ما حكم توكيل بنك ناصر في حساب الزكاة؟ بناء على الطلب المقدم من نائب رئيس مجلس إدارة بنك ناصر الاجتماعي، والمتضمن: يسعدني أن أتقدم لفضيلتكم بأسمَى آيات التقدير والاحترام وخالص الأمنيات بدوام التوفيق، وأتشرف بالإحاطة أنه على ضوء ما ورد بالمادة (3) من اللائحة التنفيذية لقانون إنشاء بنك ناصر الاجتماعي بشأن قيام البنك بنشاط التكافل الاجتماعي الذي يهدف إلى تحقيق التنمية الاجتماعية للمواطنين، وذلك بتنظيم جمع أموال الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية، وحيث إن البنك بصدد إطلاق منتج خاص لعملاء الودائع الاستثمارية لأجل بالبنك، يتلخص في إتاحة ميزة لهؤلاء العملاء لدى قيامهم بفتح حساب الوديعة بتسجيل رغبتهم في قيام بنك ناصر الاجتماعي بخصم زكاة المال سنويًّا، وصرفها في مصارفها الشرعية أو حسب رغبة العميل في اختيار أحد هذه المصارف، وحساب مقدار هذه الزكاة بنسبة 2.5% من أصل الوديعة، أو 10% من العائد المستحق السنوي عليها.
والأمر معروض على فضيلتكم برجاء التكرم بالإفادة بالرأي الشرعي في احتساب مقدار زكاة المال سنويًّا بالنسبة للودائع الاستثمارية لأجل، وشرعية إتاحة الرغبة لعملاء هذه الودائع في الاختيار بين احتساب مقدار هذه الزكاة بنسبة 2.5% من أصل الوديعة، أو 10% من العائد السنوي المستحق عليها.
يجوز لأصحاب الودائع الاستثمارية توكيل البنك في إخراج نسبة الزكاة المفروضة من أموالهم كل عام، ويخيرهم البنك بين النسبتين؛ فإن كان صاحب المال ممن يتقاضى الربح ويتعيش به، بحيث يظل أصل ماله ثابتًا: فله إخراج الزكاة بنسبة العشر من الربح كلما أخذه، وإلا أخرج ربع العشر من كل ماله البالغ للنصاب إذا حال عليه الحول، ما دام مستغنيًا في معيشته عن عوائده.
المحتويات
يتشوف الشرع الشريف لإيصال الحقوق لأصحابها، والزكاة حق الفقير في مال الغني، ولذلك يسر الله تعالى طرق إخراجها ووصولها إلى الفقير، فأباح النيابة فيها عند القدرة أو العجز.
والصورة المسؤول عنها وهي توكيل صاحب المال للبنك في إخراج نسبة الزكاة المفروضة من ماله وتوزيعها على مستحقيها، وقد اتفق الفقهاء على جواز الوكالة في الزكاة لكونها من العبادات المتعلقة بالحقوق المالية، لا البدنية.
قال العلامة شيخ زاده الحنفي في "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" (3/ 308، ط. دار الكتب العلمية): [وصح التوكيل بإيفاء كل حق وباستيفائه؛ لأن المُوَكِّل قد لا يهتدي إلى طريق الإيفاء والاستيفاء، فيحتاج إلى التوكيل بالضرورة، والمراد بالإيفاء دفع ما عليه وبالاستيفاء القبض] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار" (7/ 352، ط. دار الفكر): [فيصح التوكيل. قوله (في دفع زكاة) لأن المقصود منها: البراءة من سمة البخل في حق المزكي، ونفع الفقير القابض لها؛ فلذا جاز النيابة فيها عند العجز والقدرة، ولا فرق في ذلك بين نائب ونائب، وأطلق في دفع الزكاة فشمل الدفع المعين وغير معين] اهـ.
وقال العلامة ابن رشد المالكي في "بداية المجتهد" (4/ 85، ط. دار الحديث): [وشرط محل التوكيل أن يكون قابلًا للنيابة مثل: البيع والحوالة والضمان وسائر العقود.. ولا تجوز في العبادات البَدَنِيَّة، وتجوز في المالية؛ كالصدقة والزكاة والحج] اهـ.
وقال العلامة ابن شاس المالكي في "عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة" (2/ 825، ط. دار الغرب الإسلامي): [ولا يجوز التوكيل في العبادات، إلا في المالية منها كأداء الزكاة، وفي الحج على خلاف فيه] اهـ.
وقال الإمام الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "التنبيه" (ص: 108، ط. عالم الكتب): [وأمّا حقوق الله عز وجل: فما كان منها عبادة لا يجوز التوكيل فيها إلا في الزكاة والحج] اهـ.
وقال العلامة الروياني الشافعي في "بحر المذهب" (6/ 30-31، ط. دار الكتب العلمية): [وأما حق الله تعالى فعلى ضربين: ضرب يتعلق بالمال كالزكاة والكفارات والهدايا يجوز التوكيل فيها قولًا واحدًا] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (5/ 66، ط. مكتبة القاهرة): [وأما العبادات، فما كان منها له تعلق بالمال، كالزكاة والصدقات والمنذورات والكفارات، جاز التوكيل في قبضها وتفريقها، ويجوز للمخرج التوكيل في إخراجها ودفعها إلى مستحقها. ويجوز أن يقول لغيره: أخرج زكاة مالي من مالك؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها، وقال لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ» متفق عليه] اهـ.
وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (4/ 253، ط. مؤسسة الرسالة): [ويجوز التوكيل في إخراج الزكاة "و"، ولا بد من كون الوكيل ثقة] اهـ، وهذا نقلٌ لاتفاق المذاهب؛ إذ قال أولَ الكتاب: [وما وافقنا عليه الأئمة الثلاثة "رحمهم الله تعالى" أو كان الأصح في مذهبهم: "و"] اهـ.
لا يقدح في صحة الوكالة في إخراج الزكاة اشتراط مقارنة النية عند الأداء؛ إذ نص الفقهاء على أنه تجزئ النية عند الدفع إلى الموكل في إخراج الزكاة.
جاء في "الجوهرة النيرة" (1/ 115، ط. المطبعة الخيرية): [(قوله ولا يجوز أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء أو مقارنة لعزل مقدار الواجب) لأن الزكاة عبادة فكان من شرطها النية كالصلاة والصوم والأصل في النية الاقتران إلا أن الدفع يتفرق فاكتفى بوجودها حالة العزل تيسيرا كتقديم النية في الصوم وقوله (مقارنة للأداء) يعني إلى الفقير أو إلى الوكيل فإنه إذا وكل في أداء الزكاة أجزأته النية عند الدفع إلى الوكيل فإن لم ينو عند التوكيل ونوى عند دفع الوكيل جاز] اهـ.
وقال الإمام الشيرازي في "المهذب" (1/ 311-312، ط. دار الكتب العلمية): [فصل: ولا يصح أداء الزكاة إلا بالنية لقوله صلى الله عليه وآله وسلم «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» ولأنها عبادة محضة فلم تصح من غير نية كالصلاة وفي وقت النية وجهان: أحدهما: يجب أن ينوي حال الدفع؛ لأنه عبادة يدخل فيها بفعله فوجبت النية في ابتدائها كالصلاة. والثاني: يجوز تقديم النية عليها؛ لأنه يجوز التوكيل فيها ونيته غير مقارنة لأداء الوكيل فجاز تقديم النية عليها بخلاف الصلاة] اهـ.
أما عن احتساب مقدار زكاة المال سنويًّا، وشرعية إتاحة الرغبة لعملاء هذه الودائع في الاختيار بين احتساب مقدار هذه الزكاة بنسبة 2.5% من أصل الوديعة، أو 10% من العائد السنوي المستحق عليها؛ فإنه بالنظر إلى المال المودع بالبنك نجد أنه قد تركب فيه معنيان:
الأول: أنه مال سائل له قدر؛ فيشبه النقود.
والثاني: أنه أصل ثابت مستثمَر يشبه الأرض.
فلما تركب فيه المعنيان أجرينا فيه غلبة الأشباه؛ فإذا كانت صفاته أقرب إلى النقود: أخرجنا ربع العشر، وإن كانت صفاته أقرب إلى الأصل: أخرجنا عشر الربح؛ كزكاة الثمر والأرض.
فإن كان صاحب المال يستفيد بربح ماله في معيشته، بحيث يبقى أصل ماله ثابتًا يُدِرُّ عليه ربحًا مع ثبات أصله، فقد أشبه مالُه الأرضَ وجاز له أن يزكي مالَه كزكاتِها، بإخراج عشر الربح كلما أخده.
أما إن كان صاحب المال يضيف ربحه إلى أصل ماله؛ ليكون أصل ماله بذلك ناميًا لا ثابتًا: فزكاته حينئذ زكاة النقود لا زكاة الثمار، وهي ربع العشر عند بلوغ النصاب ومرور الحول.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلأصحاب الودائع الاستثمارية توكيل البنك في إخراج نسبة الزكاة المفروضة من أموالهم كل عام، ويخيرهم البنك بين النسبتين؛ فإن كان صاحب المال ممن يتقاضى الربح ويتعيش به، بحيث يظل أصل ماله ثابتًا: فله إخراج الزكاة بنسبة العشر من الربح كلما أخذه، وإلا أخرج ربع العشر من كل ماله البالغ للنصاب إذا حال عليه الحول، ما دام مستغنيًا في معيشته عن عوائده.
والله سبحانه وتعالى أعلم.