هل تشرع الصلاة عند حدوث الزلازل؟ وما كيفيتها؟
لا شك في أن الإنسان إذا تَعَرَّضَ إلى ما يُفْزِعُهُ أو يسبب له قلقًا؛ فإن الملاذ والملجأ هو الله سبحانه وتعالى؛ قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: 63-64].
وقد اتفق فقهاء المذاهب على استحباب الالتجاء إلى الله تعالى عند وقوع الزلزال بالصلاة؛ فقد نصُّوا على أن الفزع إلى الصلاة من وسائل التضرع لله رب العالمين عند حدوث مثل هذه الظاهرة، ومنهم من يرى أنها صلاةٌ مطلقة؛ أي: أن يصلي الإنسان ركعتين أو أكثر كصلاة الحاجة، ومنهم من يرى أنها مثل صلاة الكسوف والخسوف.
قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 282، ط. دار الكتب العلمية): [تُستحبُّ الصَّلاة في كلِّ فزعٍ؛ كالرِّيح الشَّديدة، والزلزلة، والظلمة، والمطر الدائم؛ لكونها من الأفزاع والأهوال، وقد رُوِي عن ابن عباس رضي الله عنهما "أنَّه صلَّى لزلزلة بالبصرة"] اهـ.
وقال العلامة الزرقاني في "شرحه على مختصر خليل" (1/ 480، ط. دار الكتب العلمية): [وأمَّا الصَّلاة للزلزلة ونحوها فلا تُكرَه، بل تطلب؛ لقول "المدونة": أرى أن يفزع الناس للصلاة عند الأمر يحدث ممَّا يخاف أن يكره عقوبة من الله تعالى؛ كالزلزلة، والظلمة، والريح الشديد، وهو قول أشهب في الظلمة والريح الشديد، وقال: يصلون أفذاذًا أو جماعة إذا لم يجمعهم الإمام أو يحملهم على ذلك] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 288، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(وَيُسْتَحَبُّ لِكُلٍّ) وفي نسخة لكل أحد (أن يَتَضَرَّعَ) بالدعاء ونحوه (عند الزَّلَازِلِ ونحوها من الصواعق والريح الشديدة) وَالْخَسْفِ كان الأولى أن يقتصر على: ونحوها، أو يقول: كالصواعق (وأن يُصَلِّيَ في بيته منفردًا؛ لئلا يكون غافلًا)؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا عَصَفَتْ الريح؛ قال: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ» رواه مسلم] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 318، ط. مكتبة القاهرة): [فصل: قال أصحابنا: يُصَلِّي للزلزلة كصلاة الكسوف. نَصَّ عليه. وهو مذهب إسحاق وأبي ثَوْرٍ] اهـ. وممَّا ذُكر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.