ما الذي يجب على المضحي إذا ضاعت أو ماتت الأضحية قبل يوم العيد؟ فقد اشترى والدي قبل عيد الأضحى بأسبوع خروفًا لنذبحه كأضحية، وحافظنا عليه في مكان مغلق داخل فناء المنزل، لكن الخروف هرب من المنزل قبل يوم العيد، وأخذنا نبحث عنه فلم نجده، حتى تبين لنا في اليوم الثاني من عيد الأضحى أنه اصطدم بسيارة في طريق سريع فمات على إثر ذلك، فهل يجب علينا أن نضحي بغيره؟ علمًا بأن ظروف والدي المادية لا تسمح بذلك الآن.
من اشترى أضحية ليذبحها يوم العيد فضاعت أو سرقت أو ماتت دون أن يفرط في الحفاظ عليها، فلا حرج عليه في عدم قيامه بالأضحية في هذا العام، ولا يجب عليه بدلها.
المحتويات
المقرَّر شرعًا أن الأضحية في عيد الأضحى سنة مؤكدة للقادر كما هو مذهب جمهور الفقهاء، فقد ضَحَّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين، أحدهما عن نفسه وأهل بيته، والآخر عن كلِّ مسلمٍ لم يستطع أن يضحي.
فقد أخرج الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي رافع رضي الله عنه قال: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجِيَّيْنِ خَصِيَّيْنِ، فَقَالَ: «أَحَدُهُمَا عَمَّنْ شَهِدَ بِالتَّوْحِيدِ، وَلَهُ بِالْبَلَاغِ، وَالْآخَرُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» قَالَ: فَكَاَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَفَانَا.
وأخرج أيضًا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضَحَّى بِكَبْشٍ أَقْرَنَ، وَقَالَ: «هَذَا عَنِّي، وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي».
قد نص الفقهاء على أن من شروط الأضحية: استطاعة من يُضحي، سواءٌ على القول بوجوبها أو باستحبابها؛ بحيث إنه لا يُطلب من المكلف تحصيلها ما دام غير قادرٍ عليها، على اختلاف وتفصيلٍ بينهم في حد الاستطاعة للتضحية.
قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/ 64، ط. دار الكتب العلمية) في شروط وجوب الأضحية: [ومنها: الغنى؛ لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من وجد سعة فليُضَحِّ»؛ شَرَط عليه الصلاة والسلام السعة؛ وهي الغنى، ولأنَّا أوجبناها بمطلق المال، ومن الجائز أن يستغرق الواجبُ جميعَ ماله، فيؤدي إلى الحرج، فلا بد من اعتبار الغنى؛ وهو أن يكون في ملكه مائتا درهم أو عشرون دينارًا أو شيء تبلغ قيمته ذلك، سوى مسكنه وما يتأثث به وكسوته وخادمه وفرسه وسلاحه، وما لا يستغني عنه، وهو نصاب صدقة الفطر] اهـ.
وقال الشيخ الخرشي في "شرحه لمختصر خليل" (3/ 33، ط. دار الفكر): [الضحية يشترط فيها أن لا تُجحِف بمال المضحي، فإن أجحفت بماله من غير تحديد فإنه لا يُخاطب بها، والذي يفيده كلامُ بعضٍ أن المراد بالجحف: ما يخشى بصرفه في الضحية الحاجة إليه في أيِّ زمنٍ من عامِهِ] اهـ.
وقال الشيخ الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (6/ 123، ط. دار الكتب العلمية): [قال الزركشي: ولا بد أن تكون فاضلة عن حاجته وحاجة مَن يمونه على ما سبق في صدقة التطوع؛ لأنها نوع صدقة] اهـ.
إذا ضلت الأضحية أو ماتت قبل ذبحها يوم العيد، ولم يكن صاحبها موسرًا -كما في مسألتنا-، فقد جاءت نصوص الفقهاء على أنه لا يجب على المضحي أن يأتي بغيرها في هذه الحالة:
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (5/ 66، ط. دار الكتب العلمية): [ولو اشترى شاة للأضحية وهو معسر أو كان موسرًا فانتقص نصابه بشراء الشاة ثم ضلت: فلا شيء عليه، ولا يجب عليه شيء آخر] اهـ.
وجاء في "المدونة" (1/ 549، ط. دار الكتب العلمية): [قلت: أرأيت إن لم يبدل أضحيته هذه التي ضاعت حتى مضت أيام النحر ثم أصابها بعد أيام النحر: كيف يصنع بها في قول مالك؟
قال: لم أسمع من مالك فيها شيئًا، ولكن أرى أن لا شيء عليه فيها] اهـ.
وقال العلامة ابن جزي المالكي في "القوانين الفقهية" (ص: 327، ط. دار ابن حزم): [فإذا قال: جعلت هذه أضحية، تعينت على أحد قولين، ثم على كِلَا القولين إن ماتت فلا شيء عليه] اهـ.
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (2/ 587، ط. دار الوفاء): [وإذا اشترى الرجل الضحية، فأوجبها أو لم يوجبها، فماتت أو ضلت أو سرقت: فلا بدل عليه، وليست بأكثر من هدي تطوع يوجبه صاحبه فيموت، فلا يكون عليه بدل، إنما تكون الأبدال في الواجب، ولكنه إن وجدها بعدما أوجبها؛ ذبحها وإن مضت أيام النحر كلها، كما يصنع في البُدْنِ من الهدي تضل، وإن لم يكن أوجبها فوجدها لم يكن عليه ذبحها، ولو ذبحها كان أحب إليَّ] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (9/ 454، ط. مكتبة القاهرة): [إذا وجبت الأضحية بإيجابه لها، فَضَلَّتْ أو سرقت بغير تفريط منه: فلا ضمان عليه؛ لأنها أمانة في يده، فإن عادت إليه ذبحها، سواء كان في زمن الذبح، أو فيما بعد] اهـ.
بناء على ذلك: فإن مَن اشترى أضحية ليذبحها يوم العيد فضاعت أو سرقت أو ماتت دون أن يفرط في الحفاظ عليها، فلا حرج عليه في عدم قيامه بالأضحية في هذا العام، ولا يجب عليه بدلها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.