حكم المبيت بالمزدلفة، ومقدار الوقت الذي يتحقق به المبيت

  • المفتى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
  • تاريخ الصدور: 17 أبريل 2023
  • رقم الفتوى: 7585

السؤال

نرجو منكم بيان الحكم الشرعي في المبيت بالمزدلفة، وهل يجب بتركه شيء؟ وما مقدار الوقت الذي يتحقق به المبيت؟ وهل يجوز للحاج أن يدفع منها إلى منى قبل منتصف الليل؟

مبيت الحاج بالمزدلفة مشروعٌ على جهة كونه سُنَّةً في حقه إذا كان ذلك مُناسبًا حاله واستطاعته وتنظيم فَوْجِهِ، ولا فدية عليه في تركه، خصوصًا إذا كان صاحب عذرٍ في ذلك، ولا حرج عليه.

ويحصل المبيت بالمزدلفة بالمكث فيها مدةً تزيد على قدر حط الرحال وصلاة المغرب والعشاء وتناول شيء فيها من الأكل أو الشرب في أيِّ وقت من الليل دون التقيُّد بمجاوزة نصفه.

المحتويات

 

مشروعية مبيت الحاج بالمزدلفة

مِن المقرر أنَّ أحكام الشرع الشريف مبنيةٌ على التيسير والتخفيف؛ قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، ونفوس المؤمنين تَتُوق إلى أداء فريضة الحج، إلا أنَّ المولى تبارك وتعالى قد جعل ذلك منوطًا بالاستطاعة؛ فقال سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].

قال الإمام البغوي في "معالم التنزيل" (2/ 72-73، ط. دار طيبة): [والاستطاعة نوعان: أحدهما: أن يكون مستطيعًا بنفسه، والآخر: أن يكون مستطيعًا بغيره. أما الاستطاعة بنفسه: أن يكون قادرًا بنفسه على الذهاب ووجد الزاد والراحلة.. أما الاستطاعة بالغير: هو أن يكون الرجل عاجزًا بنفسه؛ بأن كان زَمِنًا أو به مرض غير مرجو الزوال.. لأنَّ وجوب الحج يتعلق بالاستطاعة] اهـ.

ومِن الأمور التي اتفق الفقهاء على أنها مِن مناسك الحج: المبيت بالمزدلفة.

قال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 134، ط. دار الفكر) في ذكر مذاهب العلماء في مسائل تتعلق بالوقوف بعرفة: [إذا وصلوا مزدلفة وحَلُّوا: باتوا بها، وهذا المبيت: نُسُكٌ بالإجماع] اهـ.

ومع اتفاق الفقهاء على أن المبيت بالمزدلفة مِن مناسك الحج، إلا أنهم اختلفوا في حكمه.

حكم المبيت بالمزدلفة

ذهب جمهور الفقهاء؛ مِن الحنفية، والمالكية، والشافعية في مقابل الأصح، والحنابلة في روايةٍ، إلى أنه سُنة، وأنه لا يجب على الحاج شيء بتركه إياه؛ لأن المبيت بالمزدلفة إنما شُرع للتأهب للوقوف بها، لا لذاته، ولأن المبيتَ زائدٌ على الوقوف، لكن يُسن عند الشافعية أن يهدي دمًا؛ وذلك على القول بأن المبيت سنة.

قال زين الدين ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 368، ط. دار الكتاب الإسلامي): [لم يذكر البيتوتة بمزدلفة، وهي سُنَّةٌ؛ لا شيء عليه لو تركها، كما لو وقف بعدما أفاض الإمام قبل الشمس؛ لأن البيتوتة شُرِعت للتأهب للوقوف] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 511، ط. دار الفكر): [البيتوتة بمزدلفة: سنة مؤكدة إلى الفجر لا واجبة.. كما في "اللباب" و"شرحه"] اهـ.

وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرحه لمختصر خليل" (2/ 332، ط. دار الفكر): [يُستحب المبيت بالمزدلفة، فإنْ تَرَكَهُ: فلا شيء عليه] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 134): [هذا المبيت نُسُكٌ بالإجماع، لكن هو واجب أو سُنة؟ فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما.. والثاني: سُنَّةٌ. وحكى الرافعي فيه ثلاثة طرق؛ (أصحها) قولان كما ذكرنا، (والثاني) القطع بالإيجاب، (والثالث) بالاستحباب، فإن تركه أراق دمًا. فإن قلنا: المبيت واجب؛ فالدم لتركه واجب، وإلا فَسُنَّة، وعلى القولين؛ ليس بركنٍ، فلو تركه صَحَّ حجه. هذا هو الصحيح المشهور الذي نَصَّ عليه الشافعي، وقطع به جمهور الأصحاب وجماهير العلماء] اهـ.

وقال أيضًا (8/ 265): [ومن ترك سُنةً لم يلزمه شيء] اهـ.

وقال شمس الدين ابن قدامة الحنبلي [ت: 682هـ] في "الشرح الكبير" (3/ 442، ط. دار الكتاب العربي): [وروي عن أحمد: أن المبيتَ بمزدلفة غير واجب] اهـ.

وقال أيضًا (3/ 506): [ومن ترك سُنةً فلا شيء عليه] اهـ.

وذهب الشافعية في الأصَحِّ، والحنابلة في المعتمد، إلى أنه واجب، وأن مَن تركه بلا عذر: فإنه يلزمه دم، وهو قول عطاء، والزهري، وقتادة، والثوري، وإسحاق، وأبي عبيد.

قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 136): [هذا الذي ذكرناه مِن وجوب الدم بترك المبيت مِن أصله إذا قلنا: المبيت واجبٌ: هو فيمن تركه بلا عذر] اهـ. ونصَّ على أن الأظهرَ في هذه الحالة هو وجوبُ الدم؛ فقال في "الروضة" (3/ 99، ط. المكتب الإسلامي): [والأظهر: وجوب الدم بترك المبيت] اهـ.

وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "الإقناع" (1/ 257، ط. دار الفكر): [المبيت بمزدلفة: فإنه واجب على الأصح، ويجبر تركه بدم] اهـ.

وقال في "مغني المحتاج" (2/ 264، ط. دار الكتب العلمية): [المبيت بالمزدلفة والدفع منها، وفيما يذكر معها (ويبيتون بمزدلفة) بعد دفعهم من عرفة؛ للاتباع. رواه مسلم، وهو واجبٌ، وليس بركن على الأصح] اهـ.

وقال شمس الدين ابن قدامة الحنبلي في "الشرح الكبير" (3/ 441): [المبيت بمزدلفة واجب؛ مَن تركه فعليه دم، هذا قول عطاء، والزهري، وقتادة، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبي عبيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بات بها، وقال: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»] اهـ.

وذهب جماعة مِن التابعين؛ منهم: الحسن البصري، وعلقمة، والشعبي، والأسْوَد، وإبراهيم النخعي، إلى أنه ركنٌ لا يتم الحج إلا به، وهو قول أبي عبد الرحمن ابن بنت الشافعي، وأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة من الشافعية؛ لقول الله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 198].

قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (3/ 520، ط. دار هجر): [حُدِّثْتُ عن عمارٍ قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾؛ وهي: المزدلفة، وهي "جَمْعٌ"] اهـ.

وقال فخر الدين الرازي في "مفاتيح الغيب" (5/ 328، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ يدل أنَّ الحصول عند المشعر الحرام: واجب، ويكفي فيه المرور به؛ كما في عرفة، فأما الوقوف هناك: فمسنون، ورُوي عن علقمة والنخعي أنهما قالا: الوقوف بالمزدلفة ركنٌ؛ بمنزلة الوقوف بعرفة، وحجتهما: قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾؛ وذلك لأن الوقوف بعرفة لا ذكر له صريًحا في الكتاب، وإنما وجب بإشارة الآية أو بالسنة، والمشعر الحرام فيه أمرٌ جزم] اهـ.

وعن عروة بن مُضَرِّس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا؛ فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ» أخرجه الترمذي في "السنن"، وقال: "حديث حسن صحيح".

وعنه أيضًا رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا مَعَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ حَتَّى يُفِيضَ مِنْهَا؛ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ النَّاسِ وَالْإِمَامِ؛ فَلَمْ يُدْرِكْ» أخرجه النسائي في "السنن" واللفظ له، وأبو يعلى في "المسند"، والطبراني في "المعجم الكبير".

قال الإمام الماوردي في "الحاوي" (4/ 177، ط. دار الكتب العلمية): [أما المبيت بمزدلفة: فنُسُكٌ، وليس بركن، وهو قول الأكثرين، وحُكِيَ عن خمسة مِن التابعين أنه: ركن في الحج لا يتم إلا به؛ منهم: الحسن، وإبراهيم النخعي، وعامر الشعبي، والأسْوَد، وعلقمة، وبه قال أبو عبد الرحمن الشافعي؛ استدلالًا بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾، وبها روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ وَقَفَ بِجَمْعٍ؛ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ؛ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ»] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 134-135): [إذا وصلوا مزدلفة وحلوا: باتوا بها، وهذا المبيت نسكٌ بالإجماع.. قال إمامان مِن أصحابنا: هو ركنٌ لا يصح الحج إلا به؛ كالوقوف بعرفات. قاله أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي، وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (فأما) ابن بنت الشافعي فهو مشهور عنه، حكاه عنه القاضي أبو الطيب في تعليقه، والماوردي، وغيرهما، وحكاه الرافعي عنه، وعن ابن خزيمة، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه، والمذهب أنه ليس بركن] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 376، ط. مكتبة القاهرة): [المبيت بمزدلفة واجب؛ مَن تركه فعليه دم، هذا قول عطاء، والزهري.. وقال علقمة، والنخعي، والشعبي: مَن فاته جمع: فاته الحج] اهـ.

المختار للفتوى في حكم المبيت بالمزدلفة وهل يصح الحج بدونه وما يجب على من تركه

المختار للفتوى: أن المبيت بالمزدلفة سُنَّةٌ؛ يتم الحج بدونه، ومَن تركه فلا شيء عليه؛ باعتبار أنَّ المبيت بها إنما شُرِعَ للتأهب والاستعداد للوقوف، لا لذاته، فهو زائدٌ على الوقوف؛ كما سبق بيانه، ورفعًا للحرج والمشقة التي قد تقع على الحجيج جَرَّاء التزاحم للمبيت خاصة كبار السن والضعفاء والمرضى، وذلك هو الأنسب لتغيُّر الفتوى بتغيُّر الجهات الأربع؛ من الأشخاص، والزمان، والمكان، وما يلزم عنها مِن تغير حال المكلَّف؛ إذ لا يوجد في الشريعة تكليف بما لا يطاق؛ قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وتطبيقًا لما تقرر في قواعد الشرع الشريف مِن أنَّ "الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ"؛ كما في "الأشباه والنظائر" لجلال الدين السيوطي (ص: 76، ط. دار الكتب العلمية)، ومع مراعاة أن هذا الحكم منوطٌ بإمكان المبيت بمنأًى عن طريق الناس ونقاط خدمات الحجيج؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

وأما قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا؛ فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ جَمْعًا مَعَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ حَتَّى يُفِيضَ مِنْهَا؛ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ النَّاسِ وَالْإِمَامِ؛ فَلَمْ يُدْرِكْ».

فالمنطوق به -وهو ذكرُ الله عند المشعر الحرام وشهودُ صلاة الصبح في المزدلفة- في نصِّ الكتاب والسُّنة ليس بركنٍ في الحج إجماعًا؛ فإنه لو بات بالمزدلفة ولم يذكر الله تعالى، ولم يشهد الصلاة فيها؛ صحَّ حجه، فما هو مِن ضرورةِ ذلك أَوْلَى، ولأن المبيت ليس من ضرورة ذكر الله تعالى بها، وكذلك شهود صلاة الفجر؛ فإنَّه لو أفاض من عرفة في آخر ليلة النحر: أمكنه ذلك، فيتعيَّن حَمْلُ ذلك على مجرد الإيجاب، أو الفضيلة أو الاستحباب؛ كما قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 376-377).

وكذلك: أخرج الشيخان في "الصحيح" عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً ضَخْمَةً ثَبِطَةً، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، فَأَذِنَ لَهَا".

فأفاد أنَّ المبيت بالمزدلفة ليس بركنٍ؛ إذ لو كان ركنًا لَمَا جاز تركه؛ كالوقوف بعرفة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "أنا ممن قَدَّمَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المزدلفة في ضَعَفَةِ أهله" رواه الجماعة. وما تَلَاهُ لا يَشهد له؛ لأن المذكور فيه: الذِّكر، وهو ليس بواجبٍ بالإجماع؛ كما قال فخر الدين الزيلعي في "تبيين الحقائق" (2/ 29، ط. الأميرية).

المختار للفتوى في القدر المجزئ في المبيت بالمزدلفة

أما القدر المجزئ في المبيت بها: فالمختار للفتوى أنه يحصل بالمكث فيها بمقدار ما يزيد على قدر حط الرحال وصلاة المغرب والعشاء وتناول شيء فيها من الأكل أو الشرب في أيِّ وقت من الليل دون التقيد بمجاوزة نصفه؛ كما هو مذهب المالكية؛ إذ النزولُ بها هذا المقدار أو اللُّبثُ فيها بقدر هذا النزول واجبٌ عندهم، وعليه دمٌ بتركه ما لم يكن له عذرٌ في ذلك، وما زاد عليه من المكث فهو مجزئٌ عن المبيت.

قال العلامة الخرشي في "شرحه لمختصر خليل" (2/ 332): [(ص) وبياته بها (ش) يعني: ومما يستحب المبيت بالمزدلفة، فإن تركه فلا شيء عليه، وأما النزول بها فهو واجبٌ؛ إن تركه لزمه الدم، وإليه أشار بقوله: (وإن لم ينزل فالدم) قال المؤلف في "منسكه": والظاهر لا يكفي في النزول إناخة البعير، بل لا بد من حط الرحال، قال ح: وهذا ظاهرٌ إذا لم يحصل لبث، أما إن حصل ولو لم تحط الرحال أي بالفعل؛ فالظاهر أنه كافٍ كما يفعله كثير من أهل مكة وغيرهم، فينزلون ويصلون ويتعشون ويلقطون الجمار وينامون ساعة وشقادفهم على الدواب، نعم لا يجوز ذلك لما فيه من تعذيب الحيوان انتهى.

ومَن ترك النزول من غير عذر حتى طلع الفجر لزمه الدم، ومَن تركه لعذر فلا شيء عليه، ولو جاء بعد الشمس عند ابن القاسم فيهما كما هو حاصل كلام سند، فقوله: (وبياته بها) أي القدر الزائد على الواجب مستحب؛ لأن النزول بقدر ما تحط الرحال واجب، سواء حطت بالفعل أم لا] اهـ. وقوله: "ح" أي شمس الدين الحطاب.

وقال العلامة الدردير في "الشرح الصغير" (2/ 57، ط. دار المعارف، مع "حاشية العلامة الصاوي"): [(ووجب نزوله بها) أي بالمزدلفة بقدر حط الرحال وصلاة العشاءين وتناوُل شيءٍ مِن أكلٍ فيها أو شُربٍ، فإن لم ينزل فَدَمٌ (ونُدب بياته) بها] اهـ.

قال العلامة الصاوي في "حاشيته عليه" (2/ 57): [قوله: (بقدر حط الرحال) إلخ: أي فالمدار على مضي قدر ما ذكره وإن لم يفعل شيئًا من ذلك] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ مبيت الحاج بالمزدلفة مشروعٌ على جهة كونه سُنَّةً في حقه إذا ناسب ذلك حاله واستطاعته وتنظيم فَوْجِهِ، ولا فدية عليه في تركه، خصوصًا إذا كان صاحب عذرٍ في ذلك، ولا حرج عليه.

ويحصل المبيت بالمزدلفة بالمكث فيها مدةً تزيد على قدر حط الرحال وصلاة المغرب والعشاء وتناول شيء فيها من الأكل أو الشرب في أيِّ وقت من الليل دون التقيد بمجاوزة نصفه؛ كما سبق بيانه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة