ما حكم الشرع في تعاطي مخدر (الشابو)؟ حيث اشتهر في الآونة الأخيرة تناول بعض الفئات لمستحضر "الشابو" ممَّا أَدَّى إلى انتشار عدة جرائم عن طريق تعاطيه. فما حكم تناول وتعاطي هذا المستحضر؟
يَحْرُم شرعًا تناول وتعاطي ما يُعْرَف بمُخدِّر "الشابو"؛ لأنه داخل في مفهوم المخدرات والمسكرات التي أجمع العلماء على أنها محرمة شرعًا؛ وذلك لما يتولَّد عن تعاطيه تأثيرٌ على العقل بالتغييب، بالإضافة إلى ما يسببه من أضرار جسمانية ونفسية بالغة تؤدي إلى إهلاك النفس وإلقائها في المخاطر، وهو ما أدى بالمُشرِّع المصري إلى إدراجه بقانون المخدِّرات التي يعاقب عليها القانون.
المحتويات
"الشابو" -كما يُعرِّفه المعهد الوطني لتعاطي المخدرات NIDA وفقًا لتقريره الصادر عام 2019م: هو إحدى صور مادة "الميثامفيتامين المُخدِّرة".
و"الميثامفيتامين: Methamphetamine" هو مادة قوية مُسبِّبة للإدمان، وذلك من خلال تأثيرها المُنبِّه على الجهاز العصبي المركزي، والتي يحصل بها تغييب العقل دون الحواس عن طريق الإحساس بالنشوة الذاتية والإثارة والهلوسة، على أنَّ الهلاوس التي تسببها هذه المادة في الغالب سمعية، وتحدث في 85٪ من الحالات، أو بصرية، وتحدث في 46٪ من الحالات، أو لمسية، وتحدث في 21٪ من الحالات، وتظهر هذه الأعراض بعد تناول جرعة هذه المادة بمدة زمنية تتراوح بين (7) دقائق و(34 دقيقة).
على أنَّ أهم أعراض إدمان مادة "الميثامفيتامين" هي السلوكيات العنيفة وخصوصًا مَن يتناوله عن طريق الحقن، إضافة للقلق والاكتئاب وبعض الأمراض المصاحبة للإدمان؛ حيث يتناول مُدمِن "الميثامفيتامين" أحيانًا مسببات إضافية للإدمان من خلال إذابة هذه المادة في الكحول لتعاطيها عن طريق الحقن الوريدي.
ومن التَّصوُّر السابق لمادة "الشابو" نجد أنها داخلة دخولًا أَوَّليًّا في مفهوم المخدرات، وهو ما حَدَا بالمُشرِّع المصري إدراجه بقانون المخدِّرات بالقسم الثاني من الجدول الأول الملحق بالقانون رقم (182) لسنة 1960م، والمعدَّل بعدة قوانين، آخرها قانون (134) لسنة 2019م.
وهذا يتَّسق تمامًا مع التعريف اللغوي والفقهي للمُخدِّرات؛ فالمخدِّرات في اللغة جمع مُخدِّر، والمخدِّر مشتق من مادة (خ د ر)، وهذه المادة تدل بالاشتراك على معانٍ: منها: الستر والتغطية، ومنه قيل: امرأة مخدَّرة؛ أي مستترة بخِدْرها. ومنها: الظلمة الشديدة. ومنها: الكسل والفتور والاسترخاء. ومنها: الغَيْم والمطر. ومنها: الحيرة. يُنظر "لسان العرب" (4/ 230، ط. دار صادر).
ولا يختلف تعريف المخدِّرات في الاصطلاح الفقهي عَمَّا هي عليه في اللغة، وهذا ما يُفْهِم من نَصِّ الفقهاء صراحةً على تعريفها أو في ضوء تعليلهم لحُرْمة الـمُسْكِر.
جاء في تكملة "رد المحتار" تحشيةً على كلام الحصكفي في "الدر المختار" (6/ 458، ط. دار الفكر): (ويحرم أكل البنج والحشيشة.. والأفيون؛ لأنه مُفْسِدٌ للعقل ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة). قال: [قوله: لأنه مفسد للعقل حتى يصير للرجل فيه خلاعة وفساد.. وقال –أي ابن حجر المكي-: فهذه كلها مسكرة، ومرادهم بالإسكار هنا تغطية العقل، لا مع الشدة المطربة لأنها من خصوصيات المسكر المائع، فلا ينافي أنها تسمى مُخَدِّرة، فما جاء في الوعيد على الخمر يأتي فيها لاشتراكهما في إزالة العقل المقصود للشارع بقاؤه اهـ] اهـ.
وقال العلامة ابن الحاجب في "التوضيح" (1/ 21، ط. مركز نجيبويه للمخطوطات) حين الكلام على الفرق بين المُسْكِر والمُفْسِد؛ قال: [المُسْكِر ما غَيَّب العقل دون الحواس مع نشوةٍ وفَرَح، والمُفْسِد ما غَيَّب العقل دون الحواس لا مع نشوةٍ وفرحٍ] اهـ.
والمُفْسِد في كلامه هو المُخَدِّر، كما فَسَّره بذلك الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" (1/ 47، ط. دار المعارف).
وعرَّفها -أي: المُخَدرات- العلامة ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (ص: 356، ط. دار الفكر) بأنها: [كل ما يتولَّد عنه تغطية العقل وفقدان الإحساس في البدن أو فتوره] اهـ.
فالتعريف اللغوي وكلام الفقهاء السابق عن المُخَدِّرات يتضح معه أنَّ مادة "الشابو" تدخل في المفهوم اللغوي والفقهي لمعنى المُخَدِّر؛ وذلك لأنَّ مادة "الشابو" تؤثِّر على العقل -وإن كانت لا تَسْلِب الحواس-، وتأثيرها على العقل يكون بفرط الحركة وكثرة الهلوسة؛ وهذا يتفق أيضًا مع تعريف منظمة الصحة العالمية لمصطلح "المخدِّرات"؛ فقد عرفته بأنَّه: "كل مادة خام أو مستحضرة أو مصنعة يُؤدِّي تناولها إلى اختلال في وظائف الجهاز العصبي المركزي سواء بالتهبيط أو التنشيط أو الهلوسة".
ويلاحظ أن المعنى الجامع المشترك بين هذه التعاريف أن المخدِّرات يتولَّد عنها تأثيرٌ على العقل بالتغييب، وهذا المعنى مُتَحقِّق في مخدر "الشابو"، إضافة إلى ما يسببه من أضرار جسمانية ونفسية بالغة.
دَلَّت الأدلة الشرعية على حرمة تناول وتعاطي المخدِّرات والتي يدخل فيها بعمومها مخدر "الشابو"، ومن هذه الأدلة: قوله تعالى: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقوله: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
فقد نصت الآيتان على النهي عن الإضرار بالنفس والإلقاء بها في المهالك، والأمر بالمحافظة عليها من المخاطر؛ فإن الحفاظ على النفس والعقل من المقاصد الكلية الخمس في الإسلام، ومن أجل ذلك حرم على الإنسان كل ما يُذهِب عقله أو يضر نفسه، ومعلوم أن في تعاطي المخدِّرات والتي منها مخدر "الشابو"، هلاكًا ظاهرًا، وإلقاءً بالنفس في المخاطر.
قال العلامة ابن عاشور معلقًا على الآية الأولى في "التحرير والتنوير" (2/ 215، ط. الدار التونسية للنشر): [ووقوع فعل: (تلقوا) في سياق النهي يقتضي عموم كل إلقاء باليد للتهلكة، أي كل تسبب في الهلاك عن عمد فيكون منهيًّا عنه محرمًا ما لم يوجد مقتضٍ لإزالة ذلك التحريم] اهـ.
ومن الأدلة أيضًا ما رواه أحمد في "مسنده" وأبو داود في "سننه" عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ".
قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (4/ 267، ط. المطبعة العلمية بسوريا-الطبعة الأولى): [المُفْتِر: "كل شراب يورث الفتور والرخوة في الأعضاء والخدر في الأطراف، وهو مقدِّمة السكر؛ ونُهِي عن شربه لئلا يكون ذريعة إلى السكر] اهـ.
فهذا الحديث نص في تحريم المخدرات؛ ولا يُقَلِّل من حرمة المخدرات كونها ليست خمرًا؛ لأنها -أي: المخدارت- من جملة المُفَتِّرات، والقاعدة عند الأصوليين -كما جاء في "حاشية ابن الشاط على الفروق" (1/ 216، ط. عالم الكتب)-: [أنه إذا ورد النهي عن شيئين مقترنين ثم نصّ على حكم النهي عن أحدهما من حرمة أو غيرها أُعطِيَ الآخرُ ذلك الحكم بدليل اقترانهما في الذكر والنهي، وفي الحديث المذكور ذَكَر المُفَتِّر مقرونًا بالمُسْكِر، وتقرر عندنا تحريم المسكر بالكتاب والسنة والإجماع فيجب أن يُعطَى المُفَتِّر حكمه بقرينة النهي عنهما مقترنين] اهـ.
وقد نَصَّ العلماء على تحريم تعاطي المخدرات؛ حتى نَقَل الإجماع على الحرمة الإمام البدر العيني في "البناية" (12/ 370، ط. دار الكتب العلمية)؛ حيث قال: [لأنَّ الحشيش غير قتال، لكن مخدر، ومفتر، ومكسل، وفيه أوصاف ذميمة فكذلك وقع إجماع المتأخرين رَحِمَهُمُ اللَّهُ على تحريم أكله] اهـ.
ونقل الإجماع أيضًا على الحرمة الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "الفتاوى"، كما نقله العلامة ابن حجر الهيتمي -بعد عدَّه من جملة الكبائر-؛ قال في "الزواجر" (1/ 354): [الكبيرة السبعون بعد المائة: أكل المسكر الطاهر كالحشيشة والأفيون.. قال العلماء: المفتر كل ما يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهذه المذكورات كلها تسكر وتخدر وتفتر. وحكى القرافي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة] اهـ.
والقواعد الشرعية تقتضي أيضًا القول بحرمة المخدِّرات، حيث ثبت أَنَّ الإدمان عليها فيه ضرر حسي ومعنوي، وما كان ضارًّا فهو حرام؛ لحديث: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» رواه أحمد، وابن ماجه، والحاكم وصحَّحه. كما أن تعاطيها يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية في محافظتها على العقل والنفس والمال من الضروريات الخمس.
نَصَّ المشرع المصري على تجريم تعاطي المخدرات ومعاقبة متعاطيها بالحبس والغرامة؛ فنَصَّ في الفصل التاسع من قانون المخدرات المشار إليه سابقًا على أنه: [يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثة آلاف جنيه كل مَن ضُبِط في مكانٍ أعد أو هيئ لتعاطى الجواهر المخدرة وذلك أثناء تعاطيها مع علمه بذلك، وتزاد العقوبة إلى مثلها إذا كان الجوهر المخدر الذي قدم هو الكوكاكيين أو الهيروين أو أي من المواد الواردة بالقسم الأول من الجدول رقم (1)] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يَحْرُم شرعًا تناول وتعاطي ما يُعْرَف بمُخدِّر "الشابو"، وذلك كمثل باقي أنواع المخدرات المُحرَّمة شرعًا والمُجَرَّمة قانونًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.