ما حكم صلاة ركعتين عند الإحرام؟ وما الحكم لو أحرم المسلم من دون أن يصليها؟
يستحب لمن أراد الإحرام بالحج أو العمرة أن يُصلِّي قبل الإحرام ركعتين؛ وذلك في غير أوقات الكراهة، ولو كان في الحرم جاز صلاتهما حتى في وقت الكراهة، ولو أحرم بعد صلاة مكتوبة أو نافلة: أجزأه ذلك ولا حرج عليه؛ لأَنَّ القصْدَ من هذه الصلاة هو إيقاعُ الإِحرَامِ بعد صَلاةٍ، ولا حرج على مَن أحرم دُوْنَ أن يصلي قبل إحرامه؛ فإنَّ الأمر فيه سعة.
المحتويات
مِن أعظم النعم التي يمنُّ الله تعالى بها على العبد: أن يبلغه حج بيته الحرام، وهو ومن أجلِّ ما يتقرب به العبد لخالقه، فهو أحد أركان الدين وأصوله؛ قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» أخرجه الإمامان: البخاري -واللفظ له- ومسلم في "صحيحيهما".
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن فضل الحج وثوابه، وبيَّنَ أنَّ الحج المبرور جزاؤه الجنة، وأنَّ العبد إذا حج فلم يرفث ولم يفسق فإنَّه يرجع خاليًا من الذنوب كيوم ولدته أمه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ» متفق عليه.
وعنه أيضًا رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
الإحرام فرضٌ من فروض الحجِّ، يُراد به نِيَّةُ الدخول في النُسك الذي هو عبادةٌ محضةٌ لا تصح بغير نية؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الأَعمَالُ بِالنِّيَّة» متفق عليه. وعلى هذا إجماع الفقهاء؛ كما ذكره الإمام ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 42، ط. دار الكتب العلمية).
والحكمة التي من أجلها أوجب اللهُ عزَّ وجلَّ الإحرام في الحج والعمرة: هي إظهار شرف الدخول إلى مكة، وتهيئة النفسِ لما يلزمها من التجرد لإقامة شعائر الله تعالى؛ قال شمس الأئمة السرخسي في "المبسوط" (4/ 167، ط. دار المعرفة): [وجوب الإحرام على من يريد الحج والعمرة عند دخول مكة؛ لإظهار شرف تلك البقعة] اهـ.
يستحب لمن أراد الإحرام بالحج أو العمرة -بعد اللُّبس والتطيُّب- أن يُحرم وهو على طهارةٍ عقب صلاة ركعتين قاصدًا لذلك؛ فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"؛ قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (8/ 92، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه: استحباب صلاةِ الركعتين عند إرادة الإحرام، ويصليهما قبل الإحرام، ويكونان نافلةً] اهـ.
وكان ابنُ عمر رضى الله عنهما إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، ثُمَّ يَأْتِي مَسْجِدَ الْحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَرْكَبُ، وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ، ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يَفْعَلُ" أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وقد أجمع الفقهاء على أنَّ الإتيان بهاتين الركعتين عند إرادة الإحرام مستحبٌّ شرعًا؛ كما نقله الإمام النووي في "المجموع" (7/ 221، ط. دار الفكر).
ويستحب أن يقرأ المُحرم فِي الركعة الأُولى بعد سورة الفاتحة ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، وَفِي الثَّانِيَةِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، ويُسِرُّ فيهما بالقراءة؛ قال شهاب الدين ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (4/ 60، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(ويصلي ركعتين) ينوي بهما سنَّة الإحرام للاتِّباع. متفق عليه، يقرأ سرًّا ليلًا ونهارًا.. في الأولى بعد الفاتحة: الكافرون، وفي الثانية: الإخلاص] اهـ.
لو أحرم مُرِيدُ الحج بعد صلاةٍ مكتوبةٍ -كالظُّهر مثلًا أو غيرها من الصلوات المفروضة- أو نافلةٍ: أجزأه؛ لأَنَّ القصْدَ هو وقُوعُ الإِحرَامِ إثْر صَلاةٍ مطلقًا، وإن كان الأَوْلى أن يتنفل بالصلاة لخصوص الإحرام بعدها، ويصلي هذه الصلاة مِن ميقاته في غير وقت الكراهة، فإذا كان الوقت لا يُصلَّى فيه فإنه يجوز له تأخير الإحرام إلى وقتٍ تجوزُ الصلاة فيه، إلا أن يخاف فواتَ أصحابه إن كان في صحبةِ فوجٍ مِن الحجيج -كما في مسألتنا-، أو خاف ضائقة الوقت؛ فإن له أن يُحْرِم من غير صلاةٍ، وإحرامه صحيحٌ، ولا حرج عليه، ولا يكون مسيئًا؛ لأن في الأمر سعةً، وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء؛ مِن الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
قال علاء الدين الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 158-159، ط. دار الكتب العلمية): [وشرط لنيلِ السنةِ: أن يُحْرِم وهو على طهارته.. (وصلَّى ندبًا) بعد ذلك (شفعًا)؛ يعني: ركعتين في غير وقتٍ مكروه، وتجزيه المكتوبة] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الكافي" (1/ 364، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [ويستحب له أن يكون إحرامه بأثر صلاة يصليها قاصدًا لذلك، ولو أحرم بأثر صلاةٍ مكتوبةٍ أو نافلةٍ: أجزأه، وأحبُّ إلى مالكٍ أن يركع ركعتين إن كان وقتًا يُرْكَع فيه ثم يحرم، ومَن لم يفعل وأحرم دون أن يصلي أو في غير وقتِ صلاةٍ: فلا حرج] اهـ.
وقال جمال الدين الإسنوي الشافعي في "المهمات" (4/ 289، ط. دار ابن حزم): [يستحب أن يصلي قبل الإحرام ركعتين، فإن أحرم في وقتِ فريضةٍ فصلَّاها أغنته عن ركعتي الإحرام. انتهى. وقد ألحق القاضي الحسين السُّنَّة الراتبة في ذلك بالفرض، وتوقف النووي في "شرح المهذب" في إغناء الفرض عن هاتين الركعتين؛ لأنهما سنَّة مقصودة، وكلامه -أي: الإمام الشافعي- في "الأم" يشهد له ويدل على الاكتفاء؛ فإنَّه قال: أحببتُ له أن يصلي نافلةً، فإنْ أَهَلَّ في إثرِ مكتوبةٍ أو في غيرِ إثرِ صلاةٍ: فلا بأس] اهـ.
وقال أبو السعادات البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 407-408، ط. دار الكتب العلمية): [(ويُسَنُّ) لمن يريد الإحرام (أن يلبس ثوبَين أبيَضَين).. (ثمَّ يُحْرِم عقب صلاةٍ مكتوبةٍ أو) صلاة (نفلٍ) ركعتين (ندبًا) نصَّ عليه؛ لأنَّه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم "أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاةٍ" رواه النَّسائيُّ، (وهو) أي: إحرامه عقب الصلاة (أَوْلَى)؛ لحديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ؛ "خَرَجَ حَاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ؛ أَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْهُمَا" رواه أحمد وأبو داود، وظاهر كلامه في "المبدع" و"المنتهى" وغيرهما: أنَّه عقب صلاةِ فرضٍ أو ركعتين نفلًا سواءً.. (ولا يركعه) أي: النَّفل (وقت نهيٍ)؛ للأخبار السَّابقة في أوقات النَّهي] اهـ.
واستحب الشافعية صلاة هاتين الركعتين في جميع الأوقات حتى ولو كان وقت كراهةٍ إن كان ذلك في الحرم.
قال شمس الدين الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (3/ 272، ط. دار الفكر): [(و) يُسَنُّ (أن) (يصلي) للإحرام قبله (ركعتين).. ويَحْرُمان في وقت الكراهة في غير حرمِ مكة، وتغني عنهما فريضةٌ أو نافلةٌ كالتحية] اهـ.
وقال العلامة الشرواني في "حاشيته على تحفة المحتاج" (4/ 61): [هل يُستَحَبَّان حينئذٍ أو لا؛ لأن النافلة المطلقة في وقت الكراهة في الحرم خلاف الأَوْلى فيه نظرٌ، لكن يتجه الاستحباب؛ لأن هذه ذات سبب] اهـ.
بناءً على ذلك: فإنه يستحب لمن أراد الإحرام بالحج أو العمرة أن يُحرم وهو على طهارةٍ؛ وذلك عقب صلاة ركعتين في غير وقت الكراهة يقصدهما للإحرام، ولو كان في الحرم جاز صلاتهما حتى في وقت الكراهة، ولو أحرم بعد صلاة مكتوبة أو نافلة: أجزأه ذلك ولا حرج عليه؛ لأَنَّ القصْدَ من هذه الصلاة هو إيقاعُ الإِحرَامِ بعد صَلاةٍ، فإذا كان الوقت لا يُصلَّى فيه فيجوز تأخير الإحرام إلى وقتٍ تجوز الصلاة فيه، إلا أن يخاف فوات الرُّفقة إن كان في صحبة فوجٍ من الحجيج، أو كان في ضيقٍ مِن الوقت؛ فإنه يجوز له الإحرام دون صلاةٍ، ولا حرجٍ عليه في ذلك، ولا يُعَدُّ مسيئًا؛ كما سبق بيانه.
وفي واقعة السؤال: صلاة هاتين الركعتين عند إرادة الإحرام أمرٌ مستحبٌّ شرعًا، ويُثاب عليها، ولا حرج على مَن أحرم دُوْنَ أن يصليهما.
والله سبحانه وتعالى أعلم.