ما رأي فضيلتكم في ظاهرة المستريح؟ لأنه قد انتشر في الآونة الأخيرة بشكل واسع نماذج جديدة ممن يطلق عليهم لقب "المستريح"، وبخاصة في أرياف مصر وصعيدها، بغرض المتاجرة؛ فمثلًا هناك شخصٌ يقوم بشراء المواشي بأغلى من سعرها في السوق؛ بل إنه ربما يشتريها بضعف ثمنها، غير أنه لا يسلم للبائع كامل الثمن وإنما يعطيه مجرد عربون لمدة 20 يومًا، ثم يبيع هذه المواشي بأقل من سعرها في السوق، ويرد عليه الثمن.
وهو يمارس هذا الأمر مع عدد كبير من الناس، حتى بدأ الناس في إعطائه أموالهم ليتاجر لهم بها، فما حكم هذه المعاملات؟ وما حكم من يعطيه ماله بغرض التجارة؟
المعاملات التي يقوم بها المستريحون معاملات محرمة شرعًا ومُجرَّمة قانونًا، اشتملت على جملة من المحاذير الشرعية والمخالفات القانونية، والتعامل مع هؤلاء الأشخاص الذين يُطلق عليهم لقب "المستريح" هو من باب إضاعة المال المأمور بحفظه وصونه.
ودار الإفتاء تهيب بالمواطنين بضرورة الانتباه لخطورة هذا النوع من المعاملات، وزيادة الوعي بالعمل تحت سياج المؤسسات والشركات المالية الرسميَّة المقنَّنة، التي تحظى برقابة الدولة والحماية المطلوبة للمتعاملين فيها.
المحتويات
(المِسْتِرَيَّحْ) هو إطلاق عرفي، يُقصَدُ به: الشخص الذي يجمع الأموال من "المودعين" بغرض "استثمارها"، وإيهامهم بالحصول على مقابل عائد مادي مرتفع، خاصة بالمقارنة بأسعار الفائدة في البنوك المصرية، وذلك بادعائه امتلاك مشروعات وهمية تُدار من خلال مظاهر خارجية تكسبها المظهر المشروع. راجع: "ظاهرة المستريح: الأبعاد ودوافع الاستمرار" (ص: 3، الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية).
فيقوم هذا الـ"المستريح" بشراء السلعة بأغلى من ثمنها السوقي، ثم يبيعها بأقل منه، وهي حيلة جديدة من حيل جمع الأموال من الناس، ولها صور متعددة عبر قنوات مختلفة، فبعضها تجارة في المواشي، وبعضها في السيارات، وأخرى في الفاكهة والخضروات، ونحو ذلك من التجارات المختلفة.
وبالنظر الفقهي المجرَّد للمعاملات التي يقوم بها المستريح شراءً وبيعًا، نجد أنَّ هذهِ المعاملات من حيث واقعها ومآلها تشتمل على جملة من المحاذير الشرعية والمخالفات القانونية؛ حيثُ رصدت بعض الدراسات العديد من الأساليب التي يستخدمها "المستريح" أو المحتال للإيقاع بضحاياه؛ كاستخدام الكذب والخداع لإيهام الضحايا، فالكذب هو جوهر الطرق الاحتيالية، بل هو قوام عملية النصب عمومًا، وتدعيم الكذب بالمظاهر الخارجية التي تعزز الكذب، وتحمل الغير على الاعتقاد بصحته، كمحاولة لبناء الثقة لدى الضحية، وكذلك إيهام الضحية والإيقاع بها. انظر: "ظاهرة المستريح: الأبعاد ودوافع الاستمرار" (ص: 5).
من جملة هذه المحاذير والمخالفات:
أولًا: ما تشتمل عليها هذه المعاملات من الغِشِّ والكذب والخداع مما نهى الشرع الشريف عنه وشدَّد فيه؛ فروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيسَ مِنَّا»، وفي رواية: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيسَ مِنِّي».
وروى أبو داود وغيره عن سفيان بن أَسِيدٍ الحضرميِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كَبُرَت خيانةً أن تُحَدِّثَ أخاكَ حديثًا هو لَكَ به مُصَدِّقٌ وأنتَ لَهُ به كاذِبٌ».
وروى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا».
ومن جملة الإيهام والكذب والخداع الحاصل ممن يقوم بهذه العملية تسميته نفسه بـ"المستريح"؛ لإيهام الناس بما سيحدث لهم من الراحة الاقتصادية إذا ما أعطوه أموالهم ليستثمرها لهم في هذه العمليات التجارية؛ فيتحقق له جذب أكبر عدد من العملاء، وهو من تسمية الأشياء بغير أسمائها التي تدل عليها، ومما هو مقررٌ أنَّ تغيير الاسم لا يغير حقيقة المسمى ولا يزيل حكمه؛ لأن العبرة في الأحكام بالمسميات ومعناها، لا بالأسماء ومبناها.
قال الشيخ ابن القيم في "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (1/ 353-354، ط. مكتبة المعارف بالرياض): [المفاسد تابعة لحقائقها، لا تزول بتبدل أسمائها وتغير صورتها، ولو زالت تلك المفاسد بتغير الصورة والأسماء لما لَعَن اللهُ سبحانه اليهود على تغيير صورة الشَّحْم واسمه بإذابته، حتى استحدث اسم الوَدَك وصورته، ثم أكلوا ثمنه، وقالوا: لَمْ نأكله. وكذلك تغيير صورة الصيد يوم السبت بالصيد يوم الأحد] اهـ.
فالتحايل والتغرير بالأسماء الموهمة لاستحلال أموال الناس هو مما يزيد صاحبه إثمًا وجرمًا، ولا يرفع عنه المساءلة الشرعية والقانونية.
وقد نهى الشرعُ الشريفُ عن الحيل التي يحاول أصحابها قلب الحقائق وإلباس الشيء المحرم لباس المباح المشروع؛ بـ"أن يظهر عقدًا مباحًا يريد به محرمًا، مخادعة وتوسلًا إلى فعل ما حرم الله، واستباحة محظوراته، أو إسقاط واجب، أو دفع حق"؛ كما قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (4/ 43، ط. مكتبة القاهرة).
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» أخرجه ابن بطة في "إبطال الحِيل"، وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (3/ 493، ط. دار طيبة): [إسناده جيد] اهـ.
ومن أمثلة تطبيق ذلك في السنة النبوية: ما رواه الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ»، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة؛ فإنها تطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: «لَا، هُوَ حَرَامٌ»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ؛ إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهَا، ثُمَّ بَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ».
ورويا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ فلانًا باع خمرًا، فقال: قاتل الله فلانًا، ألم يعلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا، فَبَاعُوهَا»؛ أي: أذابُوهَا ليزول عنها اسم الشحم.
قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (3/ 133، ط. المطبعة العلمية): [وفي هذا بيان بطلان كل حيلة يحتال بها توصل إلى مُحَرَّم، وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه] اهـ.
ومن الغش والكذب والخداع تخفيه وراء مظلة البيع والشراء، دون نظر إلى معايير الكسب المشروع، والبيع والشراء وإن لم يكن له حدٌّ للربح في الشرع، إلَّا أن هناكَ قواعدَ عامة تحكم تصرفات التاجر وعلاقاته في البيوع والتجارات؛ كالنهي عن الغش والتدليس، ومراعاة العدل والإحسان، ومنع الضرر والضرار، ونحو ذلك.
وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا؛ فقال: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قال: أصابته السَّماء يا رسول الله؛ قال: «أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَىْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّى». قَالَ أَبو عُبَيْدَةُ: مَعْنَاهُ لَيْسَ مِنْ أَخْلاقِنا الغِش.
بل عدَّ العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي هذا النوع من الغش من جملة الكبائر. انظر: "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 396-402، ط. دار الفكر).
والمأخوذ غشًّا وخداعًا على هذا النحو من أكل أموال الناس بالباطل؛ لما يقوم به هذا المخادع من إيهام أصحاب الأموال بالغنى الفاحش، وهو ممَّا شدَّد الشرع الشريف على حرمته؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: 188]، وروى الشيخان عن أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ».
وأخرج الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ».
وأخرج الإمام البيهقي في "الشُّعَب" عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ».
قال العلامة الصنعاني في "التنوير" (8/ 170، ط. مكتبة دار السلام): [«كلُّ جسدٍ»، وفي رواية «كل لحم نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ» من مال حرام يسحت صاحبه في النار.. قال الذهبي: يدخل فيه المكّاس، وقاطع الطريق، والسارق، والخائن، والزغلي، من استعار شيئًا فجحده، ومن طفف في وزن أو كيل ومن التقط مالًا فلم يُعَرّفه وأكله ولم يتملكه، ومن باع شيئًا فيه عيب فغطّاه، والمُقَامِر، ومخبر المشتري بالزائد، هكذا عدّ المذكورات من الكبائر مستدلًا عليها بهذا الحديث] اهـ.
ثانيًا: ما يقوم به "المستريح" هو استغلال لأموال الناس، بما يلحق بهم الأذى والضرر في أموالهم؛ وقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].
قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (20/ 324، ط. مؤسسة الرسالة): [عن قتادة في قوله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾: فإياكم وأذى المؤمن، فإن الله يحوطه، ويغضب له] اهـ.
وقال الإمام أبو الليث السمرقندي في تفسيره "بحر العلوم" (1/ 69، ط. دار الفكر): [قال السدي: نزلت هذه الآية في أمر عائشة وصفوان رضي الله عنهما. ويقال: في جميع من يؤذي مسلمًا بغير حق] اهـ.
وأن مَن يعين غيره على ذلك ويشجعه؛ بالمشاركة، أو المساعدة، يكون فعله من باب التعاون علي الإثم والعدوان المنهي عنه شرعًا في قولِه تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
ثالثًا: أن عمليات البيع والشراء التي يمارسها "المستريح" هي عمليات خالية من ضمانات لأصحاب هذه الأموال، ومن ثمَّ فهي طريقة لإضاعة الأموال التي جاء الشرع الشريف بالمحافظة عليه؛ لأن بها قوام الحياة؛ قال حجة الإسلام الغزالي في "المستصفى" (ص: 173، ط. دار الكتب): [ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهم مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة] اهـ.
وقال الامام النووي في "شرح صحيح مسلم" (12/ 10، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأما إضاعة المال فهو صرفه في غير وجوهه الشرعية وتعريضه للتلف. وسبب النهي أنه إفسادٌ، والله لا يحب المفسدين، ولأنه إذا أضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس] اهـ.
رابعًا: البيع بأقل من سعر السوق بما يفسد توازن السوق ويخربه اقتصاديًّا.
وقد أخرج الإمام مالك في "الموطأ" عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب مَرَّ بحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنهما وهو يبيع زبيبًا له بالسوق -يعني بسعر دون سعر الناس- فقال له عمر رضي الله عنه: "إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا".
قال الإمام ابن رشد الجد في "البيان والتحصيل" (9/ 314، ط. دار الغرب الإسلامي): [أما الجلاب: فلا اختلاف في أنه لا يسعر عليهم شيء مما جلبوه للبيع، وإنما يقال لمن شذ منهم، فحط من السعر، أو باع بأغلى مما يبيع به عامتهم: إما أن تبيع بما يبيع به العامة، وإما أن ترفع من السوق، كما فعل عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بحاطب بن أبي بلتعة، إذ مر به وهو يبيع زبيبًا له في السوق، فقال له: إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا؛ لأنه كان يبيع بالدرهم أقل مما كان يبيع به أهل السوق، وأما أهل الحوانيت والأسواق الذين يشترون من الجلاب وغيرهم جملا، ويبيعون ذلك على أيديهم مقطعا مثل اللحم والأدم والفواكه، فقيل: إنهم كالجلاب لا يسعر عليهم شيء من بياعتهم، وإنما يقال لمن شذ منهم وخرج عن الجمهور: إما أن تبيع كما يبع الناس، وإما أن ترفع من السوق] اهـ.
والذي عليه الفتوى هو المنع من البيع بأقل من سعر السوق حيث كان ذلك مفسدًا للسوق على الوجه الذي أشرنا إليه.
خامسًا: أنها تضر بالدولة والمجتمع؛ اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا؛ حيث تسبب ضررًا على الدخل القومي، وتدهورًا للاقتصاد الوطني، وتشويهًا للعمليات التجارية، وارتفاعًا لِمُعدَّل السيولة المحليّة بما لا يتوافق مع كميّات الإنتاج، وإضعافًا لروح المنافسة بين أصحاب التجارات، وإحداث ما يسمى في علم الاقتصاد بـ"الإغراق"، إلى غير ذلك من الآثار السيئة والعواقب الوخيمة، والتي تتعارض مع المقاصد الشرعية؛ إذ إن حفظ اقتصاد الأوطان مطلوب شرعي مؤكد، يأثم من يخل به؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56].
وروى الدارقطني وغيره عن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ الله عَلَيْهِ».
وقد حظر القانون (146) لسنة 1988م المعاملات التي يتم الاستثمار فيها في غير الشركات المساهمة، الخاصَّة بالشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها.
وبناءً على ذلك: فإن هذه المعاملات التي يقوم بها المستريحون معاملات محرمة شرعًا ومُجرَّمة قانونًا، اشتملت على جملة من المحاذير الشرعية والمخالفات القانونية، والتعامل مع هؤلاء الأشخاص الذين يُطلق عليهم لقب "المستريح" هو من باب إضاعة المال المأمور بحفظه وصونه.
ودار الإفتاء تهيب بالمواطنين بضرورة الانتباه لخطورة هذا النوع من المعاملات، وزيادة الوعي بالعمل تحت سياج المؤسسات والشركات المالية الرسميَّة المقنَّنة، التي تحظى برقابة الدولة والحماية المطلوبة للمتعاملين فيها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.