ما يُقال عند العجز عن قول التشهد في الصلاة

  • المفتى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
  • تاريخ الصدور: 05 أبريل 2023
  • رقم الفتوى: 7573

السؤال

نرجو منكم بيان ما يُقال عند العجز عن قول التشهد في الصلاة؟ فإن والدتي لا تحفظ التشهد، ولا تستطيع قراءته من ورقة، فما الواجب عليها أن تفعل حتى تكون صلاتها صحيحة؟ وهل يجوز لي أن أجلس بجانبها أثناء الصلاة، وإذا حان وقت التشهد أقرأه عليها وتردد وراءي حتى يتيسر لها حفظه؟

إذا كان المصلِّي لا يحفظ التشهد ولا يستطيع ذلك، وأيضًا لا يستطيع قراءته من ورقة أو نحو ذلك كشاشة التليفون مثلًا، فلا حرج من وجود من يعينه بالجلوس بجانبه لتلقينه صيغة التشهد عند الصلاة، فإذا أتى موضع التشهد الأول قال له قُل كذا وكذا، فإذا وصل إلى التشهد الأخير قال له قُل كذا وكذا، فإن تعذر ذلك عليها فإن المصلِّي يأتي ببدل التشهد من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل بقدر التشهد، فإن عجز عن ذلك كله فإنه يجلس بقدر التشهد، ثم يُكْمِل صلاته حتى يُسلِّم، والصلاة صحيحة.

المحتويات

 

بيان المراد بالتشهد وألفاظه

التشهد: مصدر تشهد، والتشهد النطق بالشهادتين، وفي الصلاة: اسم لمجموع الكلمات التي تقرأ في الصلاة؛ كما رواها سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره من الصحابة الكرام. ينظر: "حاشية ابن عابدين" (1/ 448، ط. دار الفكر).

وألفاظ التشهد وردت في كثير من الأحاديث الشريفة على اختلاف بينها؛ منها: ما أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».

وأخرج الإمام مسلم في "صحيحه" عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ: «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ».

وأخرج الإمام مالك في "الموطأ" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه قال: وهو على المنبر يعلم النَّاس التشهد، يقول: قولوا: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».

حكم قول التشهد الأوسط في الصلاة

قراءة الذكر المخصوص في التشهد من أفعال الصلاة التي اختلف فيها فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة بين الركنية والوجوب والسنية، سواء كان ذلك بالنسبة للأول وهو الأوسط، أو ما لا يعقبه سلام على اختلاف تعبيرات الفقهاء، أو بالنسبة للأخير وهو ما يكون بعده سلام.

فالقراءة في التشهد الأول -وهو الأوسط- سُنَّة عند جمهور الفقهاء من الحنفية في مقابل الأصح والمالكية في المشهور والشافعية.

قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (1/ 220، ط. دار المعرفة): [قال: (فإن سها عن قراءة التشهد في القعدة الأولى وتكبيرات العيد أو قنوت الوتر ففي القياس لا يسجد للسهو)؛ لأن هذه الأذكار سنة] اهـ.

وقال العلامة خليل المالكي في "مختصره" (ص: 32، ط. دار الحديث) عند ذكر سنن الصلاة: [وسننها.. وكل تشهد] اهـ.

قال العلامة الخرشي في "شرحه على مختصر خليل" (1/ 276، ط. دار الفكر) شارحًا له: [(ش) يعني: أن كلَّ تشهدٍ سنة على ما شهَّره ابن بزيزة، وسواء كان بهذه الألفاظ التي وردت عن عمر أم بغيرها] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (1/ 377، ط. دار الكتب العلمية): [فصل: في التشهد والجلوس له. هما ضربان. أحدهما: أن يقعا في آخر الصلاة، وهما فرضان. والثاني: في أثنائها، وهما سنتان] اهـ.

وقد بيَّن الإمام القسطلاني وجه دلالة ما ذهب إليه الجمهور، والجواب على من ذهب إلى الوجوب من الفقهاء؛ حيث قال في "شرحه على صحيح البخاري" (2/ 128، ط. الأميرية): [فيه ندبية التشهد الأول؛ لأنه لو كان واجبًا لرجع وتداركه. وهذا مذهب الجمهور، خلافًا لأحمد حيث قال: يجب، لأنه عليه الصلاة والسلام فعله وداوم عليه، وجبره بالسجود حين نسيه، وقد قال: صلوا كما رأيتموني أصلي. وتعقب: بأن جبره بالسجود، دليل عليه لا له، لأن الواجب لا يجبر بذلك، كالركوع وغيره. وممّن قال بالوجوب أيضًا: إسحاق، وهو قول للشافعي، ورواية عند الحنفية] اهـ.

وذهب الحنفية في الأصح، والحنابلة إلى وجوب قراءة التشهد في التشهد الأول (الأوسط).

قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "البناية" (2/ 613-614، ط. دار الكتب العلمية): [قراءة التشهد في القعدة الأولى فيها اختلاف، هل هي سنة أم واجبة؟.. وفي "المحيط": قال الكرخي والطحاوي وبعض المتأخرين: القعدة الأولى واجبة، وقراءة التشهد فيها سنة عند بعض المشايخ، وهو الأقيس، وعند بعضهم واجبة، وهو الأصح] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي في فقه الإمام أحمد" (1/ 252، ط. دار الكتب العلمية) في بيان واجبات الصلاة: [وواجباتها المختلف فيها: تسعة.. والتشهد الأول، والجلوس له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتسليمة الثانية: وقد ذكرنا في وجوب جميعها روايتين] اهـ.

وقال في "المغني" (1/ 362، ط. مكتبة القاهرة): [والتشهد الأول واجب. وهو قول إسحاق وداود. وعن أحمد: أنه غير واجب، وهو قول أكثر الفقهاء] اهـ.

حكم قول التشهد الأخير في الصلاة

أما التشهد الأخير فذهب السادة الحنفية إلى أنَّ قراءته واجبة وليست بركن؛ فيجب على المكلف سجود السهو بتركها مع صحة صلاته.

وقال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 163، ط. دار الكتب العلمية) في بيان الواجبات الأصلية في الصلاة: [(ومنها) التشهد في القعدة الأخيرة] اهـ.

وقال البدر العيني في "البناية شرح الهداية" (2/ 614، ط. دار الكتب العلمية): [قراءة التشهد في القعدة الأخيرة واجبة بالاتفاق] اهـ.

وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنَّ التشهد في الصلاة ركن تبطل الصلاة بتركه.

قال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 377، ط. دار الكتب العلمية): [(التاسع والعاشر والحادي عشر) من الأركان (التشهد) سمي بذلك؛ لأن فيه الشهادتين، فهو من باب تسمية الكل باسم الجزء، (وقعوده، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم) في آخره والقعود لها.. (فالتشهد وقعوده إن عقبهما سلام) فهما (ركنان)] اهـ.

وقال الإمام الزركشي الحنبلي في "شرح مختصر الخرقي" (1/ 586، ط. دار العبيكان): [والتشهد الأخير والجلوس له ركنان] اهـ.

وذهب المالكية إلى أن كلَّ تشهد في الصلاة سنة، سواء كان الأول أم الأخير؛ يجبر بسجدتين للسهو.

قال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير للشيخ الدردير" (1/ 243، دار الفكر): [(قوله: أي كل فرد منه سنة مستقلة): هذا هو الذي شهره ابن بزيزة، خلافًا لمن قال بوجوب التشهد الأخير، وذكر اللخمي قولًا بوجوب التشهد الأول، وشهر ابن عرفة والقلشاني أن مجموع التشهدين سنة واحدة] اهـ.

حكم قراءة التشهد من ورقة أو ما شابه عند عدم الحفظ

فتمام الصلاة وكمالها بالتشهد، وبالنظر إلى ما ذهب إليه جمهور الفقهاء فإنَّه يجب على المكلف حفظ واحدة من صيغ التشهد الواردة، فإن لم يستطع فعليه أن يكتب صيغته في ورقة ويقرأ منها حال صلاته.

قال الإمام قليوبي الشافعي في "حاشيته على شرح المحلي على المنهاج" (1/ 190، ط. دار الفكر): [لو عجز عن التشهد جالسًا لكونه مكتوبًا على رأس جدارٍ مثلًا: قام له كما في الفاتحة في عكسه، ثم يجلس للسلام] اهـ.

فيفهم من هذا أن المصلي إذا عجز عن حفظ التشهد فإنَّه يقرأه من خلال ورقة أو شاشة يعده عليها حال الصلاة فيقرأ منها أو نحو ذلك.

حكم تلقين المصلي التشهد في الصلاة إذا عجز عن حفظه

إنِّ عجز عن القراءة فإنَّ المصلي يلزمه أنْ يأتي بأحد ليلقنه لفظ التشهد عند صلاته، ولو بأجرة.

قال الإمام العدوي المالكي في "حاشيته على كفاية الطالب الرباني" (1/ 347، ط. دار الفكر): [لو كان لا يقدر على الإتيان ببعض أقوال الصلاة أو أفعالها إلا بالتلقين لوجب عليه اتخاذ من يلقنه، ولو بأجرة ولو زادت على ما يجب عليه بذله في ثمن الماء، فيقول له عند الإحرام للصلاة قل: الله أكبر وهكذا ويقول بعد الفاتحة والسورة افعل هكذا إشارة إلى الركوع] اهـ.

وقال الإمام الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 353): [(وتتعين الفاتحة) أي: قراءتها حفظًا، أو نظرًا في مصحف أو تلقينًا أو نحو ذلك (في كل ركعة) في قيامها أو بدله، للمنفرد وغيره، سرية كانت الصلاة أو جهرية، فرضًا أو نفلًا] اهـ.

ما يُقال عند العجز عن قول التشهد في الصلاة

إن لم يستطع المصلِّي ذلك كله أتى ببدله؛ كقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

قال الإمام الشرواني الشافعي في "حاشيته على تحفة المحتاج" (2/ 82، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ولو عجز عن التشهد أتى ببدله كما هو ظاهر، وينبغي اعتبار وجوب اشتمال بدله على الثناء حيث أمكن، وهل يعتبر اشتماله على التوحيد مع الإمكان؟ فيه نظر. ولو حفظ أوله وآخره دون وسطه سُنَّ؛ كما هو ظاهر الترتيب: بأن يأتي بأوله ثم ببدله وسطه ثم بآخره. سم. وقوله: وهل يعتبر إلخ، الظاهر أنه يعتبر؛ بل هو أولى بالاعتبار من الاشتمال على الثناء] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المقنع" (ص: 50، ط. مكتبة السوادي): [فإِن لم يحسن شيئًا من القرآن؛ لم يجز أن يترجم عنه بلغة أخرى، ولزمه أن يقول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إِله إِلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إِلا بالله العلي العظيم"] اهـ.

فإن عجز المكلف عن واحد من الأفعال السابق ذكرها، بحيث لا يستطيع الحفظ، ولا القراءة من ورقة أو شاشة أو نحو ذلك، ولا يوجد من يلقنه، ولا يحفظ أذكارًا تكون بدلًا عن قراءة التشهد، فإنه في هذه الحالة يجلس بقدر التشهد ثم يكمل أفعال الصلاة على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء في حال العجز عن قراءة الفاتحة، فإذا ثبت هذا حال العجز عن الفاتحة وهي من فرائض الصلاة وواجباتها، فيقاس عليها ما دون ذلك من الأفعال من التشهد والأذكار.

قال العلامة السرخسي الحنفي في "المبسوط" (1/ 217): [(فإن عجز عن القراءة تسقط عنه القراءة)؛ لأن القراءة ركن كما أن القيام ركن، فلو عجز عن القيام سقط عنه القيام فكذلك هنا] اهـ.

وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في "الإشراف على نكت مسائل الخلاف" (1/ 277، ط. دار ابن حزم): [إذا كان لا يحسن شيئًا من القرآن أصلًا لزمه أن يكبر للإحرام، ولم يلزمه من طريق الوجوب تسبيح، ولا تحميد، ولا غيره، ويستحب له أن يقف وقوفًا ما، فإن لم يفعل، وركع؛ أجزأه] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (3/ 379، ط. دار الفكر): [فإن لم يحسنه، ولا أمكنه وجب أن يقف بقدر قراءة الفاتحة، وبه قال أحمد، وقال أبو حنيفة: إذا عجز عن القرآن؛ قام ساكتًا، ولا يجب الذكر، وقال مالك: لا يجب، ولا القيام، وقد سبق دليلنا عليهما] اهـ.

وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 454، ط. هجر): [فإن لم يحسن شيئًا من الذكر؛ وقف بقدر القراءة؛ كالأخرس، وهذا بلا نزاع في المذهب أعلمه] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإنَّه إذا كانت والدتك لا تحفظ التشهد ولا تستطيع ذلك، وأيضًا لا تستطيع قراءته من ورقة أو نحو ذلك كشاشة التليفون مثلًا، فلا حرج عليك في الجلوس بجانبها لتلقينها صيغة التشهد عند الصلاة فإذا أتت إلى التشهد الأول قلتَ لها قُولي كذا وكذا، فإذا وصلتْ إلى التشهد الأخير قلتَ لها قُولي كذا وكذا، فإن تعذر ذلك عليها فإنها تأتي ببدل التشهد من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل بقدر التشهد، فإن عجزتْ عن ذلك فإنها تجلس بقدر التشهد، ثم تكمل صلاتها، وصلاتها صحيحة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة