نرجو منكم الرد على مَن أنكر المشاهدات التي رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رحلة الإسراء والمعراج بحجة أنَّ الأمة لا تحتاج إلى معرفة هذه المشاهدات لتزداد إيمانًا واستقامة، كما أنهم يتعجبون من رؤيته صلى الله عليه وآله وسلم لأهل الجنة والنار والحال أنَّ القيامة لم تقم بعد.
إنه لا يُنكِر عاقلٌ أثر الاطلاع على الغيب في تثبيت الإيمان بالخالق، وأنَّ في هذه المشاهدات حكمًا وفوائد؛ منها: ما ذكره الإمام الرازي في "تفسيره" (20/ 297، ط. دار إحياء التراث العربي): [أن خيرات الجنة عظيمة، وأهوال النار شديدة، فلو أنَّه عليه الصلاة والسلام ما شاهدهما في الدنيا، ثم شاهدهما في ابتداء يوم القيامة فربما رغب في خيرات الجنة أو خاف من أهوال النار، أما لمَّا شاهدهما في الدنيا في ليلة المعراج فحينئذٍ لا يعظم وقعهما في قلبه يوم القيامة، فلا يبقى مشغول القلب بهما، وحينئذٍ يتفرَّغ للشفاعة.
الثاني: لا يمتنع أن تكون مشاهدته ليلة المعراج للأنبياء والملائكة، صارت سببًا لتكامل مصلحته أو مصلحتهم.
الثالث: أنه لا يبعد أنه إذا صعد الفلك وشاهد أحوال السماوات والكرسي والعرش، صارت مشاهدة أحوال هذا العالم وأهواله حقيرة في عينه، فتحصل له زيادة قوة في القلب باعتبارها يكون في شروعه في الدعوة إلى الله تعالى أكمل، وقلة التفاته إلى أعداء الله تعالى أقوى، يبين ذلك أنَّ مَن عاين قدرة الله تعالى في هذا الباب، لا يكون حاله في قوة النفس وثبات القلب على احتمال المكاره في الجهاد وغيره إلا أضعاف ما يكون عليه حال مَن لم يعاين.
واعلم أنَّ قوله: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ كالدلالة على أنَّ فائدة ذلك الإسراء مختصة به وعائدة إليه على سبيل التعيين] اهـ.
أمَّا حصول رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذه المشاهدات ولمَّا تقم القيامة بعد فهذا راجع إلى أنَّ القيامة وكلّ ما له علاقة بالمستقبل وإن خفي علينا إلا أنّه في علم الله لا فرق بينه وبين ما قد مضى من أوقات وأحداث فلا تعلّق بالزمان والمكان إلا بنا نحن المخلوقات الحادثة الأرضية.
وعلَّق الإمام نور الدين الحلبي في "إنسان العيون" المعروف بـ"السيرة الحلبية" [1/ 543، ط. دار الكتب العلمية] على أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رحلة الإسراء رأى حالَ المجاهدين في سبيل الله؛ فقال: [أي: كُشِف له عن حالهم في دار الجزاء بضرب مثاله] اهـ.
فقد يكون الله تعالى قد رفع عنه حجاب الزمان وكشف له ما هو كائن في الجنة والنار وما تعلّق بهما من مشاهدات، وعلى كلٍٍّ فهذا أمر غيبيّ يجب على المسلم التسليم فيه والإيمان بما أخبر به الصادق الأمين دون خوض وإعمال للعقول فيما لا طاقة لها به. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عمَّا جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.