هل يجوز للمعتدة من وفاة زوجها أن تخرج من بيتها لأجل زيارة الأهل والأصدقاء؟
يجوز شرعًا للمرأة المعتدة من وفاة زوجها أن تخرج من بيتها لزيارةِ أهلها وصاحباتها لتأنس بوُدِّهِم والحديث معهم، ليلًا كان ذلك أو نهارًا، ما دامت تأمن على نفسها، بشرط التزامها بعدم الزينة وكذلك بالمبيت في بيتها.
شرع الله تعالى عدة المرأة المُتوفَّى عنها زوجُها، وقد كانت في أول الإسلام حولًا كاملًا؛ تفجعًا وحزنًا على وفاته، فجعلها الله تعالى أربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملًا؛ حيث يقول سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 234]، فإن كانت المرأة حاملًا فإنَّ عدتها تنتهي بوضع الحمل؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4]؛ ويكون ذلك بأن تمكث المرأة في بيتها تاركةً للزينة والطيب ونحوهما؛ كلُبس الحلي.
إلا أنها يباحُ لها أن تخرجَ من بيتها لزيارة جاراتها أو أهلها لتَأْنَسَ بوُدِّهِم والحديث معهم؛ ليلًا كان ذلك أو نهارًا، خصوصًا إذا تعلق الأمر بمَن لها حقٌّ عليها من الأقربين من الأهل أو غيرهم ممن تُلَامُ على ترك زيارتهم، وأن هذا ممَّا يحصل به مواساتها في مصابها ورفع الضيق عنها من أهلها وذويها وصاحباتها، مع التزامها بإحدادها، وأن ترجع فتبيت في بيتها؛ إذ إنها بطول المكث منفردةً وحبيسةً في بيتها تكون عُرضةً للإصابة بالأمراض النفسية والجسدية، وليس هذا هو مراد الشرع من فرض العدة، وإنما هي أمرٌ تعبديٌّ في أصل مشروعيته، وليس الغرض منها عزل المعتدة عن المجتمع ومنعها عن القيام بشؤونها الحياتية وصِلَاتِهَا الاجتماعية، بل إِنَّ الشَّرِيعَةَ إنَّمَا جَاءَتْ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي عَاجِلَتِهِمْ وَآجِلَتِهِمْ لِتَأْتِيَهُمْ فِي الدَّارَيْنِ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهَا؛ كما قال الإمام القرافي في "الفروق" (4/ 224، ط. عالم الكتب).
ويدُلُّ عليه: ما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: اسْتُشْهِدَ رِجَالٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَآمَ نِسَاؤُهُمْ وَكُنَّ مُتَجَاوِرَاتٍ فِي دَارٍ، فَجِئْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْتَوْحِشُ بِاللَّيْلِ، فَنَبِيتُ عِنْدَ إِحْدَانَا، فَإِذَا أَصْبَحْنَا تَبَدَّدْنَا إِلَى بُيُوتِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إِحْدَاكُنَّ مَا بَدَا لَكُنَّ، فَإِذَا أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلْتَأْتِ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ إِلَى بَيْتِهَا».
وهذا هو المستنبط من نصوص فقهاء الشافعية؛ فإنهم أجازوا خروجها للاستئناس وكسر حاجز الوحشة، ولم يستثنوا من ذلك شيئًا؛ فيدخل فيه خروجها للزيارة وغيره؛ قال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (5/ 106 ط. دار الكتب العلمية): [ولها الخروج في عدة وفاة في النهار لشراء طعامٍ وغزلٍ ونحوه، وكذا ليلًا إلى دارِ جارةٍ لغَزْلٍ وحديثٍ ونحوهما، بشرط أن ترجع وتبيت في بيتها] اهـ.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز شرعًا للمرأة المعتدة من وفاة زوجها أن تخرج من بيتها لزيارةِ أهلها وصاحباتها لتأنس بوُدِّهِم والحديث معهم، ليلًا كان ذلك أو نهارًا، ما دامت تأمن على نفسها، بشرط التزامها بعدم الزينة وكذا المبيت في بيتها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.