها شرعًا، ويَنالُ بها عظيمَ الثواب وواسِعَ العطاء مِن المَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ، وهي وسيلةٌ لتحقيق ما اشترطه المُشَرِّع المصري من ضرورة توفير الرعاية الصحية للطفل المكفول.
والله سبحانه وتعالى أعلم.