ما الذي يدل عليه قول النبي عليه السلام: «إِنَّ مِنْ أَعْلَامِ السَّاعَةِ وَأَشْرَاطِهَا أَنْ تُزَخْرَفَ الْمَحَارِيبُ»؟
الأحاديث النبوية التي أخبر فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ زخرفةَ المساجد وتزيينها من أشراط الساعة لا تدل على كراهية الزخرفة أو تحريمها، وإنما هي محمولة على الاهتمام بالشكل على حساب المضمون، وتعمير الظاهر مع تدمير الباطن؛ كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ يَتَبَاهَوْنَ بِالْمَسَاجِدِ وَلاَ يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا» رواه أبويعلى.
الأحاديث النبوية التي أخبر فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن زخرفة المساجد وتزيينها من أشراط الساعة لا تدل على كراهية الزخرفة أو تحريمها، وإنما هي محمولة على الاهتمام بالشكل على حساب المضمون، وتعمير الظاهر مع تدمير الباطن؛ كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ يَتَبَاهَوْنَ بِالْمَسَاجِدِ وَلاَ يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا» رواه أبو يعلى وابن خزيمة في "صحيحه"، وكما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا ابْنَ مَسْعُودٍ! إِنَّ مِنْ أَعْلَامِ السَّاعَةِ وَأَشْرَاطِهَا أَنْ تُزَخْرَفَ الْمَحَارِيبُ وَأَنْ تُخْرَبَ الْقُلُوبُ» رواه الطبراني في "المعجم الكبير" و"الأوسط".
وقد نص العلماء على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أخبر بشيء أنه من أشراط الساعة فلا يلزم من ذلك ذمُّه، ولا يدل بمجرده على التحريم:
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 159، ط. دار إحياء التراث العربي): [ليس كلُّ ما أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بكونه من علامات الساعة يكون محرمًا أو مذمومًا؛ فإن تطاولَ الرعاء في البنيان وفُشُوَّ المال وكونَ خمسين امرأة لهنَّ قَيِّمٌ واحد: ليس بحرام بلا شك، وإنما هذه علاماتٌ، والعلامة لا يُشتَرَطُ فيها شيءٌ من ذلك، بل تكون بالخير والشر، والمباح والمحرم، والواجب وغيره. والله أعلم] اهـ.
وقال الإمام المناوي في "فيض القدير شرح الجامع الصغير" (6/ 12، ط. دار الكتب العلمية): [وما كل علامة على قرب الساعة تكون مذمومة، بل ذكر لها أمورًا ذمَّها كارتفاع الأمانة، وأمورًا حمدها كزخرفة المساجد، وأمورًا لا تُحْمَدُ ولا تُذَمُّ كنزول عيسى؛ فليس أشراط الساعة من الأمور المذمومة] اهـ.
كما أنَّ الأعراف قد تغيّرت؛ فتنافس الناس في تزويق بيوتهم، وتفنَّنوا في زخرفتها ونقشها، فاقتضى ذلك مع قوله تعالى: ﴿أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ﴾ [النور: 36] أنه يجوز بل يستحب تزويقها، لتكون مرفوعةً كما أذن الله تعالى، ومُعَظَّمةً على البيوت المزوقة، وإلا كانت دونَها وغير مرفوعة عليها، ولا يليق أن تكون المساجد أقل شأنًا من المنازل، ولو سُلِّم بدلالة هذه الأحاديث على النهي فذلك مخصوص بالوقت الذي كانت فيه البيوت غير مزوقة ولا مُنمَّقة، فكانت المساجد مرفوعة عليها ولو بدون تزويق، فلما انقلبَ الحال وتبدّل العرف وجب أن يتغيّر الحكم عملًا بالدليلين؛ فإنَّ الجمع بين النصين مُقَدَّمٌ على إهمال أحدهما، والنصوص الشرعية التي أخبرت بأن زخرفة المساجد من أشراط الساعة أخبرت أيضًا بأن منها أن يتطاول الناس في البنيان، فمتى ما أصبحت الزخرفة سمة عامة على أعراف الناس وجب أن لا يُقصَّر بالمساجد عن ذلك؛ من غير مبالغة ولا إفراط.
هذا فضلًا عن أنَّ التزويق قد أصبح في عرف كثير من الناس علامةً على التعظيم ورمزًا للتقديس، وهو في ذات الوقت رمز للحضارة وعمارة الدنيا التي أقام الله فيها عباده؛ كما قال: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]؛ أي: طلب منكم عمارها؛ ولذلك لمَّا بلغ عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أن بطريقًا عظيمًا هاله منظر المسجد الأموي بدمشق لمَّا رآه وعجب من زخرفته وعظمة بنائه: رجع عما كان ينتويه من نزع فسيفسائه وذهبه لإدخال ثمنه لبيت المال، ونزع رقعة الستور التي كان أمر بوضعها على زخرفته، وقال: لا أرى مسجد دمشق إلا غيظًا للكفار. رواه سعيد بن عُفَيْرٍ في "تاريخه"، وذكره الإمام الطرطوشي في "الحوادث والبدع" (ص: 106-107، ط. دار ابن الجوزي).
وقال العلامة بدر الدين بنُ المُنَيِّر المالكي -كما نقله العلامة الدماميني في شرح صحيح البخاري "مصابيح الجامع"-: [فإن قلت: إذا كان تشييدُ المساجد وتحميرُها وتصفيرُها منهيًّا عنه، فكيف تُنَفَّذُ الوصيةُ به؟ وماذا تقول في المسجد الشريف وقد حدث فيه ما حدث من الانهدام، هل كان الأولى أن يعاد بالتشييد؟ أو كما كان باللبن والعريش؟ قلت: قد حدث عند الناس مؤمنهم وكافرهم تشييدُ بيوتهم وتزيينها، ولم يمكن أن يُمنَعوا من ذلك، فكانت بيوت الله أولى بذلك؛ لأنا لو بنينا مساجدنا باللبن وسقفناها بالسعف وجعلناها بين الدور المشيدة -ولعلها لأهل الذمة- لكانت الاستهانة ظاهرة، فحدث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا، ولو أن المسجد الشريف أعيد بالطين والسعف، وشيدت المدينة إلى جانبه لكان ذلك إهمالًا من المسلمين، فالذي اختاره الله الآن للمسلمين خير إن شاء الله، ولو عاد الزمان لِمَا كان عليه لَعَاد المسجد إلى ما يُناسب حال القوم من التواضع والتقنع] اهـ.
وقال -كما نقله الشيخ عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي في ترجمة والده "تحفة الأكابر بترجمة الشيخ عبد القادر"-: [كان ذلك قبل التأنق في البناء، وحيث تأنق الناس في غير المساجد فيكون عدمُ التأنق فيها إهانةً لها وحطًّا وسقوطًا من الأعين، فالواجب جعلُها من جنس غيرها، وترفيعُها وتحسينُها بأكثر من بيوت السُّكْنَى إن أمكن] اهـ. نقلًا عن كتاب "تشنيف الآذان" للحافظ السيد أحمد بن الصِّدِّيق الغماري (ص: 151-154، ط. دار جوامع الكلم)، ونقله الحافظ ابن حجر مختصرًا في "فتح الباري"(1/ 541). وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.