ما حكم قراءة سورة الإخلاص، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بين ركعات القيام، وكذلك قراءة قول الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾؟
القراءة بين كل ركعتين من صلاة التراويح بـ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقراءة الثلاث آيات الأخيرة من سورة الصافات هي: أمورٌ مشروعةٌ لا حرج فيها، بل هي مستحبةٌ يثاب فاعلها، ويكون مُتَّبعًا لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفعلها.
جاء الشرع الشريف بالأمر بقراءة القرآن الكريم على جهة الإطلاق من غير تقييد بوقت دون وقت أو حال دون حال إلا ما استُثنِي من ذلك؛ كحال الجنابة مثلًا، وقد نبَّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على عظيم فضل سورة [الإخلاص]، واستحباب قراءتها ليلًا بقوله لأصحابه رضي الله عنهم: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟» قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: «﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» رواه مسلم عن أبي الدرداء، والبخاري بنحوه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما في "صحيحيهما".
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِ فَيَخْتِمُ بِـ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ: «سَلُوهُ: لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟» فسألوه، فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ» متفق عليه.
كما أن الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل الأعمال قبولًا عند الله تعالى، كما أنها تفتح للأعمال أبواب القبول؛ فهي مقبولة أبدًا، وكما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو شفيع الخلق: فالصلاة عليه شفيع الأعمال؛ وقد أمر الله تعالى بها أمرًا مطلقًا في قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، والأمر المطلق يقتضي عموم الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال، فمن ادعى بلا دليل أنها مُحَرَّمةٌ في وقت من الأوقات فقد ضيَّق ما وسَّعه الله تعالى؛ لأنه قيَّد المطلَق وخصَّص العامَّ بلا دليل، وهذا في نفسه نوع من أنواع البدعة المذمومة.
وأما عن قراءة قول الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات:180- 183]، فقد ورد في السنة النبوية الشريفة استحباب قراءة الثلاث آيات الأخيرة من سورة الصافات بعد الصلاة وقبل الانصراف من المجلس؛ فمن ذلك ما أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" (3/ 651)، وأبو يعلى في "مسنده" (2/ 363)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 269): أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (11/ 115) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: "كُنَّا نَعْرِفُ انْصِرَافَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِقَوْلِهِ: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾".
وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 236) عن الإمام عَلِيٍّ -رضي الله عنه- أنه قال: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى فَلْيَقُلْ عِنْدَ فُرُوغِهِ مِنْ صَلَاتِهِ: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾"، وكذلك أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (5/ 211) عَنِ زيد بن أسلم مرفوعًا.
وعليه: فقراءة ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين كل ركعتين من صلاة التراويح، وقراءة الثلاث آيات الأخيرة من سورة الصافات هي أمورٌ مشروعةٌ لا حرج فيها، بل هي مستحبةٌ يثاب فاعلها، ويكون مُتَّبعًا لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفعلها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.