ما حكم بيع شيء من الأضحية؟ فقد تيسَّر لنا بفضل الله تعالى شراء كبش الأضحية وربَّما لا تتيسَّر لنا أجرة الجزار؛ فهل يجوز لنا بيع شيء من لحمه لغير الجزار لإعطاء الجزار أجرته؟
لا يجوز بيع شيءٍ من لحوم الأضاحي مطلقًا، ولا إعطاء الجزار شيئًا منها على سبيل الأجرة، ولكن له أن يتصدق بجلدها، أو أيِّ جزءٍ منها، ولو على مَن قام بالذبح.
المحتويات
شُرِعت الأضحية إحياءً لسُّنَة الخليل إبراهيم عليه السلام، وتوسعةً على الناس يوم العيد؛ كما ورد عن ابن شهاب أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بَعَثَ عبد الله بن حذافة رضي الله عنه أيَّام منى يطوف، يقول: «إنَّما هي أيَّام أكلٍ وشربٍ وذِكْرٍ لله» أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" -واللفظ له، ومسلم في "الصحيح".
وهي: اسمٌ لما يذبح من النَّعَم تقرُّبًا إلى الله تعالى مِن يوم العيد إلى آخر أيام التشريق. ينظر: "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (6/ 122، ط. دار الكتب العلمية).
قد اتفق الفقهاء على أنَّه لا يجوز بيع شيءٍ مِن الأضاحي مطلقًا، غير أنَّ الحنفية أجازوا بيع جلد الأضحية بما لا يُستهلَك ويدوم نفعه؛ كالغربال ونحوه، كما أجازوا بيعه بالنقود إذا تصدَّق بالثَّمن على الفقراء، وليس له أن يبيعه بالمال لينفقه على نفسه أو مَن يعول.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (5/ 81، ط. دار الكتب العلمية) في أحكام الأضحية: [ولا يحل بيع جلدها وشحمها ولحمها وأطرافها ورأسها وصوفها ووبرها ولبنها الذي يحلبه منها بعد ذبحها] اهـ.
وقال العلامة ابن مازه الحنفي في "المحيط البرهاني" (6/ 95، ط. دار الكتب العلمية): [ويجوز الانتفاع بجلد الأضحية، وهدي المتعة والتطوع بأن يتَّخذها فروًا أو بساطًا، أو حِرامًا، أو غربالًا أو قطعًا وله أن يشتري به متاع البيت كالغربال، والمنخل، والفرو، والكساء، والخف، وكذلك له أن يشتري به ثوبًا يلبسه، ولا يشتري به الخل... وكذلك لا يشتري به اللحم، ولا بأس ببيعه بالدراهم ليتصدَّق بها، وليس له أن يبيعها بالدراهم لينفقه على نفسه، ولو فعل ذلك تصدَّق بثمنها] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الكافي" (3/ 424، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [ولا بأس بالانتفاع بجلود الضحايا ولا يباع شيء منها ولا يُبادل لحمها بغيره ولا يُعطى في دباغ جلدها شيءٌ منها ولا يُعطى الجازر شيئًا مِن لحمها على ذبحها وسلخها، فإن باع الجلد تصدَّق بثمنه] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (2/ 239، ط. دار الفكر): [واتفقت نصوصُ الشافعي والأصحاب على أنه لا يجوز بيع شيء من الهدي ولا الأضحية نذرًا كان أو تطوعًا؛ سواء في ذلك: اللحم والشحم والجلد والقَرن والصوف وغيره] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (1/ 545، ط. دار الكتب العلمية): [ولا يجوز بيع شيءٍ من الهدي، والأضحية، ولا إعطاء الجازر بأجرته شيئًا منها] اهـ.
ودليل ذلك: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
قال الإمام المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 407، ط. مكتبة الإمام الشافعي) شارحًا: [أي: لا يحصل له الثواب الموعود للمضحِّي على أضحيته، فبيع جلدها حرام، وكذا إعطاؤه الجزار وللمضحي الانتفاع به] اهـ.
وعن قتادة بن النعمان رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «وَلَا تَبِيعُوا لُحُومَ الْهَدْيِ، وَالْأَضَاحِيِّ» أخرجه أحمد في "مسنده".
قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (5/ 153، ط. دار الحديث): [فيه دليلٌ على منع بيع لحوم الأضاحي، وظاهره التحريم] اهـ.
بناءً على ذلك: فلا يجوز بيع شيءٍ من لحوم الأضاحي مطلقًا، ولا إعطاء الجزار شيئًا منها على سبيل الأجرة، ولكن له أن يتصدق بجلدها، أو أيِّ جزءٍ منها، ولو على مَن قام بالذبح.
وتوصي دار الإفتاء المصرية المضحين بضرورة التعاون مع المعنيين بإعادة تدوير وصناعة الجلود ومخلفات الذبائح بما يحقق المصلحة العامة ويدفع المفاسد المترتبة على إساءة استخدام جلود ومخلفات الأضاحي أو استغلالها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.