حكم عقد نية الصوم أثناء الصلاة

  • المفتى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
  • تاريخ الصدور: 05 نوفمبر 2023
  • رقم الفتوى: 20192

السؤال

ما حكم عقد نية الصوم أثناء الصلاة؟ حيث قمتُ للصلاة قبيل الفجر في أَوَّل ليلةٍ من رمضان، وتذكرتُ أنني لم أنوِ الصوم، والوقت ضاق بحيث إنَّه لو انصرفت من الصلاة لكي أنوي الصوم خرج الوقتُ بطلوع الفجر، فهل يصح مني عقد نية الصوم في هذه الحالة وأنا في أثناء الصلاة؟ علمًا بأني قد نويت صوم الشهر كله بعد إعلان رؤية الهلال وثبوت دخول الشهر.

ما دام المسلم قد عقد النية بصيام الشهر من أول ليلة من رمضان، فتكفيه هذه النية في صحة صوم الشهر كاملًا، ولا يلزمه تجديدها كلَّ ليلة، عملًا بمذهب المالكية ومَن وافقهم، ولا حرج على المسلم في عقد نية الصوم أثناء الصلاة، مع مراعاة أن تكون النية الحاصلة للصوم أثناء الصلاة لا تتعدَّى مجرد القَصْد والإرادة القلبية، دون التلفظ باللسان.

المحتويات

 

وجوب اشتراط النية في الصيام الواجب وبيان وقتها

النية لغةً: مِن نَوى نِيَّةً؛ أي: تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ، وَنَوَى: بَعُدَ، وتأتي بمعنى "القصد"، وبمعنى "الحفظ"؛ كما في "المصباح المنير" للعلامة الفيومي (ص: 631، ط. المكتبة العلمية).

واصطلاحًا: هي "قَصْدُ الإنسان بقلبه ما يريده بفعله"؛ كما في "الذخيرة" لشهاب الدين القرافي (1/ 240، ط. دار الغرب الإسلامي).

وقد قرر جمهور الفقهاء أنه يلزم تعيين النية في الصوم الواجب قبل الشروع في الصيام؛ أي: قبل طلوع الفجر، ويكون وقتها في أيِّ جزءٍ مِن الليل؛ مِن غروب الشمس إلى طلوع الفجر؛ لحديث أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ فَلَا صِيَامَ لَهُ» أخرجه النسائي في "السنن"، وخالفهم في ذلك الحنفيَّة فقالوا بأن تبييت النية مستحب، ويصح أن تكون نهارًا، لأن وقتها يمتد إلى الضحوة الكبرى، كما في "تبيين الحقائق" للعلامة الزَّيْلَعِي الحنفي (1/ 315، ط. الأميرية).

فهذا الوقت الـمُخَصَّص يجوز فيه عقد النية في أي جزءٍ من أجزائه، والمقصود بالنية هو: استحضار الشيء بالقَلْب خاصة؛ ولذا قال الفقهاء: "إنَّ مَحلَّها القلب"، ونَقَل الإجماع على ذلك العلامة ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (2/ 12، ط. المكتبة التجارية الكبرى).

حكم عقد نية الصوم أثناء الصلاة

أَمَّا التَّلفُّظ بالنية فلا يَدْخُل في كُنْهها -وإن استُحِبَّ-؛ لذا لم يشترط الفقهاء التَّلفُّظ لعقد النية، حتى قالوا: "التَّكلُّم بالنية لا معتبر به، بل المعتبر به القَصْد القلبي"، ومِن التفريعات على ذلك: أنَّه لو نهض الشخص للسحور مع جريان الصوم على خاطره؛ كَفَى ذلك في النية.

قال العلامة العَبَّادي الشافعي في "حاشيته على تحفة المحتاج" (3/ 386): [لو تَسحَّر ليصوم أو امتنع مِن الفطر خوف طلوع الفجر مع خطور الصوم بباله كذلك كَفَاه ذلك... والذي يتَّجِه في هذه المسائل: أنَّه إن وجد منه حقيقة القصد الذي هو النية مع استحضار ما يعتبر استحضاره أجزأ بلا شك] اهـ.

وإذا كان الأمر كذلك، فإنَّ القَصْد القلبي -سواء حصلَ خارج الصلاة أو داخلها- هو المعتبر في عَقْد النية، حتى نَصَّ فقهاء الحنفية والشافعية على جواز عَقْد نية الصوم أثناء الصلاة، تفريعًا منهم على اشتراط القَصْد القلبي خاصة.

قال العلامة الحَصْكَفي الحنفي في "الدر المختار" (ص 143، ط. دار الكتب العلمية): [ونيةُ الصومِ في الصلاة صحيحةٌ، ولا تفسدها بلا تلفظ] اهـ.

وقال العلامة الجمل الشافعي في "حاشيته على شرح المنهج" (2/ 311، ط. دار الفكر): [تصح نية الصوم بالقلب ولو في الصلاة] اهـ.

وجاء في "حاشية الميهي الشيبيني الشافعي على شرح الرملي للستين مسألة" (ص 186، ط. دار الكتب العلمية): [لو نوى الصوم بقلبه في أثناء الصلاة صحت نيَّته] اهـ.

وقال العلامة البهوتي في "كشاف القناع" (2/ 363، ط. دار الكتب العلمية): [(ومَن خَطَر بباله أنَّه صائم غدًا فقد نوى)؛ لأنَّ النية محلها القلب] اهـ.

لكن يشترط مع هذا: أن تكون النية في هذه الحالة بالقلب دون التَّلفُّظ باللسان؛ لأنَّ التلفظ بالكلام الخارج عن الصلاة يُفْسِدها اتفاقًا.

قال العلامة المَرْغِينَانِي الحنفي في "الهداية" (1/ 62، ط. دار إحياء التراث العربي): [ومَن تَكلَّم في صلاته عامدًا أو ساهيًا بَطَلت صلاته] اهـ.

وقال العلامة ابن رشد المالكي في "البيان والتحصيل" (1/ 387، ط. دار الغرب الإسلامي): [السلام من فرائض الصلاة، وأنَّه لا يتحلل منها إلَّا به، وأَنَّ الكلام فيها قبله يبطلها] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (4/ 85، ط. دار الفكر): [في مذاهب العلماء في كلام المصلي هو ثلاثة أقسام (أحدها) يتكلَّم عامدًا، لا لمصلحة الصلاة، فتَبْطُل صلاته بالإجماع] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (2/ 35، ط. مكتبة القاهرة): [ومَن تَكلَّم عامدًا أو ساهيًا بَطَلت صلاته] اهـ.

حكم عقد نية الصيام لشهر رمضان كاملًا في أول ليلة منه

هذا، ونية السائل التي عقدها في أول ليلة بعد الغروب وثبوت دخول الشهر تكفيه في صحة الصوم للشهر كاملًا، وذلك باعتبار أن صوم رمضان كأنَّه صوم يومٍ واحد، مَثَلُه مَثَلُ ركعات الصلاة الواحدة مِن حيث إنَّ الفِطْر المُتَخلِّل بين أيامه ليس إلَّا في الليل، والليل ليس بمحل الصوم، وهو مذهب المالكية، والإمام أحمد في رواية.

قال العلامة الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 419، ط. دار الفكر): [ص: (وكفت نية لما يجب تتابعه) ش: يعني أن الصوم الذي يجب تتابعه يكفي فيه نيةٌ واحدةٌ في أول ليلة من بعد الغروب، والصوم الذي يجب تتابعه هو: رمضان في حقِّ الصحيح، وكفارة القتل والظهار والفطر في رمضان، والصوم المنذور، فتكفي في ذلك كله نيةٌ واحدةٌ في أول ليلة منه على المشهور] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (3/ 111): [وعن أحمد أنه تجزئه نيةٌ واحدةٌ لجميع الشهر، إذا نوى صوم جميعه. وهذا مذهب مالك، وإسحاق؛ لأنه نوى في زمن يصلح جنسه لنية الصوم، فجاز، كما لو نوى كل يوم في ليلته] اهـ.

الخلاصة

بناء على ما سبق وفي واقعة السؤال: فما دمتَ قد عقدتَ النية بصيام الشهر من أول ليلة من رمضان، فتكفيك هذه النية في صحة صوم الشهر كاملًا، ولا يلزمك تجديدها كلَّ ليلة، عملًا بمذهب المالكية ومَن وافقهم، ولا حرج عليك في هذه النية التي عَقدتَها لصومِ رمضان أثناء الصلاة، مع مراعاة أن تكون النية الحاصلة للصوم أثناء صلاتِك لا تتعدَّى مجرد القَصْد والإرادة القلبية، دون التلفظ باللسان.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة