حكم التهنئة بأعياد رأس السنة الميلادية والرد على من يزعم حرمة ذلك

  • المفتى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
  • تاريخ الصدور: 24 يناير 2022
  • رقم الفتوى: 6140

السؤال

ما حكم التهنئة بأعياد رأس السنة الميلادية؟ وهل هي حرامٌ شرعًا كما يشيع البعض؛ بدعوى أنها مشاركة في طقوسهم الدينية؟

تهنئة إخواننا في الوطن بأعياد رأس السنة الميلادية ومبادلتهم الفرحة لا حرج فيها شرعًا؛ لأن في تهنئتهم اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث عاش في نسيج مجتمعي مختلف الديانات حياة اجتماعية قوية امتزجت فيها مظاهر الإحسان والتعاون ومشاعر البر والمواساة وحسن الصلة، بالإضافة إلى إقرارهم على مناسباتهم وأعيادهم باعتبار ذلك من المشترك الإنساني على المستوى الثقافي والاجتماعي، وتبعه الصحابة الكرام رضي الله عنهم على ذلك.

المحتويات

 

حكم الاحتفال ببداية السنة الميلادية

المشاركة الاجتماعية بين المسلمين وإخوانهم في الإنسانية من غير المسلمين في فرحتهم بأعيادهم ومناسباتهم تحمل في طيَّاتها قيمًا إسلامية، ومعاني راقية، وهي من الخلق المحمود الذي تقتضيه مكارم الأخلاق، ولا يخفى أنَّ الاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية مناسبة تتناولها مقاصد: اجتماعية ودينية ووطنية؛ فإنَّ الناس يُودّعون عامًا ماضيًا ويستقبلون عامًا آتيًا؛ حسب التقويم الميلادي المؤرخ بميلاد سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام، والاختلاف في تحديد مولده عليه السلام لا ينافي صحة الاحتفال به؛ فإنَّ المقصود: إظهار الفرح بمضي عام وحلول عام جديد، وإحياء ذكرى المولد المعجز للسيد المسيح عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، مع ما في ذلك من إظهار التعايش والمواطنة وحسن المعاملة بين المسلمين وغيرهم من أبناء الوطن الواحد، ومن هنا كان للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة عدة مقاصد، وكلها غير بعيد عن قوانين الشريعة وأحكامها.

حكم تهنئة المسيحيين بأعياد رأس السنة الميلادية

لا يخفى أن تجدّد الأيام وتداولها على الناس هو من نعم الله عز وجل التي تستلزم الشكر عليها؛ فإن الحياة نعمة من نعمه سبحانه على البشر، ومرور الأعوام وتجددها شاهد على هذه النعمة، وذلك مما يشترك فيه المجتمع الإنساني بكل طوائفه، دون التفرقة بين أحد من أفراده، وهذا يكشف فساد مناهج مَن يريد تعكير صفو العيش السلمي، والتعاون المجتمعي، والبناء الحضاري بين نسيج الأمة المتماسك، فكان ذلك داعيًا لإبراز معاني التهنئة والسرور بين الناس، ولا يخفى أنَّ التهنئة إنما تكون بما هو محلٌّ للسرور؛ وقد نصَّ الفقهاء على استحباب التهنئة بقدوم الأعوام والشهور، دون تفرقة في ذلك بين مسلم وغيره؛ قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 283، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال القمولي: لم أر لأحد من أصحابنا كلامًا في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي أنه أجاب عن ذلك: بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه، والذي أراه أنه مباح لا سُنّة فيه ولا بِدْعَة. انتهى. وأجاب عنه شيخنا حافظ عصره الشهاب ابن حجر بعد اطلاعه على ذلك: بأنها مشروعة، واحتجَّ له بأن البيهقي عقد لذلك بابًا فقال: (باب ما روي في قول الناس بعضهم لبعض في يوم العيد تقبل الله منا ومنك)، وساق ما ذكره من أخبار وآثار ضعيفة، لكن مجموعها يُحْتَجُّ به في مثل ذلك] اهـ.

وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (3/ 56، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [وتُسَنُّ التهنئة بالعيد ونحوه من العام والشهر على المعتمد مع المصافحة] اهـ.

وقال العلامة القليوبي في "حاشيته على شرح المحلي على المنهاج" (1/ 359، ط. دار الفكر): [(فائدة): التهنئة بالأعياد والشهور والأعوام، قال ابن حجر: مندوبة، ويُستأنَسُ لها بطلب سجود الشكر عند النعمة، وبقصة كعب وصاحبيه رضي الله عنهم وتهنئة أبي طلحة رضي الله عنه له] اهـ.

ولا يخفى أنَّ في التهنئة إظهارًا للسرور وإعلانًا له، وفي ذلك نوع من المشاركة في الاحتفال.

الأدلة على جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم

قد عاش النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نسيج مجتمعي مختلف الديانات حياةً اجتماعيةً قوية، امتزجت فيها مظاهر الإحسان والتعاون، ومشاعر البر والمواساة، وحسن الصلة والضيافة، وعيادة المرضى، والمجاملة، والاحترام المتبادل، بالإضافة إلى إقرار الناس على مناسباتهم وأعيادهم؛ باعتبار ذلك من المشترك الإنساني على المستوى الثقافي والاجتماعي، وبيان حاجتهم إليها؛ حيث جرت أعراف كل قوم على أنَّ لهم أعيادًا يفرحون فيها ويروِّحون عن نفوسهم؛ فروى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عندها يومَ فطرٍ أو أضحى، وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصارُ يومَ بُعَاث، فقال أبو بكر رضي الله عنه: مزمار الشيطان؟ مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ؛ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا اليَوْمُ». وفي لفظ في "الصحيحين": «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ؛ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ»، وفي لفظ لأبي عوانة في "مستخرجه على صحيح مسلم" بلفظ: «دَعْهُمَا؛ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدٌ».

كما أقرَّ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الأحباشَ في احتفالهم على لعبهم وحركاتهم بطريقتهم الخاصة التي لا يعرفها العرب، وكان هذا في المسجد، فلم يمنع فرحتهم، بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم بَيَّنَ للمعترضين على ذلك سماحة الإسلام ورحابته، ومراعاته لاحتياجات النفس البشرية من الترويح وإعلان الفرح في المناسبات المختلفة؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً؛ إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ» رواه أحمد في "مسنده" من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

وتبعه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم على ذلك، مُرَاعين في ذلك أعراف الناس ومناسباتهم في مجتمعاتهم، حتى ورد عن بعض كبار الصحابة شهود الأعياد والاحتفالات المختلفة، وقبول الهدايا فيها، والتوسعة على مَنْ حولهم بتفريق بعض من هذه الهدايا، مستمتعين بمشاركة غيرهم في أجواء البهجة والسرور، والفرح بالمباحات التي يُثَاب الإنسان على النية الصالحة فيها، كالتمتع بالطيبات، والأكل من الأطعمة الـمُعَدَّة فيها، مستحسنين لها بلا أدنى حرج، كل ذلك في إطار الودّ والمحبة الذي هو خُلُقٌ إسلامي عظيم، ليبرزوا بقوة المعنى الحقيقي لمفهوم الأخوة الإنسانية، حيث يرتبط البشر من خلاله بعلاقة مميزة يكون قوامها الرحمة والإحسان والاحترام.

فأخرج الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (15/ 447-448، ط. دار الغرب الإسلامي): [أنَّ النعمان بن المرزبان- وهو جد الإمام أبي حنيفة- هو الذي أهدى لعلي بن أبي طالب عليه السلام الفالوذج في يوم النيروز، فقال: "نَوْرِزُونَا كُلَّ يَوْمٍ"، وقيل: كان ذلك في المهرجان، فقال: "مَهْرِجُونَا كل يوم". والنيروز: لفظ فارسي مُعرَّب؛ معناه: اليوم الجديد، وهو عيد رأس السنة عند الفرس، ويصادف أول فصل الربيع] اهـ.

ولَمَّا هَمَّ الصحابة رضي الله عنهم بوضع تأريخ يؤرخون به الوقائع والأحداث عدوا ذلك من أحوال الاجتماع البشري، فنظروا إلى الحوادث الكبرى التي أثرت في تاريخ البشرية؛ كتأريخ الروم، وتأريخ الفرس، دون أن يلتفتوا إلى موافقة أصولها للعقيدة الإسلامية أو مخالفتها.

وعبارة سيدنا علي رضي الله عنه: "نَوْرِزُونَا كُلَّ يَوْمٍ" حين قدمت له الحلوى بمناسبة النيروز، تؤكد على انفتاح الإسلام على الثقافات الأخرى والموروثات القومية في أبعادها الإيجابية، واقتران هذا العيد بالربيع والطبيعة، وتقاليده في التزاور، وتقديم الهدايا، وتنظيف الدور والمدن، وإشاعة المحبة والوئام والتسامح بين الناس، وكلها فِعَالٌ حسنة، وسلوك يتَّسِقُ مع المنهج الإسلامي الأصيل.

وذكر العلامة الزمخشري في "ربيع الأبرار ونصوص الأخيار" (5/ 325، ط. مؤسسة الأعلمي) قال: [أهدى معاوية إلى سعيد بن العاص يوم النيروز كسًى كثيرة، وآنيةَ ذهب وفضة. فقال للرسول : ما قَدَّرت لنفسك في طريقك فخذه، ثم فرَّق سائرها على أصحابه، ولم يأخذ إلا ثوبًا واحدًا] اهـ.

وقد كان الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه -والي مصر من قِبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه- يخطب المصريين في كل عام ويحضّهم على الخروج والمشاركة في الاحتفال بـ"شم النسيم" باعتباره عيدًا قوميًّا -كما أخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر والمغرب" (ص: 165، ط. مكتبة الثقافة الدينية)، والدارقطني في "المؤتلف والمختلف" (2/ 1004، ط. دار الغرب الإسلامي)-؛ وذلك بغض النظر عن المعتقدات الدينية التي قد ترتبط بهذه المناسبة في أذهان المحتفلين بها على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم؛ فقد كان معروفًا عند الأمم القديمة بأسماء مختلفة وإن اتحد المسمَّى؛ فكما احتفل قدماء المصريين بشم النسيم باسم "عيد شموس" أو "بعث الحياة": احتفل البابليون والآشوريون بـ"عيد ذبح الخروف"، واحتفل اليهود بـ"عيد الفصح" أو "الخروج"، واحتفل الرومان بـ"عيد القمر"، واحتفل الجرمان بـ"عيد إستر"، وهكذا.

حكم مشاركة غير المسلمين في أعيادهم

لم يكن من شأن المسلمين أن يتقصَّدوا مخالفة أعراف الناس في البلدان التي دخلها الإسلام، وإنما سعوا إلى الجمع بين التعايش والاندماج مع أهل تلك البلاد، مع الحفاظ على الهوية الدينية.

بل لَمَّا كان الاعتدال الربيعي يوافق صوم المسيحيين، جرت عادة المصريين على أن يكون الاحتفال به فور انتهاء المسيحيين من صومهم؛ وذلك ترسيخًا لمعنًى مهم؛ يتلخص في أن هذه المناسبة إنما تكتمل فرحة الاحتفال بها بروح المجتمع الوطني ذي النسيج الواحد.

وهذا معنًى إنسانيٌّ راقٍ أفرزته التجربة المصرية في التعايش بين أصحاب الأديان والتأكيد على المشترك الإنساني الذي يقوي روابط التعارف والتواصل بين بني الإنسان، وهو لا يتناقض بحال مع الشرع، بل هو ترجمة للحضارة الإسلامية الراقية، وقِيَمِها النبيلة السمحة.

والأعياد أيام تُتَّخَذُ لإظهار السرور والفرحة، وللأعياد الدينية أبعاد اجتماعية واقتصادية نافعة، وتزداد فيها هذه الجوانب قوّةً كلما قويَتْ أواصر المجتمع، وتلاحمت روابطه، وتآخت طوائفه، وزاد المشترك بين أفراده وجماعاته، فيحصل التشارك المجتمعي بل الإنساني العام الذي يتناسى أصولها الدينية وفوارقها العقائدية، واختلافُ فتاوى العلماء في المشاركة في أعياد غير المسلمين راجع إلى أنَّ هذه الأعياد يتجاذبها البعدان الديني والاجتماعي قوةً وضعفًا؛ خاصة مع تزامن فتاواهم والحروب الصليبية، ومع غلبة الطابع الديني على النزاعات والحروب الدولية، ومع زيادة التعصب الديني وضعف المشاركة المجتمعية في كثير من الأحايين؛ مما قوَّى عند جماعة من الفقهاء حينذاك الأخذ بمسلك سد الذرائع؛ حفاظًا على تماسك الدولة الإسلامية أمام العدوان المتعصب الذي يلبس لباس الدين زورًا وبهتانًا، وهذا غير حاصلٍ في زماننا الآن.

ولذلك بنى المحققون من الفقهاء جواز مشاركة غير المسلمين في أعيادهم على تناسي الفوارق الدينية فيها، وعلى انعدام قصد التشبه بهم فيما خالف الإسلام من عقائدهم، وعلى غلبة المعنى الاجتماعي وقوة المشترك الإنساني في مظاهر الاحتفال، وعلى استغلال هذه المواسم في فعل الخير وصلة الأرحام والمنافع الاقتصادية، وبنوا الجواز كذلك على خلوص القصد في المشاركة المجتمعية المحضة، وقرروا أن صورة المشابهة لا تضرّ خاصةً إذا تعلق بها صلاح العباد؛ كما في "رد المحتار على الدر المختار" للعلامة ابن عابدين (1/ 624، ط. دار الفكر)، و"سنن المهتدين" للعلامة الموَّاق (ص: 249، ط. مؤسسة الشيخ زايد)، و"شرح مختصر خليل" للعلامة الزرقاني (1/ 320، ط. دار الكتب العلمية).

وقسَّم الإمام ابن حجر الهيتمي أنواع المشاركة في أعياد غير المسلمين إلى ما يُقصَد به التشبهُ بهم في عقائدهم أو في شعائر أعيادهم المخالفة لثوابت الإسلام: فمحظور شرعًا، قال: "وإن لم يقصد التشبه بهم أصلًا ورأسًا: فلا شيء عليه" اهـ. من "الفتاوى الفقهية" (4/ 234، ط. دار الفكر).

ونقل الإمام أبو بكر الخلَّال في "أحكام أهل الملل" (ص: 51، ط. دار الكتب العلمية): [عن الإمام أحمد: جواز استغلال المنفعة الاقتصادية لأعياد غير المسلمين، ولا يخفى ما في ذلك من المشاركة المجتمعية وتبادل المنافع الاقتصادية] اهـ. بتصرف.

والاحتفالات بأعياد رأس السنة الميلادية قد اصطبغت بالصبغة الاجتماعية، وصارت مناسبة قومية، وتجلت فيها معاني تقوية الأواصر الإنسانية، وهي وإن ارتبطت بفكرة دينية في الأصل، إلا أنَّ المشاركة فيها لا تستلزم الإقرار بشيء من الخصوصيات الدينية التي قد لا توافق ثوابت العقيدة الإسلامية، مع مراعاة البُعْد عمَّا يحرِّمُهُ الشرع اتفاقًا أو تأباه الأخلاق الكريمة والأعراف السليمة.

وإنَّ مِن أوجب الواجبات على المسلمين في هذا العصر أن يظهروا هذا الجمال الذي في الإسلام، ليكونوا خير حملة لهذا الدين بأخلاقهم وتعاملاتهم؛ فالإسلام لم يأمر أتباعه أبدًا بالانسلال من غيرهم من بني الإنسان ممن لا يتبعون دينهم وعدائهم وبغضهم، بل أمر ببذل البِرِّ والإحسان إلى الجميع تحت مظلة الاحترام المتبادل ومشترك الأخوة الإنسانية.

وقد قرَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المبدأ؛ فنهى عن فرض العقائد في مقام التعامل بين الناس، وعمل على تعظيم المشترك بين أهل الأديان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما يهودي يعرض سلعته أُعطِيَ بها شيئًا كرهه، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار، فقام فلطم وجهه وقال: تقول: والذي اصطفى موسى على البشر، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرنا! فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إن لي ذمة وعهدًا؛ فما بال فلان لطم وجهي! فقال: «لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟» فذكره، فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى رُئِيَ في وجهه، ثم قال: «لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ؛ فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ، أَمْ بُعِثَ قَبْلِي» متفق عليه.

ولذلك فإننا نقول للمسلم: تَصَرَّفْ بعفويتك؛ فالإسلام يحب الأريحية والطباع الحسنة التي تُشعِر بها مَن حولك بالسعادة والتفاؤل والأمل والبر، وتَعَامَلْ مع مجتمعك بكل خُلُقٍ جميل، وشَارِكْ أصدقاءك وجيرانك في فرحتهم واحتفالاتهم، ولا تأبه بمن يسعى ليفسد في الأرض بقطع أواصر المحبة والتواصل بين بني البشر باسم "الإسلام"، لابسًا ثوبَ تقوى مزيَّفٍ لِيَصِفَ لسانُهُ الكذبَ هذا حلالٌ وهذا حرام.

الخلاصة

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ تهنئة إخواننا من المسيحيين بأعياد رأس السنة الميلادية ومبادلتهم الفرحة لا حرج فيها شرعًا، بل إنَّ ذلك من الإحسان المأمور به، ويُعَد ضمنَ مظاهره، وفيها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث عاش في نسيج مجتمعي مختلف الديانات حياة اجتماعية قوية امتزجت فيها مظاهر الإحسان والتعاون ومشاعر البر والمواساة وحسن الصلة، بالإضافة إلى إقرارهم على مناسباتهم وأعيادهم باعتبار ذلك من المشترك الإنساني على المستوى الثقافي والاجتماعي، وتبعه الصحابة الكرام رضي الله عنهم على ذلك.

كما أنَّ المشاركة الاجتماعية في هذه المناسبة بين المسلمين وإخوانهم من أبناء الوطن في احتفالاتهم بما تتضمنه من مظاهر، إنما تحمل في طياتها قيمًا إسلامية ومعاني راقية، وتكشف في الوقت ذاته فساد مناهج مَنْ يريد تعكير صفو العيش السِّلْمي، والتعاون المجتمعي، والبناء الحضاري بين نسيج الأمة المتماسك، تحت ستار "الدين" زورًا وبهتانًا؛ فالإسلام لم يأمر أبدًا بالانسلال من شركاء الوطن وإخوة الكفاح وأهل الجيرة أو عدائهم وبغضهم، بل أمر ببذل البِرِّ والإحسان إلى الجميع؛ امتثالًا واقتداء بصاحب الخُلُق العظيم، والهادي إلى صراط الله المستقيم، سيدنا محمد الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة