ما قول فضيلتكم في حديث توسل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وطلب الاستسقاء بسيدنا العبَّاس رضي الله عنه: أهو من التوسل بالذات أم بالدعاء؟
توسل سيدنا عمر بسيدنا العباس رضي الله عنهما ثابت في الصحيح، وقد وقع عند حدوث جفاف في المدينة المنورة، وعلى هذا فَهْمُ أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعَمَلُهم، وكذا السلف الصالح من بعدهم رضوان الله عليهم أجمعين، والتوسل بسيدنا العباس رضي الله عنه راجع لمكانة سيدنا العباس رضي الله عنه وقُرْبه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في ذاته توسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أخرج البخاري في "صحيحه" عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا"، قال: فيسقون.
وأخرج الطبراني في "الدعاء"، والحاكم في "المستدرك" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يستسقي للناس عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه فقال: "اللهم إن هذا عمُّ نبيك عليه السلام نتوجه به إليك فاسقنا"، فما برحوا حتى سقاهم الله عز وجل، فخطب عمر رضي الله عنه الناس فقال: "أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد، ويعظمه ويفخمه، فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عمه العباس، واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم".
وقال ابن الأثير في "أسد الغابة" (3/ 163، ط. دار الكتب العلمية): [واستسقى عمر بن الخطاب بالعباس رضي الله عنهما، عام الرمادة، لما اشتد القحط، فسقاهم الله تعالى به، وأخصبت الأرض، فقال عمر رضي الله عنه: هذا والله الوسيلة إِلَى الله، والمكان منه، وقال حسان بن ثابت:
سأل الإمام وقد تتابع جدبنا ... فسقى الغمام بغرة العباس
عم النَّبِيّ وصنو والده الذي ... ورث النَّبِيّ بذاك دون الناس
أحيا الإله به البلاد فأصبحت ... مخضرة الأجناب بعد الياس
ولما سقى الناس طفقوا يتمسحون بالعباس، ويقولون: هنيئًا لك ساقي الحرمين.
وكان الصحابة يعرفون للعباس فضله، ويقدمونه ويشاورونه ويأخذون برأيه، وكفاه شرفًا وفضلًا أَنَّهُ كان يعزى بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لما مات، ولم يخلف من عصباته أقرب منه] اهـ.
فتوسل سيدنا عمر بسيدنا العباس رضي الله عنهما راجع لمكانة سيدنا العباس رضي الله عنه، وقربه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد دلَّ على ذلك أمران:
الأوَّل: قول سيدنا عمر رضي الله عنه: "بعمّ نبيّك" ولم يقل "بالعبَّاس"، فالتوسل به رضي الله عنه إنما كان لقربه ومكانته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الثَّاني: لَمَّا دعا سيدنا العباس رضي الله عنه توسل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "وقد تقرب القوم بي بمكاني من نبيّك -أي لقرابتي منه- فاحفظ اللهم نبيّك في عمِّه"، يعني: اقبل دُعائي لأجل نبيك صلى الله عليه وآله وسلم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.