ما تعريف الربا؟ وما المنهج الذي سلكته شريعة الإسلام في تحريمه؟ وما الحكمة من تحريمه؟
الربا: زيادة في رأس المال لا يقابلها عوضٌ مشروعٌ.
والربا محرم في جميع الشرائع السماوية، وهو من أكبر الكبائر في شريعة الإسلام.
وقد حرَّم الله تعالى الربا لأسباب متعددة منها: أنه يقضي على روح التعاون بين الناس، ويولِّد فيهم الأحقاد والعداوات، ويؤدِّي إلى وجود طبقة من الجشعين الذين قست قلوبهم في الأمة والذين تكثر الأموال في أيديهم دون جهد منهم، بل إن التعامل بالربا في عصرنا الحديث أدّى إلى استعمار بعض الدول الغنية لبعض الدول الفقيرة.
المحتويات
الربا في اللغة معناه: الزيادة، يقال: رَبَا الحال إذا زاد ونما؛ ومنه قوله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: 276]، أي: يزيل الله تعالى بركة المال الذي يدخله الربا، وينمّي سبحانه المال الذي يتصدق منه صاحبه على المحتاجين.
والربا في اصطلاح الفقهاء له تعريفات كثيرة منها: أنه زيادة في رأس المال لا يقابلها عوضٌ مشروعٌ، والربا محرم في جميع الشرائع السماوية ويُعَدُّ في شريعة الإسلام من أكبر الكبائر، والمسلم الذي يتعامل بالربا عن تَعَمُّدٍ وإصرارٍ وعن إنكار لتحريمه يكون مارقًا عن الإسلام، وقد سلكت شريعة الإسلام في تحريمه مسلك التدرج كما فعلت ذلك في تحريم الخمر؛ لأن كليهما -أي الخمر والربا- كانا منتشرين بين الناس انتشارًا يصعب القضاء عليه مرة واحدة بعد أن تأصَّل في النفوس وتوارثته الأجيال جيلًا بعد جيل.
أول ما نزل في شأن الربا قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم: 39]، أي: وما تعاملتم به أيها الناس من مال على سبيل الربا فإنه لا يربو ولا يزيد عند الله تعالى، أما المال الذي يربو ويزيد عنده سبحانه فهو ما تقدمون منه للمحتاجين على سبيل الصدقة والإحسان، ثم نزل ما يُبَيِّنُ أن اليهود -الذين كانوا يتعاملون بالربا- استحقوا من الله تعالى العذاب الأليم؛ قال تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾، أي: فبسبب الظلم الذي وقع من اليهود: ﴿حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: 160-161]، ثم نزل ما ينفر من الربا تنفيرًا يفُوقُ ما سبق إذ نادى الله تعالى المؤمنين بقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ [آل عمران: 130]، أي: يا من آمنتم بالله تعالى إيمانًا حقًّا لا يَحِلُّ لكم أن تتعاملوا بالربا بتلك الصورة البشعة التي هي واقعة بينكم والتي فيها يأخذ المُرَابي من المَدِين أضعاف رأس ماله، والتقييد بقوله سبحانه: ﴿أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ ليس المقصود منه النهي عن أكل الربا في حال المضاعفة خاصة وإباحته في غيرها؛ فالربا قَلِيلُهُ وكَثِيرُهُ حرام، وإنما المقصود منه توبيخهم على ما كان متفشيًا فيهم، وهو التعامل بالربا بتلك الصورة البشعة؛ فالتقييد لبيان الواقع فيهم وليس للاحتراز عما عداه، ثم نزلت بعد ذلك ست آيات كانت من أواخر ما نزل من القرآن فحرَّمت الربا تحريمًا قاطعًا إلى يوم القيامة، وأعلنت الحرب من الله ورسوله على كل من يتعامل بالربا، وهذه الآيات هي قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا..﴾ [البقرة: 270-280]، ثم جاءت الأحاديث النبوية الشريفة فأكدت ما جاء في القرآن الكريم من تحريم قاطع للربا، وفَصَّلت ما خفي على الناس من أحكامه، وتوعَّدَت من يتعامل بالربا بسوء المصير.
ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الـمُوبِقَاتِ»، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الـمُحْصَنَاتِ الـمُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَت»، وفي "الصحيحين" أيضًا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ".
قد حرَّم الله تعالى الربا لأسباب متعددة منها: أنه يقضي على روح التعاون بين الناس، ويولِّد فيهم الأحقاد والعداوات، ويؤدِّي إلى وجود طبقة من الجشعين الذين قست قلوبهم في الأمة والذين تكثر الأموال في أيديهم دون جهد منهم، بل إن التعامل بالربا في عصرنا الحديث أدّى إلى استعمار بعض الدول الغنية لبعض الدول الفقيرة.
الخلاصة: إن الربا مَضَارُّهُ اجتماعية واقتصادية وخُلُقيّة وما فَشَا في أمةٍ إلّا وكانَ أمرُها فُرُطًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.