نرجو منكم بيان المكانة العلمية للسيد أحمد البدوي. فهناك سائل يقول: يفتري بعض الجهّال على السيد البدوي مدَّعين أنه جاهلٌ مجذوبٌ وليس بعالم؛ فنرجو منكم بيان الحق في هذا الأمر والرد على ذلك الافتراء.
السيد أحمد البدوي: هو السيد الشريف الحسيبُ النسيب، فرع الشجرة النبوية، وسليلُ البَضعة المصطفوية، أبو العباس شهاب الدين أحمد البدوي الحُسيني رضي الله عنه وأرضاه، المولود في فاس بالمغرب عام [596هـ]، والمتوفى في طنطا بمصر عام [675هـ]، المتصف بالصفات القويمة، والملقب بالألقاب الكريمة؛ كشيخ العرب، وأبي الفتيان، والملثم، والسطوحي، والسيد، وهو اللقب الملازم لاسمه الشريف، والذي صار في عرف أهل مصر عَلمًا عليه؛ بحيث ينصرف عند الإطلاق إليه، وهو ممَّن تربَّع على عرش الولاية الربانية، والوراثة المحمدية، وشهرته تغني عن تعريفه، وبركة سيرته تكفي في توصيفه، فهو قطب أقطاب الأولياء، وسلطان العارفين الأصفياء، وركن أقطاب الولاية لدى السادة الصوفية، وإليه تنسب الطريقة الأحمدية البدوية.
والسيد أحمد البدوي رضي الله عنه عارفٌ إمامٌ مقرئٌ فقيهٌ من كبار علماء الأمة؛ فقد كان فقيهًا على مذهب الإمام الشافعي، وكان معتنيًا بكتاب "التنبيه" للشيخ أبي إسحاق الشيرازي [ت: 476هـ]؛ كما قاله العلامة الحلبي في "النصيحة العلوية" (ص: 95، ط. المكتبة الأزهرية للتراث)، وكان في العلم بحرًا لا يُدرَك له قرارٌ؛ كما قال معاصره الشيخ العارف عبد العزيز الديريني [ت: 694هـ]، وترجمه الأئمة في طبقات فقهاء الشافعية؛ كما صنع شيخ الإسلام عبد الله الشرقاوي [ت: 1227هـ] في كتابه "التحفة البهية في طبقات الشافعية" (ق: 187أ، خ. برلين)، وله مصنفات في الفقه بقيت منها "رسالة في الفرائض" محفوظة في "مخطوطات أوقاف المشهد الزينبي" و"المكتبة الأزهرية"، وكان يحفظ القرآن؛ كما ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمته، ويقرؤه بالقراءات السبع المتواترة -كما ذكر معاصرُه الإمامُ العارف أبو السعود بن أبي العشائر الواسطي [ت: 644هـ] فيما نقله عنه صاحب "الجواهر السنية" (ص: 24)-، وتسلَّك بالشيخ بري، عن الشيخ أبي نعيم، عن الإمام السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه [ت: 570هـ] -كما ذكر العلامة ابن الملقن في "طبقات الأولياء" (ص: 422، ط. مكتبة الخانجي)-، وأخذ الطريقَ عن العارف عبد الجليل بن عبد الرحمن النيسابوري -كما نقله العلامة الحلبي عن أخيه العارف السيد حسن في "النصيحة العلوية" (ص: 96)، وذكره الشيخ أزبك الصوفي؛ فيما نقله صاحب "الجواهر السنية" (ص: 42-43)-، وتلقَّنه عن الإمام القطب عبد السلام بن مشيش الحسني [ت: 626هـ] -كما أسنده المحدِّث ابنُ عَقِيلَةَ في "مسلسلاته" (ص: 86، ط. البشائر الإسلامية)-، وروى عنه الصلاةَ المشيشية -كما في إسناد العلامة التاودي ابن سودة [ت: 1209هـ] الذي أورده تلميذه الشيخ الحوّات في "الروضة المقصودة والحلل الممدودة في مآثر بني سودة" (ص: 332، ط. مكتبة ابن سودة)-، واجتمع بالإمام القطب أبي الحسن الشاذلي [ت: 656هـ] -كما حققه العلامة الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في رسالته "رفع النقاب عن اتصال السيد البدوي بقطب الأقطاب أبي الحسن الشاذلي قدس الله سرهما" ونقله عنه الكمال الحلبي في "تبيان وسائل الحقائق" (1/ ق: 47أ-49أ مخطوط)-؛ فهو رضي الله عنه من صدور علماء الأمة العاملين، وكبار أوليائها الصالحين، وعارفيها المعتقَدِين، وأئمة آل البيت الطاهرين.
وهو من شيوخ التلقين بشهادة التوحيد؛ يتسلسل عنهم الإسناد بذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقَبِلَ السادةُ الصوفيةُ ذلك واعتمدوه؛ كما فعل مُسنِدُ أهل زمانه علامة الحجاز ومحدِّثُه الإمام ابن عَقِيلَةَ [ت: 1150هـ] في "مسلسلاته" (ص: 86)؛ فذكر أنَّ السيد البدوي رضي الله عنه يروي حديث التلقين بكلمة: "لا إله إلا الله" عن القطب عبد السلام بن مشيش، عن الشيخ أبي مدين، عن الإمام أبي يعزى. قال: [وقد نقل هذا الحديثَ الشيخ يوسفُ العجميُّ الكوراني في بعض رسائله، ولم تزل السادة الصوفية يتلقونه بالقبول في سائر الأعصار والدهور] اهـ.
وقد أرسى السيد البدوي رضي الله عنه طريقته على الكتاب والسنة، والتزام الواجبات الشرعية؛ فكان من وصاياه -فيما نقله العلامة النور الحلبي في "النصيحة العلوية" (ص: 159)-: [طريقتنا هذه مبنيةٌ على الكتاب والسنة، والصدق والصفا، وحسن الوفا، وحمل الأذى، وحفظ العهود.. وأن يحافظ الفقير على الصلوات الخمس مع الجماعة في أوقاتها، مع الإتيان بشروطها وواجباتها وآدابها، وقد قيل: الصلوات الخمس سلسلة تجذب النفوس إلى مواطن العبودية؛ لأداء حق الربوبية، وقد قيل في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾: إن الصلوات يذهبن الخطيئات. وأن يحافظ على نوافل العبادات، خصوصًا ما كان منها من المؤكَّدات..] اهـ.
ومن بركات السيد البدوي على طنطا: أنها صارت بقدومه إليها بلدًا علميًّا سامقًا ومعهدًا قرآنيًّا باسقًا، وصار تدريس القرآن والعلم فيها عريقًا، وازدانت بالعلماء والقُرّاء بريقًا؛ فنشأت فيها حركة علمية، ومنظومة تعليمية، ومدرسة قرآنية، صار فيها الجامعُ الأحمديُّ شقيقَ الجامع الأزهر، وانتسب إليه فطاحل العلماء والأولياء، وتخرّج منه كبارُ الفقهاء وأعاظم القُرّاء الذين تربعوا على عرش القراءة القرآنية؛ بحيث اشتهر بين علماءِ مصرَ قولُهم: "العلم أزهريٌّ، والقرآنُ أحمديٌّ"، وهي مقولة يأثرها القراء وعلماء القراءات عن شيخ المقارئ المصرية وإمام أهل القراءة في عصره ومصره العلامة شمس الدين محمد المتولي الكبير [ت: 1313هـ]. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.