يستدل بعض الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه» على منع مدح النبي؛ فما المراد بالإطراء المنهيّ عنه في الحديث؟
جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه» رواه البخاري.
والإطراء هو المدح بالباطل، تقول: أطريت فلانًا مدحته فأفرطتُ في مدحه، وقوله: «كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ» أي: في دعواهم فيه الإلهية وغير ذلك. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (6/ 490، ط. دار المعرفة). فهو قد نهاهم عن المدح بالباطل فقط، ولم ينههم عن المدح مطلقًا.
فالإطراء الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الغُلُو في مدحه صلى الله عليه وآله وسلم؛ وذلك بأن يُمْدح بما هو من خصائص الله؛ كأن يُرْفع إلى مقام الألوهية، أو يعطى بعض صفات الله؛ كما قالت امرأة في زمنه وهي تمدحه: «وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ»، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله الله وسلم: «لَا تَقُولِي هَكَذَا، وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ» رواه البخاري، فنجد أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد نهاها؛ وذلك لأنَّ علم الغيب من خصائص وصفات الله، وقد أمَرَ الله رسوله أن يقول: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ﴾ [الأعراف: 188]، فلا يعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الغيب إلا ما علَّمه الله.
أمَّا المديح النبوي فهو الشِّعْرُ الذي ينصَبُّ على مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتعداد صفاته الخَلْقِيَّة والخُلُقِيَّة، وإظهار الشَّوْق لِرُؤيته، وزيارة قبره والأماكن المقدسة التي ترتبط بحياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، مع ذِكْرِ مُعْجِزَاته المادية والمعنوية، ونظم سيرته شعرًا، والإشادة بغزواته وصفاته الْمُثلى، والصلاة عليه تقديرًا وتعظيمًا، وهو يُستوحى من القرآن الكريم أولًا، فالسنة النبوية الشريفة ثانيًا، كما أَنَّ هناك مصدرًا مُهِّمًا في نسج قصائد المديح النبوي يتمثل في اعتمادهم على الكتب المعتمدة في السيرة النبوية التي ذكرت تفاصيل حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تفصيلًا كبيرًا؛ مثل: "السيرة النبوية" لابن هشام، و"السيرة النبوية" لابن حبان، و"الوفا بأحوال المصطفى" لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، و"الشفا بتعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض، وغيرها. ومما سبق يُعلم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.