ما حكم تحويل سقيا الماء المشترك؛ حيث سأل رجل فيما إذا كان لرجلٍ دارٌ جاريةٌ في ملكه لا ينازعه فيها أحد، وليس فيها شائبة وقف، يجري الماء من نهر عام في جدول خاص بتلك الدار إلى فسقية فيها، فيأخذ منه كفايته، وما فضل يجري إلى مسجد لصيق لها، يريد الرجل المذكور أن ينقل هذا الماء إلى محل آخر من داره ولو أكبر من الفسقية يكون أقرب إلى المسجد المذكور، فهل له ذلك؟ أفيدوا الجواب ولكم الثواب.
نعم، له ذلك ما دام لا يضر بالنهر ولا بسقيا الماء.
نعم، له ذلك حيث لا ضرر بنهر ولا بماء، ومعنى الضرر بالماء: أن يتغير عن سننه الذي كان يجرى عليه؛ كذا في "الدر" و"حواشيه"، وفي تكملة "فتح القدير" بعد كلام ما نصه: [بخلاف ما إذا كان لواحد نهر خاص يأخذ من نهر خاص بين قوم، فأراد أن يقنطر عليه ويستوثق منه: له ذلك، أو كان مقنطرًا مستوثقًا فأراد أن ينقض ذلك ولا يزيد في أخذ الماء حيث يكون: له ذلك؛ لأنه يتصرف في خالص ملكه وضعًا ورفعًا، ولا ضرر بالشركاء بأخذ زيادة الماء، ويمنع من أن يوسع فم النهر؛ لأنه يكسر ضفة النهر ويزيد على مقدار حقه في أخذ الماء، وكذا إذا كانت القسمة بالكوى، وكذا إذا أراد أن يؤخرها عن فم النهر فيجعلها في أربعة أذرع منه؛ لاحتباس الماء فيه فيزداد دخول الماء فيه، بخلاف ما إذا أراد أن يسفل كواه أو يرفعها، حيث يكون له ذلك في الصحيح؛ لأن قسمة الماء في الأصل باعتبار سعة الكوة وضيقها من غير اعتبار التسفل والترفع وهو العادة، فلم يكن فيه تغيير موضع القسمة] اهـ.
وفي "تنقيح الحامدية" من مسائل شتى قبيل كتاب الشهادة ما نصه: [سئل: فيما إذا كان لزيد دار جارية في ملكه مشتملة على داخل وخارج، وفي الخارج بركة ماء يجري فائضها في مجرى قديم بباطن الأرض، ومنزل في مجرى قديم مشترك بينه وبين جماعة، يريد زيد الآن أن ينقل البركة المزبورة من الخارج إلى الداخل ويجري فائضها كما كان في القديم إلى المجرى القديم من غير إحداث شيء في المجرى المزبور، فهل له ذلك؟ الجواب: نعم، له ذلك. أقول: إن كانت البركة في الداخل تصير أقرب إلى المجرى القديم مما كانت عليه في الخارج، ولم يكسر حافة المجرى القديم المشترك، فلا مانع من ذلك، وأما إذا كانت بالعكس، وكان الفائض ومجراه ملك الجماعة، فقد يقال: يمنع من ذلك؛ لأنه إذا بعد المجرى واحتاج فيما يأتي من الزمان إلى تعمير يلزمهم زيادة كلفته عليه، وفي ذلك ضرر عليهم، على أنه قد صرح في "الهداية" و"شروحها" بأنه: لو أراد أحد الشركاء في النهر أن ينصب عليه رحًى في ملكه بأن كان حافتا النهر وبطنه ملكًا له فله ذلك إن لم يضر بالماء، وصوروا الضرر بالماء بأن يقوم الماء حتى يصل إلى الرحى في أرضه ثم يجري إلى النهر من أسفله؛ لأنه يتأخر وصول حقهم إليهم وينقص. اهـ. فتدبر ذلك] اهـ.
فأنت ترى كلمتهم متواردة على أن المدار في الجواز على عدم الضرر، وأن يتصرف الإنسان في ملك نفسه على وجه ما ذكر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.