هناك بعض المناسك في الحج يبدأ وقتها بنصف الليل، فكيف يتم حساب منتصف الليل في الحج حتى تقع أعمال المناسك صحيحة؟
اتفق الفقهاء على أنَّ أول الليل يبدأ مع غروب الشمس، والذي عليه الفتوى: أنه ينتهي بطلوع الفجر الصادق المعترض في الأفق؛ وعلى ذلك: فإنَّ تقدير نصف الليل في الحج لمعرفة وقت النُّسُك يكون بحساب الوقت بين غروب الشمس وطلوع الفجر، وقسمة ما بين هذين الوَقْتَيْنِ على اثنَيْن وإضافة الناتج إلى وقت الغروب.
المحتويات
فريضة الحج مِن أجلِّ العباداتِ وأعظَمِهَا، وأفضلِ القُرُباتِ وأحسَنِها، وهي ركن الدين؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» متفق عليه.
قد شرَّف المولى سبحانه فريضة الحج فاختصَّها بزمانٍ مُعَيَّنٍ، ومكانٍ مُحَدَّدٍ، وجعل زمانها أشْهُرَ الحج؛ فقال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: 197]، وجعل مكانها البيت الحرام؛ فقال تعالى: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: 97].
وهذه الفريضة تشتمل على مناسك محددة يَرتبط كلٌّ منها بمكانٍ محددٍ، ووقتٍ معيَّنٍ، ممَّا يُحتِّم على الحاج أن يكون عالمًا بوقت المنسك ومكانه، ومن ذلك المناسك التي يرتبط وقتها بنصف الليل.
قد اتفق الفقهاء على أنَّ أول الليل يبدأ مع غروب الشمس، إلا أنهم اختلفوا في تحديد آخره: هل ينتهي بطلوع الفجر، أم بطلوع الشمس؟
والذي عليه الفتوى: أنه ينتهي بطلوع الفجر الصادق المعترض في الأفق؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: 114]، فالمقصود بقوله تعالى: ﴿طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ أي: صلاة المغرب وصلاة الفجر؛ كما نقله الإمام الطبري في "جامع البيان" (12/ 603، ط. هجر) بسنده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم قال (12/ 605): [وأَوْلَى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب: قولُ مَن قال: هي صلاة المغرب كما ذكرنا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وإنما قلنا: هو أولى بالصواب؛ لإجماع الجميع على أنَّ صلاة أحد الطرفَين مِن ذلك صلاةُ الفجر، وهي تُصَلَّى قبل طلوع الشمس، فالواجب إذ كان ذلك مِن جميعهم إجماعًا أن تكون صلاةُ الطرف الآخَر المغربَ؛ لأنها تُصَلَّى بعد غروب الشمس] اهـ.
فإذا كانت صلاتَا المغرب والفجر طَرَفَي النَّهار، دلَّ ذلك على أنَّ ما بينهما هو وقت الليل، وهو ما نصَّ عليه جمهور أهل اللغة والتفسير.
قال العلامة أبو العباس الفيومي في "المصباح المنير" (2/ 561، ط. المكتبة العلمية): [الليلةُ مِن غروب الشمس إلى طلوع الفجر] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشِّرْبِينِي في "السراج المنير" (4/ 413، ط. بولاق): [والليل مُدَّةٌ مِن غروب الشمس إلى طلوع الفجر] اهـ.
وقال العلامة الآلُوسِي في "روح البيان" (10/ 204، ط. دار الفكر): [وَحَدُّ الليل مِن غروب الشمس إلى طلوع الفجر] اهـ.
وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية؛ كما في "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي (15/ 182، ط. دار المعرفة)، و"حاشية أبي الإخلاص الشُّرُنْبُلَالِي الحنفي على درر الحكام" (1/ 197، ط. إحياء الكتب العربية)، و"البيان والتحصيل" للإمام ابن رشد الجد المالكي (3/ 97، ط. دار الغرب الإسلامي)، و"المجموع" للإمام النووي الشافعي (16/ 430، ط. دار الفكر)، بل نَقَل العلامةُ ابنُ القَطَّان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 231، ط. الفاروق الحديثة) اتفاقَ العلماء على هذا التحديد.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ تقدير نصف الليل في الحج لمعرفة وقت النُّسُك يكون بحساب الوقت بين غروب الشمس وطلوع الفجر، وقسمة ما بين هذين الوَقْتَيْنِ على اثنَيْن وإضافة الناتج إلى وقت الغروب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.