ما هو حكم الوضوء من الترع على حالها؟
يجوز الوضوء من الأنهار والقنوات الجارية، ولا كراهةَ في ذلكَ، لكون مائها جاريًا لا تَظْهَر فيه نجاسةٌ، ولا تتأثَّر أوصافُه الثلاثة؛ لأنَّ الماء يتجدَّد بالجريان، فإن ظَهَرتْ أحد أوصافِ النجاسة عليه؛ فإنَّه لا يجوز الطهارة من هذا الحيز الذي ظَهَرت فيها أوصاف النجاسة خاصة.
وتهيب دار الإفتاء المصرية المواطنين بالحفاظ على مياه نهر النيل وقنواته المائية المختلفة؛ حمايةً له مِن أن يكون موطنًا للأمراضِ والأوبئة.
المحتويات
الوضوء شرط صحة لكثيرٍ من العبادات؛ كالصلاة بجميع أنواعها -فرضًا أو سنةً أو نفلًا- وسجود التلاوة، والطواف بالبيت الحرام، ومسِّ المصحف ونحوه؛ ينظر: "الشرح الكبير للشيخ الدردير بحاشية الدسوقي" (1/ 125، ط. دار الفكر)، وشرط استحباب لكثير من العبادات والعادات؛ كذكر الله تعالى، وعند النوم، ونحوه.
من المقرر شرعًا أنَّ الوضوء والطهارة لا يكونان إلَّا بالماء المطلق؛ وهو الباقي على أصْلِ خلقته؛ والماء المطلق طاهرٌ في نفسه مُطهِّرٌ لغيره، وهو الذي يطلق عليه اسم الماء بلا قيد أو إضافة؛ مثل مياه البحار والأنهار والأمطار ونحوها؛ قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في البحر: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» رواه أصحاب السنن الأربعة، والحاكم في "المستدرك"، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ إِلَّا أَنْ تُغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهَا» رواه البيهقي في "السنن الكبرى".
الترع: هي عبارة عن مجموعة القنوات المائية التي تشق في الأرض بهدف نقل المياه من نهر النيل إلى الأراضي الزراعية، وهذا النقل لا يتم بطريقة مباشرة، وإنما يأخذ شكل التدرج الهرمي؛ حيث تنتقل من الترع الرئيسية الكبرى إلى الترع الفرعية الصغيرة؛ حتى تصل في النهاية إلى النباتات في الحقول، والأراضي؛ فشبكة الري في مصر أشبه بالشجرة، جذعها الرئيسي هو النيل، وفروعه تختلف بين الرياحات والترع الرئيسية والفرعية وترع التوزيع -وهذه كلها ترع عمومية ملك للدولة- وبين المساقي الخاصة التي ليس للدولة إشراف عليها، وتعمل هذه الشبكة في تعاون لتصل مياه النيل من الأصل إلى الأراضي الزراعية.
وبذلك يكون لدينا عدة أنواع للترع:
1- ترع الدرجة الأولى: وهي الرياحات: وتعد أكبر درجات الترع الناقلة للمياه من أمام قناطر الدلتا والمغذية لشبكة الترع بالوجه البحري، والترع الرئيسية: وهي التي تستمد مياهها من النيل مباشر كترعة الإسماعلية، أو تستمد مياهها من الرياحات بالمفهوم السابق، ومن ثم تغذي الترع الأصغر بالمياه.
2- ترع الدرجة الثانية: وهي التي تستمد مياهها من الترع الرئيسية -ترع الدرجة الأولى-، وتعد ناقلة لمياه النيل أيضًا؛ ولكنها تكون أصغر في الحجم وكمية مياهها عن ترع الدرجة الأولى، وهذان النوعان من الترع يحظر الري المباشر منها.
3- ترع الدرجة الثالثة: وهي ترع التوزيع والتي يتم من خلالها توزيع المياه على الأراضي الزراعية -وتكون ملكًا للدولة كسابقتها، وتقوم على حفرها وتشغيلها وصيانتها-، وهذه النوعية من الترع يسمح بالري المباشر منها.
وهناك أيضا الجنابيات: وهي ترع توزيع يُسمح بالري المباشر منها وتكون موازية أو مجاورة مع ترع المياه الرئيسية أو الفرعية.
4- ترع الدرجة الرابعة: وهي المساقي الخاصة التي تأخذ من ترع التوزيع على النحو السابق، وهي ترع صغيرة جدًّا في المساحة وكمية مياهها، وتكون داخل الحقل نفسه، ومن ثمَّ فإن حفرها وصيانتها يكون على عاتق المستفيدين منها.
ينظر: "جغرافية مصر الزراعية" للدكتور نصر السيد نصر (ص: 113-114، ط. مكتبة سعيد رأفت).
من هذا التصور التفصيلي نفيد بأن مفهوم الترع بدرجاتها الأربعة الناقلة لمياه نهر النيل؛ صالحة للوضوء والطهارة؛ ما دام الماء جاريًا وباقيًا على أصل خلقته؛ بحيث لم يتغير شيء من أوصافه الثلاثة: الطعم واللون والرائحة، وقد اتفق الفقهاء على أنَّ جميع أنواع الماء المطلق طاهرٌ في نفسه مُطهِّرٌ لغيره، وأنَّ كلَّ ما يُغيِّر الماء ممَّا لا ينفك عنه غالبًا فإنه لا يسلبه صفة الطهورية؛ قال الإمام النووي في "المجموع" (1/ 167، ط. دار الفكر): [يجوز الوضوء في النهر والقناة الجارية ولا كراهة في ذلك عندنا وعند الجمهور، وحكى الخطابي عن بعض الناس: أنَّه كَرِهَ الوضوء في مشارع المياه الجارية، وكان يَستحبُّ أن يؤخذ له الماء في ركوة ونحوها، ويزعم أنه من السنة؛ لأنه لم يبلغه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم توضأ في نهر أو شرع في ماء جارٍ. ودليلنا: أنه ماءٌ طهورٌ ولم يثبت فيه نهيٌ فلم يكره، وأما قوله: "يتوضأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نهرٍ" فسببه: أنه لم يكن بحضرته نهرٌ، ولو كان لم تثبت كراهته حتى يثبت النهي، والله أعلم] اهـ.
فإذا تغيرت أحد هذه الأوصاف الثلاثة للماء: فإما أن تتغير بمخالطٍ طاهر، أو بمخالط نجسٍ:
ففي حالة التغير بمخالط نجسٍ: فإن الماء يصير نَجِسًا إجماعًا؛ قال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 35، ط. دار المسلم): [وأجمعوا على أنَّ الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسةٌ فغيَّرت للماء طعمًا أو لونًا أو ريحًا: أنه نجسٌ ما دام كذلك] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (1/ 110) بعد أن نقل إجماع ابن المنذر-: [ونقل الإجماع كذلك جماعات من أصحابنا وغيرهم، وسواء كان الماء جاريًا أو راكدًا، قليلًا أو كثيرًا تغير تغيرًا فاحشًا أو يسيرًا طعمه أو لونه أو ريحه، فكله نجس بالإجماع] اهـ.
حَدُّ الماء الكثير عند جمهور الفقهاء: هو مقدار قلتين من قلال هجر فأكثر، و"قلال": جمع قلة وهي الجرة الضخمة، و"هجر": بلدة كانت تصنع بها القلال؛ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (7/ 213،228، ط. دار المعرفة): [قوله: (قلال)؛ قال الخطابي: القلال بالكسر جمع قلة بالضم هي الجرار.. قوله: (هجر) أن المراد بها: قرية كانت قرب المدينة، كان يصنع بها القلال. وزعم آخرون بأن المراد بها: هجر التي بالبحرين؛ كأن القلال كانت تعمل بها وتجلب إلى المدينة، وعملت بالمدينة على مثالها. وأفاد ياقوت: أن هجر أيضا بلد باليمن] اهـ.
ومقدار القلتين من قِلَال هَجَر: 270 لترًا تقريبًا. وبالمساحة في مكان مربع: ذراع وربع طولًا وعرضًا وعمقًا بالذراع المتوسط. ينظر: "الفقه الإسلامي وأدلته" للدكتور وهبة الزحيلي (1/ 273، ط. دار الفكر).
ذهب الحنفية والحنابلة في رواية إلى أن المخالط الطاهر لا يفقد الماء صفة الإطلاق، واشترط الحنفية ألا يكون التغيير عن طبخ ونحوه؛ لأنه يخرج عن اسم الماء، واحتجوا بما أخرجه النسائي والبيهقي عن أم هانئ رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اغْتَسَلَ هُوَ وَمَيْمُونَةُ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ فِي قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ". فلو كان يمنع التطهير لما اغتسل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق" (1/ 71، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(قوله: وإن غير طاهر أحد أوصافه)؛ أي: يجوز الوضوء بالماء ولو خالطه شيء طاهرٌ فغير أحد أوصافه التي هي الطعم واللون والريح، وهذا عندنا] اهـ.
وعليه: فإنَّ الماء إذا بلغ قلتين -ذراعًا وربعًا طولًا وعرضًا وعمقًا- (270 لترًا تقريبًا) فأكثر؛ لم يؤثر فيه شيء وأنَّه يبقى على أصل إطلاقه ما لم يتغير؛ يدل على ذلك ما رواه أبو داود والترمذي في "سننيهما" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا الْحِيَضُ وَلَحْمُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ». وقال أبو داود: وسمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قَيِّمَ بئر بضاعة عن عمقها؟ قال: أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة، قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة، قال أبو داود: وقدرت أنا بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته، فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه: هل غير بناؤها عما كانت عليه؟ قال: لا، ورأيت فيها ماء متغير اللون.
قال الشيخ ابن القيم في "حاشيته تهذيب السنن" المطبوع مع كتاب "عون المعبود شرح سنن أبي داود" (1/ 83، ط. دار الكتب العلمية): [فوضوؤه من بئر بضاعة وحالها ما ذكروه له، دليل على أن الماء لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير] اهـ.
وما رواه ابن ماجه في "سننه" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما ينوبه من الدواب والسباع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ».
أمَّا المالكية فالظاهر مِن تفصيلهم في هذه المسألة أنهم فرَّقوا بين الماء الجاري والماء الراكد الذي حلَّت فيه نجاسة، فالماء الجاري حكمه حكم الماء الكثير، فيجتنب موضع المتغير دون غير المتغير، وأما الماء الراكد ففرقوا فيه أيضًا بين اليسير وبين الكثير، فأما الكثير فهو طاهر ما لم يتغير، وأما اليسير فله عدة أحكام.
قال الإمام التنوخي في "التنبيه على مبادئ التوجيه" (1/ 290-291، ط. دار ابن حزم): [الماء لا يخلو من أن يكون جاريًا أو راكدًا؛ فإن كان راكدًا فلا يخلو من أن تكون له مادة أو لا مادة له، فإن كان جاريًا فإن حكمه فيما تحل فيه النجاسة حكم الماء الكثير، فيجتنب المتغير منه دون غير المتغير؛ لأن هذا الماء غير ثابت والنجاسة غير ثابتة فيه في موضع متعين، فينظر إلى محل أثرها، فإن أثرت اجتنب موضع التأثير دون غيره. فإن كان راكدًا ولا مادة له فهو راجع إلى الأصل الذي قدمناه، فإذا حلته النجاسة وهو يسير كان فيه ما قدمناه من الخلاف إذا لم يتغير. وإن كان كثيرًا فإن تغير فهو نجس وإن لم يتغير فهو طاهر.. فإن كان الماء له مادة كماء الآبار فإنه يرجع إلى ما قدمناه، فإن كان كثيرًا ولم يتغير حكمنا بالطهارة، وإن كان يسيرًا فعلى الخلاف المتقدم. وإذا حكمنا بالنجاسة على أحد الأقوال أو تغير الماء فإنا نأمره بإزالة جميع الماء المتغير النجس حتى يخلفه غيره. ولو تغير الماء بنجاسة ثم زال التغيير ففيه قولان: قيل حكم النجاسة باقٍ، وقيل إذا زال تغييره زال حكم النجاسة؛ إذ زوال التغيير يشعر بغلبة الماء وقهره للنجاسة] اهـ.
وبالنظر في التصور التفصيلي لتوزيع ماء نهر النيل في مصر من جهة وقوف الماء وركوده، وجريانه وتدفقه يتبين أنَّه ماء جارٍ بأصوله وفروعه ولا يتصور ركوده إلَّا في فترات مناوبات الري، ولا يتصور فيه القلة والكثرة؛ لأنَّ هذه الترع بأنواعها واسعةٌ ومشقوقةٌ وممتدةٌ.
قد نصَّ الفقهاء على أنَّ الماء الجاري يجوز التطهر به على أيِّ حالٍ ما دام جاريًا.
قال العلامة ابن مازه في "المحيط البرهاني" (1/ 91، ط. دار الكتب العلمية): [وفي "نظم الزندويستي" إذا توضأ في الماء الجاري وهو كثير أو قليل؛ فالأفضل أن يجعل يمينه إلى أعلى الماء يعني إلى مورد الماء ويأخذ الماء من الأعلى، وإن لم يفعل كذلك وجعل يمينه أسفل الماء يعني إلى مسيل الماء وأخذ الماء من الأسفل؛ ففي الماء الكثير يجوز، وفي الماء القليل ينبغي أن يتوضأ على التأني والوقار حتى يمر عنه الماء المستعمل؛ وهذا إذا كان الماء لا يجري جريًا عاجلًا، وأما إذا كان جريًا عاجلًا يجوز كيفما فعل، ومشايخ بخارى توسعوا في ذلك وجوزوا كيفما توضأ؛ لعموم البلوى إذا كان الماء كثيرًا، أما النهر إذا انقطع من أعلاه وبقي الجريان في أسفل النهر فتوضأ رجل من أسفل النهر جاز؛ لأنه ماءٌ جارٍ] اهـ.
وقال العلامة الموصلي في "الاختيار" (1/ 15، ط. مطبعة الحلبي): [قال: (والماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة ولم يُر لها أثر: جاز الوضوء منه) من أي موضع شاء. (والأثر: طعمٌ أو لونٌ أو ريحٌ)؛ لأنها لا تبقى مع الجريان، والجاري: ما يعده الناس جاريًا هو الأصح، ولو وقعت جيفة في نهر كبير لا يتوضأ من أسفل الجانب الذي فيه الجيفة ويتوضأ من أسفل الجانب الآخر، وإن كان النهر صغيرًا إن كان يجري أكثر الماء عليها لا يجوز، وإن كان أَقَلُّهُ يجوز، وإن كان نصفه يجوز] اهـ.
وقال العلامة الحطاب في "مواهب الجليل" (1/ 73، ط. دار الفكر): [قال في "الطراز" في أواخر باب (الماء تصيبه نجاسة فتغيره): إذا وقعت في الماء الجاري نجاسة فإن كانت جارية مع الماء فما فوقها طاهر إجماعًا، وأما الْجرْيَةُ التي فيها وهي: ما بين حافتي النهر عرضًا فذلك في حكم الماء تَقِرُّ فيه الميتة؛ لأنه يتحرك معها بحركة واحدة، وأما الْجِرْيَةُ التي تحتها فطاهرة، ولا ينبغي أن يستعمل ما يليها؛ لأن الماء ربما يسبق جَرْيُهُ جَرْيَهَا سيما إذا قويت الأرياح، وأما إن كانت النجاسة قائمة والماء يجري عليها فقد قدمنا قول أصحابنا في بئر السانية وشبهها مما ماؤه غير مستقر والميتة فيه أنه لا بأس به، والنهر الجاري أقوى من ذلك، إلَّا أن الأحسن أن يتوقى ما قرب من النجاسة من تحت جريها. انتهى] اهـ.
وما ذكره الإمام الرافعي في "فتح العزيز" (1/ 54، ط. دار الكتب العلمية) عند قول الماتن (الفصل الثالث في الماء الجاري): [قال الغزالي: فإن وقعت فيه نجاسة مائعة لم تغيره: فظاهرٌ؛ إذ الأولون لم يحترزوا من الأنهار الصغيرة] اهـ.
مع كون ماء الترع بدرجاتها الأربعة الناقلة لمياه نهر النيل تعتبر ماءً جاريًا إلَّا أنَّ صلاحيتها للوضوء من عدمها في أيام مناوبات الري التي لا يتم إطلاق الماء خلالها: تتوقف على تغير هذه المياه بأحد أوصافها الثلاثة؛ فإذا ظهرت فيها آثار النجاسة من طَعْمٍ أو لونٍ أو رائحةٍ؛ كان الماء نجسًا بالإجماع لا يصلح للوضوء والطهارة، وإذا لم تظهر فيها آثار النجاسة، فهو طاهر يجوز الوضوء والطهارة منه؛ لما قررناه من أنَّ الماء الجاري والماء الذي بلغ قلتين (270 لترًا تقريبًا) إذا وقعت فيه نجاسة لم يكن نجسًا، ما لم يتغير طعمه أو لونه أو رائحته.
على أنَّ عدم صلاحية ماء الترع والمساقي حالة تَغيُّر الماء عن حالته الأصلية، واختلاطه بالملوثات مقتصرٌ على الحيز الذي ظهرت فيه النجاسة، وأَثَّرت على طَعْم الماء أو لونِه أو رائحتِه؛ قال الإمام الشيرازي في "المهذب" (1/ 22، ط. دار الكتب العلمية): [وإن كان الماء جاريًا وفيه نجاسة جارية؛ كالميتة والجرية المتغيرة، فالماء الذي قبلها طاهر؛ لأنه لم يصل إلى النجاسة.. والذي بعدها طاهر أيضًا؛ لأنه لم تصل إليه النجاسة، وأما ما يحيط بالنجاسة من فوقها وتحتها ويمينها وشمالها، فإن كان قلتين ولم يتغير فهو طاهر، وإن كان دونهما فهو نجس كالراكد] اهـ.
بناء على ذلك: فإنَّه يجوز الوضوء من الأنهار والقنوات الجارية، ولا كراهةَ في ذلكَ؛ لكون مائها جاريًا لا تَظْهَر فيه نجاسةٌ، ولا تتأثَّر أوصافُه الثلاثة؛ لأنَّ الماء يتجدَّد بالجريان، فإن ظَهَرتْ أحد أوصافِ النجاسة عليه؛ فإنَّه لا يجوز الطهارة من هذا الحيز الذي ظَهَرت فيها أوصاف النجاسة خاصة.
وتهيب دار الإفتاء المصرية المواطنين بالحفاظ على مياه نهر النيل وقنواته المائية المختلفة؛ حمايةً له مِن أن يكون موطنًا للأمراضِ والأوبئةِ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.