ما حكم إقدام بعض أولياء الأمور على ختان بناتهم؟
لا يجوز لأولياء الأمور الإقدام على ختان بناتهم؛ لثبوت ضرره الطبِّي والنفسي الجسيم بشهادة الأطباء، وكذلك يحْرُم الإقدام على ممارسته من الطبيب أو الإعانة عليه إلَّا في حالات الضرورة المرضية التي يُحَدّدها الطبيب المختصّ وفق ما نَصَّ عليه القانون.
خِتَان الأُنْثَى -كما أفادت منظمة الصِّحة العالمية- مصطلحٌ يراد به أيَّ عمليةٍ تتضمَّن إزالةً جُزْئِيَّةً أو كُلِّيَّةً للأعضاء التناسلية الخارجية الأُنثويَّة، دون وجود سبب طبِّي لذلك؛ فهو إجراء يتعلق بجسدها الذي أوجب الله تعالى رعايته والحفاظ عليه؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]؛ وأباح من أجل ذلك كل ما يَضْمَن سلامته، وحرَّم كل ما يؤول به إلى الضرر.
والشريعة الإسلامية أناطت المعرفة الصحيحة بالرجوع إلى أهلها، فلا يسوغ في هذا الأمر إلا سؤالُهُم -وهم الأطباء في هذا الصدد-؛ كما قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].
وقد أفاد الخبراء أنَّ لختان الإناث بأنواعه المختلفة مخاطرَ وأضرارًا كثيرة، والقاعدة الشرعية المقررة أنَّه "لا ضرر ولا ضرار"، وأصل هذه القاعدة ما أخرجه الإمام ابن ماجه في "سننه" عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، وهي قاعدة تحُول مراعاتها بين الإنسان وبين كل ما يمكن أن يسبب له الضرر؛ على مستوى الأفراد والجماعات.
وعلى ذلك: فمتى ثبت ما في هذا الفِعْلة الشنيعة في جسد الأنثى من ضررٍ حسيٍّ ومعنويٍّ على المستوى الشخصي والأسري دون أدنى فائدة مرجوة؛ وَجَب حينئذٍ القول بتحريمها واعتبارها جريمة، على ما جرت به قواعد الشريعة.
أمَّا ما ورد في الختان من روايات، فقد نصَّ العلماء على أنَّه لا يصح الاستدلال بها على مشروعيته؛ قال العلامة شمس الحق العظيم آبادي في "عون المعبود" (14/ 126، ط. دار الكتب العلمية): [وحديث ختان المرأة رُوي من أوجُهٍ كثيرة، وكلها ضعيفةٌ معلولةٌ مخدوشةٌ لا يصح الاحتجاج بها] اهـ.
كما لا يصح الاستدلال على مشروعيته بما أخرجه أحمد في "مسنده" عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ».
فالتعبير عن مختلِفَيْن باسمِ الغالِب منهما إذا كان بين مَدْلُولَيْهِمَا عُلْقَةٌ أَو اختلاط؛ هو من باب التغليب، ومن ذلك: قولهم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: العمران، والأب والأم: الأبوان؛ قال العلامة بدر الدين العيني في "البناية شرح الهداية" (1/ 333، ط. دار الكتب العلمية): [فذكر الختانين بطريق التغليب؛ كالعمرين والقمرين] اهـ.
وتأسيسًا على ما سبق؛ فإذا ثَبَت ضرر ختان الإناث ومَنْعه، فلا يجوز لأحدٍ من الأطباء الإقدام على ممارسته؛ إذ فيه تعدٍّ على جسد الأُنثَى بدون داعٍ إليه، بل ويترتب عليه مضارُّ كثيرة جسدية ونفسية؛ الأمر الذي يستوجب معه القول بحرمة الإقدام والإعانة عليه؛ فممَّا هو مقرَّرٌ في الشريعة الغرَّاء أنَّ "الإعانة على الحرام حرام"؛ لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 5]؛ وهذا أيضًا ما نحا إليه المُشَرِّع المصري في قَطْع دَابِر هذا الفعل الإجرامي، حيث أصدر من القوانين ما يَمنَعُ به هذه الفِعلة الشنعاء، ويَعُدُّها جريمة نكراء، ويغلِّظ العقوبة على مُرتَكِبِها والجزاء؛ وذلك في قانون العقوبات المصري المعدل برقم (10) لسنة 2021م، في مادتيه (٢٤٢ مُكرَّر)، و(٢٤٢ مكرر "أ")، ولكن يُسْتَثْنَى من ذلك ما إذا كان لمبرِّر طبي يحدّده الطبيب المختص وفق ما نَصَّ عليه قانون العقوبات.
وبناءً على ذلك: فلا يجوز لأولياء الأمور الإقدام على ختان بناتهم؛ لثبوت ضرره الطبِّي والنفسي الجسيم بشهادة الأطباء، وكذلك يحْرُم الإقدام على ممارسته من الطبيب أو الإعانة عليه إلَّا في حالات الضرورة المرضية التي حَدَّدها القانون.
والله سبحانه وتعالى أعلم.