ما حكم زكاة الذهب الأبيض (White gold)؟
إذا كان المقصود بالذهب الأبيض معدن البلاتين فهو مغاير لمعدن الذهب في التركيب والحقيقة، وليس له من الذهب المعروف إلا اسمه مجازًا أو عرفًا فقط؛ وعليه فيفترقان في الأحكام، ولا زكاة فيه، وأما إن كان المقصود ما كان مطليًّا أو مخلوطًا من الذهب الأصفر بالبلاديوم أو النحاس أو غيره من المعادن فلا زكاة فيه كذلك إلا أن يبلغ الخالص منه بعد التصفية نصابًا، وإلا لم تجب، وإن كان هذا الذهب مُتخذًا للزينة المباحة فلا زكاة فيه وإن بلغ الخالصُ منه نصابًا.
المحتويات
الذهب عنصر نفيس، لونه أصفر، وهو من المعادن القابلة للسحب والطرق، ويوجد في الطبيعة في أشكال مختلفة، وله استعمالات متعددة، ودور مهم في الاقتصاد العالمي، وأما في الجدول الدوري الذي تترتب فيه العناصر بحسب عددها الذري (وهو عدد ما تحويه الذرة من بروتونات موجبة) فالعدد الذري لعنصر الذهب هو 79، وكتلته الذرية: 196.967.
وأما ما يعرف بـ"الذهب الأبيض" فقد يُطْلَقُ على البلاتين الخالص، وقد يطلق على خليط الذهب الأصفر مع البلاديوم أو النحاس أو غيره من المعادن.
وأما البلاتين هو معدن نادر ثمين، قابل للسحب والطرق كذلك، وله لون فضي رمادي، وعدده الذري: 78، وكتلته الذرية: 195.084.
فمعدن البلاتين مغاير لمعدن الذهب في التركيب والحقيقة، وليس له من الذهب المعروف إلا اسمه مجازًا أو عرفًا فقط؛ وعليه فيفترقان في الأحكام؛ لأن العبرة في الأحكام بالمسميات لا بمجرد الأسماء.
وقد عقد العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور فصلا مُهِمًّا في كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية" بعنوان: "نَوط الأحكام الشرعية بمعان وأوصاف لا بأسماء وأشكال"، ومن العبارات المهمة التي جاءت فيه قوله [ص: 346، ط. دار النفائس بالأردن]: [إياك أن تتوهم أن بعض الأحكام منوط بأسماء الأشياء أو بأشكالها الصورية غير المستوفية للمعاني الشرعية، فتقع في أخطاء في الفقه؛ مثل قول بعض الفقهاء في صنف من الحيتان يسميه بعض الناس خنزير البحر: إنه يحرم أكله؛ لأنه خنزير.. والأسماء الشرعية إنما تعتبر باعتبار مطابقتها للمعاني الملحوظة شرعًا في مسمياتها عند وضع المصطلحات الشرعية، فإذا تغير المسمى لم يكن لوجود الاسم اعتبار.. وقد أنذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنذارًا بإنكار ناس من أمته يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها، فكما كان تغيير الاسم غير مؤثر في تحليل الحرام، كذلك لا يكون مؤثرًا في تحريم الحلال، وبعبارة أشمل: لا تكون التسمية مناط الأحكام، ولكنها تدل على مسمى ذي أوصاف، وتلك الأوصاف هي مناط الأحكام، فالمنظور إليه هو الأوصاف خاصة] اهـ.
فلفظ الذهب لا يطلق في الشرع إلا على المعدن المعلوم الذي صفته اللازمة الاصفرار؛ يقول الإمام القرافي في "نفائس الأصول" (3/ 1112، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز): [القاعدة: أن اللفظ المشترك يجوز، بل يجب أن يكون لكل مسمى من مسمياته لوازم ليست لغيره، فمن لوازم (الحدقة) الإبصار دون الذهب، ومن لوازم (الذهب) الاصفرار، ومن لوازم (عين الماء) الإرواء، ولم تقع الشركة بينهما في ذلك مع أن لفظ (العين) حقيقة في الجميع على سبيل الاشتراك، كذلك هاهنا لكل مسمى لوازم لا يلزم وجودها في الآخر] اهـ.
الشرع قد أوجب الزكاة في الذهب بشروط مخصوصة، وقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ؛ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ».
وروى ابن ماجه عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارًا فصاعدًا نصف دينار، ومن الأربعين دينارًا دينارًا.
فإذا ثبت ذلك، فإنه لا يتعدى لسواه من المعادن المغايرة له في الحقيقة، -ومنها البلاتين-؛ لأنه لم يرد فيه شيء، والأصل أنه لا زكاة إلا فيما ثبت الشرع فيه.
قال الإمام النووي في "المجموع" [5/ 489-490، ط. المنيرية]: [لا زكاة فيما سوى الذهب والفضة من الجواهر؛ كالياقوت والفيْرُوزَج واللؤلؤ والمَرْجان والزُّمُرد والزَّبرْجد والحديد والصُّفر وسائر النحاس والزجاج، وإن حسنت صنعها وكثرت قيمتها، ولا زكاة أيضًا في المسك والعنبر. قال الشافعي رضي الله عنه في "المختصر": ولا في حِليَة بحرٍ. قال أصحابنا: معناه كل ما يستخرج منه فلا زكاة فيه، ولا خلاف في شيء من هذا عندنا، وبه قال جماهير العلماء من السلف وغيرهم] اهـ.
وأما إذا كان المراد بالذهب الأبيض الذهب المكون من خليط الذهب الأصفر مع البلاديوم أو النحاس أو غيره من المعادن، أو المطليّ بواحد منها، فإن هذا يعبر عنه الفقهاء بالذهب المغشوش، والذهب المغشوش لا زكاة فيه إلا أن يبلغ الخالص منه بعد التصفية نصابًا بنفسه، وهذا هو ما ذهب إليه فقهاء الشافعية والحنابلة.
قال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" [2/ 94، ط. دار الكتب العلمية]: [(ولا شيء في المغشوش)؛ أي: المخلوط بما هو أدون منه؛ كذهب بفضة وفضة بنحاس (حتى يبلغ خالصُهُ نصابًا)...فإذا بلغه أخرج الواجبَ خالصًا أو مغشوشًا خالصُهُ قدرُ الواجب] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" [3/ 38، ط. مكتبة القاهرة]: [ومن ملك ذهبًا، أو فضةً مغشوشةً، أو مختلطًا بغيره، فلا زكاة فيه، حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابًا؛ لقوله عليه السلام: «ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة»، فإن لم يعلم قدر ما فيه منهما، وشك هل بلغ نصابًا أو لا، خُيِّرَ بين سَبْكِهِمَا لِيَعْلَمَ قدر ما فيه منهما، وبين أن يَسْتَظْهِرَ ويُخْرِجَ، لِيُسْقِطَ الفرض بيقينٍ] اهـ.
هذا فيما إذا كان هذا الذهب غير متخذ للزينة.
إن كان متخذًا للزينة المباحة، فلا زكاة فيه على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة. ينظر: "الشرح الصغير" للشيخ الدردير (1/ 624، ط. دار المعارف)، و"المجموع شرح المهذب" للإمام النووي (6/ 35-36، ط. دار الفكر). و"المغني" للعلامة ابن قدامة (3/ 41)، وهو المختار عندنا.
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 377-378، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(لا زكاة في حلي مباح)؛ لأن زكاة الذهب والفضة تناط بالاستغناء عن الانتفاع بهما، لا بجوهرهما؛ إذ لا غرض في ذاتهما، فلا زكاة في الحلي؛ لحاجة الانتفاع بالعين، ولأنه معد لاستعمال مباح؛ كعوامل الماشية، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يحلي بناته وجواريه بالذهب ولا يخرج زكاته، وصح نحوه عن السيدة عائشة وغيرها، وما ورد مما ظاهره يخالف ذلك فأجابوا عنه بأن الحلي كان محرمًا أول الإسلام، أو بأن فيه إسرافًا] اهـ.
بناءً على ما سبق: فإذا كان المقصود بالذهب الأبيض البلاتين فلا زكاة فيه، أما إن كان المقصود هو ما كان مطليًّا أو مخلوطًا من الذهب الأصفر بالبلاديوم أو النحاس أو غيره من المعادن فلا زكاة فيه كذلك إلا أن يبلغ الخالص منه بعد التصفية نصابًا، وإلا لم تجب، أما إن كان هذا الذهب مُتخذًا للزينة المباحة فلا زكاة فيه وإن بلغ الخالصُ منه نصابًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.