المطلوب بيان الحكم الشرعي فيما يأتي:
1- رجل معه مال يريد أن يستغله فيقوم بشراء القمح قبل حصاد المحصول بشهور بسعر 350 قرشًا للإردب مع علمه بأن السعر المحدد للإردب هو 400 قرش، كما يشتري ضريبة الأرز قبل حصاده بشهور بمبلغ 1050 قرشًا مع أن سعره وقت ظهور المحصول أكثر من ذلك.
2- جوال السماد سعره الحال 315 قرشًا يباع بالآجل بمبلغ 430 قرشًا.
كلا التعاملين جائز شرعًا.
إن بيع المزارعين محصولهم من قمح وأرز ونحوه قبل حصاده بالثمن المذكور في السؤال هو المعروف في الفقه الإسلامي ببيع السلم أو السلف، وهو بيع آجل -وهو القمح أو نحوه كالأرز- بعاجل -وهو الثمن-.
وقد رخَّص الشارع فيه -وإن كان المبيع معدومًا وقت العقد- بنص القرآن في آية المداينة في سورة البقرة.
وبالسنة الصحيحة؛ لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَليُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» أخرجه الإمام البخاري، وانعقد عليه الإجماع.
قال الإمام الكمال بن الهمام في "فتح القدير" (7/ 71، ط.دار الفكر) بيانًا لحكمة مشروعية هذا النوع من البيع لحاجة كل من البائع والمشتري إليه: [فإن المشتري -وهو رب السلم- يحتاج إلى الاسترباح لنفقة عياله وهو بالسلم أسهل؛ إذ لا بد من كون المبيع -وهو المسلم فيه- نازلًا عن القيمة فيُربحه المشتري، والبائع -وهو المسلم إليه- قد يكون له حاجة في الحال إلى المال وقدرةٌ في المآل على المبيع فتندفع به حاجته الحالية إلى قدرته الماليَّة، فلهذه المصالح شُرِع] اهـ.
وجاء في "المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي (4/ 207، ط. مكتبة القاهرة): [-إن الإجماع على جوازه-؛ لأن بالناس حاجة إليه لأن أرباب الزروع والثمار والتجارات يحتاجون إلى النفقة على أنفسهم وعليها لتكمل، وقد تعوزهم النفقة فجوَّز لهم السلم ليرتفقوا ويرتفق المسلم -المشتري- بالاسترخاص -وهو أخذ المبيع رخيصًا-] اهـ.
والقمح والأرز مما يجوز فيهما السلم شرعًا؛ فيجوز للمزارعين أن يتعاقدوا على بيع كمية من القمح الجديد أو الأرز الجديد بالثمن المذكور الذي يقبضونه من التاجر المشتري له في مجلس التعاقد، على أن يسلم المبيع إلى المشتري في الوقت والمكان المعينين للتسليم، ويجب أن يذكر في العقد ما يفيد كمية المبيع ونوعه وصفته ومقداره ووقت التسليم ومكانه والثمن المقبوض بما يرفع الجهالة ويمنع وقوع النزاع، فمتى توافرت هذه الشروط في هذا البيع المسؤول عنه كان صحيحًا وجائزًا شرعًا ولا شيء فيه وإن نقص الثمن فيه عن الثمن وقت ظهور المحصول، وعن الثمن الذي حددته الحكومة من أسعار؛ لأن الحكومة حين تشتري من المزارعين المحاصيل لا تدفع الثمن الذي تحدده إلا بعد استلام المبيع فعلًا، ولا تدفعه مقدمًا قبل خروج المحصول كما هو الحال في بيع السلم المفروض فيه شرعًا أن يشتري رب السلم -المال- سلعة معدومة عند الشراء بثمن أرخص من ثمنها عند استلامها في الميعاد المحدد لتسليمها ليحصل له من ذلك ربح تحقق منفعته هو ومنفعة البائع له بحصوله على المال الذي يحتاج إليه، فحصل الفرق بين شراء الحكومة وبين بيع السلم الجائز شرعًا متى توفرت شروطه المذكورة. هذا جواب الشطر الأول من السؤال.
والجواب عن الشطر الثاني: المنصوص عليه شرعًا أن البيع يصح بثمن حال وبثمن مؤجل إلى أجل معلوم، فإذا كان الأجل في البيع المسؤول عنه معلومًا صح هذا البيع، ولا شيء فيه؛ لأنه من قبيل المرابحة، وهي نوع من أنواع البيع الجائزة شرعًا التي يجوز فيها اشتراط الزيادة في الثمن في مقابلة الأجل؛ لأن الأجل وإن لم يكن مالًا حقيقة إلا أنه في باب المرابحة يزاد في الثمن لأجله إذا ذكر الأجل بمقابلة زيادة الثمن قصدًا، فاعتبر مالًا في المرابحة احترازًا عن شبهة الخيانة فيها.
وبهذا عُلم أنه يجوز شرعًا بيع السلعة بثمن مؤجل زائد عن ثمنها الحال إذا كان الأجل معلومًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.