ضابط الإسراع الذي يؤثر على صحة الصلاة

  • المفتى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
  • تاريخ الصدور: 28 سبتمبر 2021
  • رقم الفتوى: 6853

السؤال

ما ضابط الإسراع الذي يؤثر على صحة الصلاة؟ حيث يقوم أحد المصلين بالإسراع في صلاته، وعندما قمت بالتنبيه عليه بأن هذا الإسراع يُخلّ بصحة الصلاة، قال بأن هذا من قبيل التخفيف ولا يُخلّ بصحة الصلاة؛ فنرجو منكم بيان ضابط الإسراع الذي يُؤثِّر على صحة الصلاة.

الإسراعُ الذي يؤثِّر على صحة الصلاة هو أن يأتي المُصَلّي بالركن من غير أن يستقرّ فيه، وهذا الاستقرار يسميه الفقهاء بالطمأنينة، وهي: استقرار الأعضاء زَمَنًا قليلًا في أداء جميع أركان الصلاة، وذلك كأن يطمئن المصلي في ركوعه وسجوده زمنًا يتَّسِع لقوله: (سبحان ربي العظيم) في الركوع، أو (سبحان ربي الأعلى) في السجود- مرة واحدة على الأقل، فإذا أتى بالركن واستقرّت أعضاؤه وسكنت بقدر الطمأنينة فإن ذلك يُجزئه، ولا يكون إسراعًا مخلًّا بصحة الصلاة أو مُبطلًا لها.

المحتويات

 

فضل المحافظة على أداء الصلاة بإتمام أركانها وسننها

مَدَح الله تعالى مَنْ أَحْسَن أداء الصلاة بأن أتَمَّ أركانها وحافظ على سننها؛ فقال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1-2].

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَحْسَنَ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا قَالَتِ الصَّلَاةُ: حَفِظَكَ اللهُ كَمَا حَفِظْتَنِي فَتُرْفَعُ، وَإِذَا أَسَاءَ الصَّلَاةَ فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا قَالَتِ الصَّلَاةُ: ضَيَّعَكَ اللهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي فَتُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُهُ» أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده".

قال العلامة المناوي في "فيض القدير" (1/ 249، ط. المكتبة التجارية الكبرى) عند قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «قَالَتِ الصَّلَاةُ: حَفِظَكَ اللهُ كَمَا حَفِظْتَنِي»: [أي: حِفظًا مثل حفظك لي بإتمام أركاني وكمال إحساني بالتأدية بخشوع القلب والجوارح، وهذا من باب الجزاء من جنس العمل، فكما حَفِظ حدود الله تعالى فيها قابَلته بالدعاء بالحفظ] اهـ.

حكم الاطمئنان في الصلاة ومقداره

الاطمئنان في الصلاة هو: استقرار الأعضاء زَمَنًا قليلًا في أداء جميع أركان الصلاة، وذلك كأن يطمئن المصلي في ركوعه وسجوده زمنًا يتَّسِع لقوله: سبحان ربي العظيم في الركوع، أو سبحان ربي الأعلى في السجود مرة واحدة على الأقل، -وإن كانت السُنَّةُ أن يسَبِّح ثلاثًا على الأقل. وهو –أي: الاطمئنان- ركنٌ من أركان الصلاة عند جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وأبي يوسف من الحنفية، وتَبْطُل الصلاة بدونه.

قال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 162، ط. دار الكتب العلمية): [قال أبو يوسف: الطمأنينةُ مقدار تسبيحة واحدة فرضٌ، وبه أخذ الشافعي] اهـ.

وقال الشيخ الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 303-316، ط. دار الفكر): [(فرائض الصلاة) أربع عشرة فريضة.. (و) ثاني عشرها: (طمأنينة) وهي: استقرار الأعضاء زمنًا ما، في جميع أركانها] اهـ.

قال العلامة الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" (1/ 316، ط. دار الفكر): [اعلم أن القول بفرضيتها صححه ابن الحاجب، والمشهور من المذهب أنها سنة] اهـ.

وقال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (1/ 365، ط. دار الكتب العلمية): [ويشترط في صحة الركوع أن يكون (بطمأنينة)؛ لحديث المسيء صلاته المتقدم، وأقلها أنْ تستقر أعضاؤه راكعًا (بحيث ينفصل رفعه) من ركوعه (عن هَويه) أي: سقوطه فلا تقوم زيادة الهَوي مقام الطُمأنينة (ولا يقصد به) أي: الهويّ (غيره) أي: الركوع قصده هو أم لا كغيره من بقية الأركان؛ لأن نية الصلاة منسحبة عليه، (فلو هوى لتلاوة فجعله ركوعًا لم يكف)؛ لأنه صرفه إلى غير الواجب، بل ينتصب ليركع] اهـ.

وقال العلامة البهوتي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (1/ 387، ط. دار الكتب العلمية): [(و) التاسع من أركان الصلاة (الطمأنينة في هذه الأفعال) أي: في الركوع والاعتدال عنه والسجود والجلوس بين السجدتين.. (بقدر الذكر الواجب لذاكره ولناسيه بقدر أدنى سكون، وكذا) في أدنى سكون (لمأموم بعد انتصابه من الركوع؛ لأنه لا ذكر فيه)] اهـ.

الدليل على ركنية الطمأنينة في سائر أركان الصلاة

يدل لركنية الطمأنينة في سائر أركان الصلاة ما رواه الشيخان أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلَّى فسلَّم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فردّ وقال: «ارجَعْ فَصَلِّ؛ فَإنَّك لَمْ تُصَلِّ»، فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «ارجَعْ فَصَلِّ؛ فَإنَّك لَمْ تُصَلِّ» ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أُحسن غيره، فعلِّمني، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا».

فالحديث ظاهر الدلالة في كون الطمأنينة ركنًا في أداء سائر أركان الصلاة، وفي ذلك يقول العلامة ابن بطال في "شرحه لصحيح البخاري" (2/ 409، ط. مكتبة الرشد): [استدل بهذا الحديث جماعة من الفقهاء، فقالوا: الطمأنينة في الركوع والسجود فرض، لا تجزئ صلاة مَن لم يرفع رأسه، ويعتدل في ركوعه وسجوده ثم يقيم صلبه، وقالوا: ألا ترى أنَّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «ارجَعْ فَصَلِّ؛ فَإنَّك لَمْ تُصَلِّ»، ثم علَّمه الصلاة وأمره بالطمأنينة في الركوع والسجود] اهـ.

ضابط الإسراع الذي يؤثر على صحة الصلاة

إسراع المُصَلّي في صلاته مع حفاظه على الطمأنينة في تأدية أركان الصلاة لا يخلّ بصحتها، ويؤيّد هذا أنّ صلاته صلى الله عليه وآله وسلم كانت تخفيفًا؛ فقد روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه قال: «مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم».

قال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 386، ط. دار الوفاء): [الحديث يدل أنَّ بعضَها أكملُ من بعض، وأنه لم يكن في بعض أركانها طُول عن غيره متباين جدًا، وهذا -والله أعلم- في آخر عمله في الصلاة، وعلى هذا يحمل حديث جابر بن سَمُرَة رضي الله عنه: "ثم كانت صلاته بعد ذلك تخفيفًا"] اهـ.

وقد ذمَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مَنْ صَلَّى مُسْرِعًا دون الحفاظ على الخشوع والطمأنينة والأذكار فقال فيما رواه مسلم في "صحيحه": «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا».

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (5/ 124، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا» تصريح بذم مَن صلَّى مسرعًا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار، والمراد بالنقر: سرعة الحركات كنقر الطائر] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالإسراعُ المُبطِل للصلاة هو ما يُخل بالطمأنينة في أداء أركانها، كأن لا يستقرّ المُصَلّي في ركوعه أو سجوده ولو قَدْر تسبيحة، فإذا أسرع المُصَلّي في صلاته غير مُخِلٍّ بطمأنينتها على النحو المشار إليه فصلاته صحيحة، ولا شيء عليه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة