ما حكم إقامة صلاة العيدين في المصليات الصغيرة؟ فأنا أسكن في منطقة سكنية وينتشر فيها عدد من المصليات الصغيرة التي يؤدي فيها الناس الصلوات الخمس ما عدا الجمعة، وذلك بناء على تعليمات الجهات الرسمية، وقد اقترح بعض أهل المنطقة أن يتقدموا بطلب رسمي لتلك الجهات لتسمح لهم بإقامة صلاة العيد في تلك المصليات؛ بحجة أن بعض الناس لا يقدرون على الذهاب إلى مصلى العيد في المسجد الكبير في المنطقة، لكن أحد الناس قال إن السُّنَّة هي الصلاة في المساجد والساحات الكبيرة؛ فهل يجوز لنا أن نقيم صلاة العيد في تلك المصليات الصغيرة؟
الأصل أن تُصلَّى صلاة العيد في المساجد الجامعة أو الساحات المخصصة لذلك، حتى تجتمع الجماعاتُ على مكانٍ واحدٍ؛ ولا حرج شرعًا في صلاتها في المصليات إذا ظهرت الحاجة لذلك، بشرط التصريح بذلك من الجهات المختصة.
المحتويات
من المقرر شرعا أن هناك فارقًا بين المسجد الموقوف لله تعالى وبين الزاوية والمصلَّى التي أعلاها مساكن أو محالّ خاصّة، مع جواز الصلاة واشتراط طهارة المكان في كلٍّ؛ فالمسجد له أحكامه الخاصة به من: عدم جواز تحويله عن المسجدية إلى أي غرض آخر، وحرمةِ البيع فيه، وعدمِ مكوث الجُنُب والحائض فيه، ومشروعية تحية المسجد فيه، وغير ذلك من الأحكام، بخلاف الزوايا والمصلَّيات؛ فإنها لا تأخذ أحكام المساجد حتى لو أُوقِفَت للصلاة فيها، ينظر: "البحر الرائق" للعلامة ابن نجيم الحنفي (5/ 271، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"منح الجليل شرح مختصر خليل" للعلامة عليش المالكي (8/ 88، ط. دار الفكر)، و"إعلام الساجد بأحكام المساجد" للإمام الزركشي الشافعي (407، ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية -القاهرة)، و"الفروع" للعلامة ابن مُفلِح الحنبلي (7/ 404، ط. مؤسسة الرسالة).
قد نص الفقهاء على أن صلاة العيد سنة مؤكدة؛ قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (2/ 70، ط. المكتب الإسلامي): [هي سنة على الصحيح المنصوص] اهـ.
قد نص الفقهاء على أن الأفضل في أداء صلاة العيد أن تكون في مكانٍ واسعٍ يتحمل اجتماع الناس، لذا فقد ذهب الجمهور إلى أن الأفضل في أداء صلاة العيد أن تكون في الخلاء خارج المسجد.
قال العلامة ابن مَازَه الحنفي في "المحيط البرهاني" (2/ 100، ط. دار الكتب العلمية): [والخروج إلى الجبانة لصلاة العيد سُنَّة، وإن كان يسعهم المسجد الجامع، على هذا عامة المشايخ. وبعضهم قالوا: الخروج إلى الجبانة ليس سُنَّة، وإنما تعارف الناس ذلك لضيق المسجد] اهـ.
بينما ذهب الشافعية في الأصح إلى أن المسجد إذا كان واسعًا ويتحمل اجتماع الناس في صلاة العيد فإن الصلاة في غيره خلاف الأولى.
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 5، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: تجوز صلاة العيد في الصحراء، وتجوز في المسجد... وإن اتسع المسجد ولم يكن عذرٌ فوجهان: (أصحهما): وهو المنصوص في "الأم"، وبه قطع المصنف وجمهور العراقيين والبغوي وغيرهم أن صلاتها في المسجد أفضل. (والثاني) وهو الأصح عند جماعة من الخراسانيين وقطع به جماعة منهم: أن صلاتها في الصحراء أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم واظب عليها في الصحراء، وأجاب الأولون عن هذا بأن المسجد كان يضيق عنهم لكثرة الخارجين إليها، فالأصح ترجيحها في المسجد لما ذكره المصنف رحمه الله.
فعلى هذا إن ترك المسجد الواسع وصلَّى بهم في الصحراء فهو خلاف الأولى، ولكن لا كراهة فيه، وإن صلَّى في المسجد الضيق بلا عذرٍ كُرِه، هكذا نص الشافعي رحمه الله على المسألتين كما ذكره المصنف بدليلهما] اهـ.
والذي يستفاد من ذلك أن الأَوْلَى في صلاة العيد صلاتها في المساجد الجامعة الواسعة، وكذا في الساحات المُعَدَّة لأداء صلاة العيد إن ضاقت المساجد الجامعة الكبرى عن المصلين؛ فالأمر على السَّعة، ولا حرج فيه شرعًا.
أما بالنسبة للذين لا يستطيعون الخروج إلى الساحات أو المسجد الجامع في الحي الذي يسكنون فيه؛ لعذرٍ من الأعذار كمرض أو عجز أو عدم القدرة على تحمل الزحام وكثرة المصلين أو نحو ذلك، ويريدون أن يؤدوا صلاة العيد في المصليات الصغيرة القريبة من سكنهم حتى لا يفوتهم أداء تلك السُّنَّة المؤكدة، ولا يُحرمون من ثوابها، فالأمر جائز ولا حرج فيه شرعًا من حيث الأصل، وهو مذهب الشافعية.
وذلك لما ورد عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه "أمر رجلًا أن يصلي بضعفة الناس في المسجد يوم فطر أو يوم أضحى" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"، والبيهقي في "السنن".
قال الإمام المزني في "مختصره" (8/ 125، ط. دار المعرفة): [ولا أرى بأسا أن يأمر الإمام مَن يصلي بضعفة الناس في موضع من الْمِصْرِ] اهـ.
وقال إمام الحرمين الجويني الشافعي في "نهاية المطلب في دراية المذهب" (2/ 622، ط. دار المنهاج): [وقد ذكرنا أن المنصوص عليه في الجديد، أنا لا نشترط في صلاة العيد ما نشترطه في الجمعة، فعلى هذا لو انفرد الرجل بصلاة العيد في رحله جاز، ولو فرضت جماعاتٌ متفرقة، صحت الصلوات، ولكن الإمام يمنع من هذا من غير حاجة، حتى تجتمع الجماعاتُ على صعيدٍ واحدٍ؛ فلو علم أنَّ في الناس ضعفة، لا يقدرون على البروز، فحسنٌ أن يأمر إنسانًا حتى يصلي بهم في مسجد أو غيره] اهـ.
وقال الإمام الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/ 222، ط. دار الكتب العلمية): [والسُّنَّة أن يُصلي صلاة العيد في المصلى إذا كان مسجد البلد ضيقًا؛ لما رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كان يخرج إلى المصلَّى»، ولأن الناس يكثرون في صلاة العيد فإذا كان المسجد ضيقا تأذوا، فإن كان في الناس ضعفاء استخلف في مسجد البلد من يصلي بهم؛ لما روي أن عليًّا رضي الله عنه استخلف أبا مسعود الأنصاري رضي الله عنه ليصلي بضعفة الناس في المسجد، وإن كان يوم فطر صلَّى في المسجد؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه، قال: «أصابنا مطر في يوم عيد فصلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد» ورُوِيَ أن عمر وعثمان رضي الله عنهما صليا في المسجد في المطر] اهـ.
فالخروج إلى صلاة العيد منوطٌ بالقدرة، ومَن حبسه العذر فليس عليه شهودها. ينظر: "المبسوط" للإمام السرخسي (2/ 39-40، ط. دار المعرفة)، وكذا هؤلاء المعذورون لا حرج عليهم إذا لم يؤدوا صلاة العيد بسبب أعذارهم التي تمنعهم من الذهاب إلى المسجد الجامع أو الساحات المخصصة لصلاة العيد.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (2/ 39-40، ط. دار المعرفة): [وإذا خرج الإمام إلى الجبانة لصلاة العيد، فإن استخلف رجلًا يصلي بالناس في المسجد فحسن، وإن لم يفعل فلا شيء عليه؛ لما روينا أن عليًّا رضي الله عنه لما قدم الكوفة استخلف مَن يصلي بالضعفة صلاة العيد في الجامع، وخرج إلى الجبانة مع خمسين شيخًا يمشي ويمشون ويُكَبِّر ويُكَبِّرون، ولأن في الاستخلاف نظرًا منه للضعفاء، وهو حسن، وإن لم يفعل فلا شيء عليه؛ لأن مَن له قدرة على الخروج لا يترك الخروج إلى الجبانة، ومَن هو عاجز عن ذلك فليس عليه شهودها] اهـ.
لكن يقيد ذلك كله بضرورة أخذ التصريحات اللازمة لذلك من الجهات المختصة.
بناء على ذلك: فالأصل أن تُصلَّى صلاة العيد في المساجد الجامعة أو الساحات المخصصة لذلك، حتى تجتمع الجماعاتُ على مكانٍ واحدٍ؛ ولا حرج شرعًا في صلاتها في المصليات إذا ظهرت الحاجة لذلك، بشرط التصريح بذلك من الجهات المختصة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.