كيف تحسب المرأة عدتها إذا حدثت وفاة زوجها بعد مضي جزءٍ من الشهر؟
عدة الوفاة تحسب بالأشهر الهجرية أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت الوفاة قد وقعت أول الشهر، فإن وقعت الوفاة بعد مضي جزء من الشهر فالفقهاء مختلفون: بين الاعتداد بالعدَدِ مائةً وثلاثين يومًا كاملة؛ أخذًا بالاحتياط وتسهيلًا على المعتدة في الحساب، وبين الاعتداد بالأهلة والأيام. واعتداد المعتدة من وفاة بعدد الأيام مائةً وثلاثين يومًا هو الأولى؛ احتياطًا وخروجًا من الخلاف.
المحتويات
من المقرر شرعًا أن الزوجة التي يتوفى عنها زوجها بعقد صحيح، ولم تكن حاملًا، يجب عليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام؛ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: 234]؛ سواء أكانت الزوجة مدخولًا بها، أم لم تكن مدخولًا بها، وسواء أكانت من ذوات الحيض أم لم تكن.
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (8/ 115، ط. مكتبة القاهرة): [أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر، مدخولًا بها، أو غير مدخول بها، سواء كانت كبيرة بالغة، أو صغيرة لم تبلغ] اهـ.
وقال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (8/ 399، ط. المكتب الإسلامي): [إذا مات زوجها، لزمها عدة الوفاة؛ بالنصوص والإجماع، فإن كانت حائلًا، فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها، ويستوي فيها الصغيرة والكبيرة، وذات الأقراء وغيرها، والمدخول بها وغيرها، وزوجة الصبي والممسوح وغيرهما، وتعتبر الأشهر بالأهلة ما أمكن] اهـ.
فإن كانت حاملًا: فإن عدتها تنتهي بوضع الحمل؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4].
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (8/ 115): [وأجمعوا أيضًا على أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملًا، أجلها وضع حملها] اهـ.
أجمع الفقهاء على أنه إذا توفي الزوج في غرة الشهر، فإن عدة الوفاة تحسب بالأشهر القمرية أربعة أشهر وعشرة أيام، ولو نقصت أيامُ بعضها عن ثلاثين يومًا إذا كانت الوفاة قد حدثت في أول جزء من الشهر.
قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (3/ 195، ط. دار الكتب العلمية): [فجملة الكلام فيه: أن سبب وجوب هذه العدة من الوفاة، والطلاق، ونحو ذلك إذا اتفق في غرة الشهر اعتبرت الأشهر بالأهلة وإن نقصت عن العدد، في قول أصحابنا جميعًا؛ لأن الله تعالى أمر بالعدة بالأشهر] اهـ.
وقال العلامة أبو بكر الحداد الحنفي في "الجوهرة النيرة" (2/ 74، ط. المطبعة الخيرية): [العدة بالشهور في الطلاق والوفاة إذا اتفقا في غرة الشهر اعتبرت الشهور بالأهلة إجماعًا، وإن نقصت في العدد] اهـ.
إذا وقعت الوفاة بعد مضي جزء من الشهر فقد اختلف الفقهاء:
فذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية: إلى أنه تحتسب الأشهر الثلاثة المتوسطة بالأهلة، أما الشهر الأول الناقص فَتُكْمل أيامه من الشهر الخامس ثلاثين يومًا، ثم يزاد عشرة أيام كاملة.
قال العلامة الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (3/ 176، ط. الحلبي): [وإن وقع ذلك في وسط الشهر تعتبر بالأيام؛ فتعتد في الطلاق بتسعين يومًا، وفي الوفاة مائة وثلاثين يومًا وهو رواية عن أبي يوسف، وروي عنه -وهو قول محمد-: تعتد بقية الشهر بالأيام وتكمله من الشهر الرابع، وتعتد بشهرين فيما بينهما بالأهلة؛ لأن الأصل اعتبار الشهور بالأهلة إلا عند التعذر، وقد تعذر في الأول، فيعمل فيه بالأيام؛ لأنها كالبدل عن الأهلة، ويعمل في الباقي بالأصل] اهـ.
وقال العلامة ابن أبي زيد القيرواني المالكي في "النَّوادر والزِّيادات" (2/ 65، ط. دار المغرب الإسلامي): [وكذلك المعتدة يموت زوجها في بعض الشهر، فتعتد تلك الأيام، ثم ثلاثة أشهر بالأهلة، ثم تكمل على الأيام الأولى تمام الثلاثين يومًا، وعشرة أيام] اهـ.
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (5/ 240، ط. دار المعرفة): [وإن مات وقد مضى من الهلال عشر ليال، أحصت ما بقي من الهلال، فإن كان عشرين أو تسعة عشر يوما حفظتها، ثم اعتدت ثلاثة أشهر بالأهلة ثم استقبلت الشهر الرابع فأحصت عدد أيامه فإذا كمل لها ثلاثون يومًا بلياليها، فقد أوفت أربعة أشهر واستقبلت عشرا بلياليها، فإذا أوفت لها عشرا إلى الساعة التي مات فيها فقد مضت عدتها] اهـ.
وقال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (8/ 399): [فإن مات في خلال شهر، وكان الباقي منه أكثر من عشرة أيام، عدت ما بقي، وحسبت بعدة ثلاثة أشهر بالأهلة، وتكمل ما بقي من شهر الوفاة ثلاثين من الشهر الواقع بعد الثلاثة، وتضم إليه عشرة أيام، وإن كان الباقي من شهر الوفاة أقل من عشرة أيام، حسبت بعد أربعة أشهر بالأهلة، ثم تكمل بقية العشرة من الشهر السادس، وإن كان الباقي عشرة أيام بلا زيادة ولا نقص، اعتدت بها وبأربعة أهلة بعدها] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (8/ 105): [تحتسب بقية الأول، وتعتد من الرابع بقدر ما فاتها من الأول، تامًا كان أو ناقصًا؛ لأنه لو كان من أول الهلال، كانت العدة بالأهلة، فإذا كان من بعض الشهر، وجب قضاء ما فات منه] اهـ.
وذهب الإمام أبو حنفية، وهو قول لأبي يوسف، ووجه عند الشافعية قال به أحمد ابن بنت الشافعي [ت295هـ]، ووجه عند الحنابلة، إلى أنها تحتسب العدة بالعَدَد، فتكون عدتها مائة وثلاثين يومًا كاملة.
قال العلامة علاء الدين السمرقندي الحنفي في "تحفة الفقهاء" (2/ 246، ط. دار الكتب العلمية): [فأما إذا حصل في بعض الشهر فقال أبو حنيفة: تعتبر بالأيام فتعتد في الطلاق تسعين يومًا وفي الوفاة مائة وثلاثين يومًا] اهـ.
وقال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (3/ 196): [قال أبو حنيفة: يعتبر بالأيام فتعتد من الطلاق، وأخواته تسعين يوما، ومن الوفاة مائة، وثلاثين يوما.. ولأبي حنيفة: أن العدة يراعى فيها الاحتياط، فلو اعتبرناها في الأيام لزادت على الشهور، ولو اعتبرناها بالأهلة لنقصت عن الأيام، فكان إيجاب الزيادة أولى احتياطا] اهـ.
وقال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (8/ 399): [ولنا وجه شاذ: أنه إن انكسر شهر، انكسر الجميع واعتبرت كلها بالعدد، والصواب الأول] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (8/ 105): [وخرّج أصحابنا وجهًا ثانيًا، أن جميع الشهور محسوبة بالعدد، وهو قول ابن بنت الشافعي؛ لأنه إذا حسب الأول بالعدد، كان ابتداء الثاني من بعض الشهر، فيجب أن يحسب بالعدد، وكذلك الثالث] اهـ.
وهذا ما نص عليه العلامة محمد قدري باشا في كتاب "الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية" الذي ألفه للمحاكم المصرية جامعًا فيه أرجح الأقوال في المذهب الحنفي في مسائل الأحوال الشخصية؛ حيث جاء فيه: (مادة: 312) [فإذا وجبت العدة في غرة الشهر تعتبر الشهور بالأهلة.. وإذا وجبت في خلاله تعتبر العدة بالأيام] اهـ.
وجاء في كتاب "الأحوال الشخصية" للعلامة محمد أبو زهرة (ص: 377، ط. دار الفكر العربي): [وتقدير العدة يكون بالأشهر القمرية إن صادف ابتداء العدة أول الشهر، وقد يكون الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين. وإن كان ابتداء العدة في بعض الشهر اعتبرت العدة بالأيام؛ أي: يعد لكل شهر ثلاثون يومًا؛ وذلك للاحتياط؛ إذ لو اعتبرت بالأشهر لنقصت، ولأنه لما صادف ابتداء العدة بعض الأشهر لا يمكن احتساب الشهر الأول بالهلال بيقين، بل يعد بالأيام؛ فيلغى اعتبار التقدير بالأهلة؛ لأنه لا يقدر في الأمر الواحد بتقديرين مختلفين] اهـ.
وهذا الخلاف جارٍ عند إمكان حساب العدة بالأشهر، فأما إذا تعذر ذلك فقد نص الفقهاء على احتسابها حينئذ بالعدد مائة وثلاثين يومًا:
قال الإمام الشافعي في "الأم" (5/ 240): [ولو كانت محبوسة أو عمياء لا ترى الهلال ولا تخبر عنه أو أطبق عليها الغيم اعتدت بالأيام على الكمال الأربعة الأشهر مائة وعشرين يومًا والعشر بعدها عشر فذلك مائة وثلاثون يومًا] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "الغرر البهية" (4/ 347، ط. المكتبة اليمنية): [وتعتبر الأشهر بالأهلة ما أمكن فإن جهلت استهلال الأهلة لحبس أو غيره اعتدت بمائة وثلاثين يومًا] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (8/ 105): [فإذا أمكن اعتبار الهلال اعتبروا وإذا تعذر، رجع إلى العدد] اهـ.
بناءً على ذلك: فإن عدة الوفاة تحسب بالأشهر الهجرية أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت الوفاة قد وقعت أول الشهر اتفاقًا، فإن وقعت بعد مضي جزء منه فالفقهاء مختلفون بين الاعتداد بالعدَدِ مائةً وثلاثين يومًا كاملة؛ كما هو الإمام أبي حنيفة ومن وافقه؛ أخذًا بالاحتياط وتسهيلًا على المعتدة في الحساب، وبين الاعتداد بالأهلة والأيام؛ كما هو قول جمهور الفقهاء؛ فتحسب الأشهر الثلاثة المتوسطة بالأهلة، أما الشهر الأول الناقص فتكمل أيامه بعد انتهاء الشهر الثالث ثلاثين يومًا، ثم تزاد عليه عشرة أيام. واعتداد المعتدة من وفاة بعدد الأيام مائةً وثلاثين يومًا على قول الإمام أبي حنيفة ومن وافقه أولى؛ احتياطًا وخروجًا من الخلاف.
والله سبحانه وتعالى أعلم.