حكم اغتصاب الأراضي عن طريق وضع اليد

  • المفتى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
  • تاريخ الصدور: 19 نوفمبر 2019
  • رقم الفتوى: 4929

السؤال

ما حكم اغتصاب أرض تمتلكها الدولة عن طريق ما يُسمَّى بوضع اليد؟ وماذا يفعل من حاز أرضًا بهذه الطريقة؟

الاستيلاء على الأرض عن طريق وضع اليد عليها -دون إذنٍ أو تصريحٍ أو ترخيصٍ- محرم شرعًا، وتزداد الحرمة والإثم إذا كانت تمتلكها الدولة؛ لأن الاعتداءَ على المال العام أفْحشُ وأسْوأُ من الاعتداء على المال الخاص، فالاعتداء الحاصل فيه هو اعتداءٌ على مجموع الأفراد، ولا يتوقَّف أثرُه السلبي على فرد بعينه، بل يعود على المجتمع ككل، وكل من غصب شيئًا لزمه ردُّه إن كان باقيًا، وإن تلف لزمه رد بدله؛ لأنه إن تعذَّر رد العين، وجب رد ما يقوم مقامها.

المحتويات

 

 

بيان المقصود بالأرض المملوكة للدولة ومعنى وضع اليد

المقصود بالأرض المملوكة للدولة: هي الأراضي التي لها طبيعة الملكية العامة للدولة، والتي خصصتها لمرافق عمومية أو هيئات إدارية؛ وذلك عن طريق إحدى الجهات الحكومية التابعة لها، وذلك مِثْل ما تملكه الهيئة العامة للمجتمعات العمرانية الجديدة، أو الهيئة العامة لاستصلاح الأراضي وما شابه. ينظر: "الوسيط في أموال الدولة العامة والخاصة" للدكتور/ إبراهيم عبد العزيز شيحا (1/ 33، ط. دار المطبوعات الجامعية).
ومعنى وضع اليد عليها: مجرد حيازتها وإشغالها، سواء استُغِلَّت بالفعل ببناءٍ عليها مَثَلًا، أو استصلاحها أو زراعتها، أو لم تُسْتَغَلَّ، وذلك كله على وجهٍ يَترتَّب عليه تَعطُّل انتفاع الدولة بها.

حكم التعدي على حقوق الغير

من المقرَّر شرعًا أنَّ الاعتداء على حقوق الغير مطلقًا، بأي وجه مِن وجوه الاعتداء محرم شرعًا؛ وذلك لأن فيه ظلمًا بيِّنًا وعدوانًا على حقوق الناس وأكلًا لها بالباطل، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل﴾ [النساء: 29]، ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» رواه الشيخان عن أبي بَكرةَ رضي الله عنه.

بيان المقصود بالغصب وحكمه 

من أنواع الاعتداء على حقوق الغير: الغصب؛ وفي ذلك يقول الإمام الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (5/ 273، ط. دار الفكر) نقلًا عن ابن رشد الجد: [التعدي على رقاب الأموال سبعة أقسام، لكل قسم منها حكم يخصه، وهي كلها مجمع على تحريمها، وهي: الحرابة، والغصب، والاختلاس، والسرقة، والخيانة، والإدلال، والجحد] اهـ.
والغصْب هو أخذ الشيء ظلمًا وقهرًا بغير حق، وهو محرم؛ قال ابن منظور في "لسان العرب" (1/ 648، ط. دار صادر): [الغصب: أخذ الشيء ظلمًا.. وهو أخذ مال الغير ظلمًا وعدوانًا] اهـ.
وقال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (11/ 49، ط. دار المعرفة): [(اعلم) بأن الاغتصاب أخذ مال الغير بما هو عدوان من الأسباب، واللفظ مستعمل لغة في كل باب مَالًا كَانَ المأخوذ أو غير مال. يقال: غصبت زوجة فلان وولده، ولكن في الشرع تمام حكم الغصب يخْتصُّ بكون المأخوذ مالًا متقومًا، ثم هو فعل محرم؛ لأنه عدوان وظلم] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "الغرر البهية في شرح البهجة الوردية" (3/ 243، ط. المطبعة الميمنية): [(باب الغصب).. وهو لغة: أخذ الشيء ظلمًا، وشرعًا: الاستيلاء على حق الغير عدوانًا] اهـ.
وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "دقائق أولي النهى" (2/ 296، ط. عالم الكتب): [(باب الغصب).. وهو لغة: أخذ الشيء ظلمًا، قاله الجوهري وابن سيده. وشرعًا: (استيلاء غير حربي) بفعل يعد استيلاء (عرفًا على حق غيره قهرًا بغير حق)] اهـ.
والأصل في تحريمه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب؛ فقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل﴾ [البقرة: 188]، وأما السنة المطهرة، فعن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ- حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا -أَوْ ضُلَّالًا- يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" ولفظه للإمام البخاري.
وأما الإجماع فنقله الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (5/ 177، ط. مكتبة القاهرة): فقال: [وأجمع المسلمون على تحريم الغصب في الجملة] اهـ.

التحذير من الاستيلاء على أرض الغير ونصوص الفقهاء الواردة في ذلك

من جملة الغصب المحرَّم: الاستيلاء على أرض الغير بدون وجه حق؛ فهو من الظلم الذي يجب التَّحَلُّل والتَّخَلُّص منه؛ فقد توعَّد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يغتصب ولو شبرًا من أرض ليس له حق فيها بالعقاب الشديد؛ روى الشيخان في "صحيحيهما" واللفظ للإمام مسلم عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه أنَّ أَرْوَى بنت أُويس خاصمته في بعض داره، فقال: دعوها وإياها؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ»، وفي رواية أخرى: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»، وفي "مسند الإمام أحمد" عن أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَعْظَمُ الْغُلُولِ عِنْدَ اللهِ ذِرَاعٌ مِنَ الْأَرْضِ، تَجِدُونَ الرَّجُلَيْنِ جَارَيْنِ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي الدَّارِ، فَيَقْتَطِعُ أَحَدُهُمَا مِنْ حَظِّ صَاحِبِهِ ذِرَاعًا، فَإِذَا اقْتَطَعَهُ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
ولذلك يرى فقهاء المذاهب الأربعة أَنَّ مَنْ غصب شيئًا لزمه ردُّه ما كان باقيًا، وإن تلف لزمه رد بدله؛ لأنه إن تعذَّر رد العين، وجب رد ما يقوم مقامها في المالية؛ قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (11/ 49، ط. دار المعرفة): [حكم الغصب.. محرم؛ لأنه عدوان وظلم، وقد تأكدت حرمته في الشرع بالكتاب والسنة... (فثبت) أن الفعل عدوان محرم في المال، كهو في النفس؛ ولهذا يتعلق به المأثم في الآخرة كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»] اهـ.
وقال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (11/ 190، ط. دار الكتب العلمية): [(وعلى الغاصب رد العين المغصوبة، معناه ما دام قائمًا) ش: أي ما دام المغصوب قائمًا يعني ما دامت عينه موجودة، وهذا لا خلاف فيه؛ لقوله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُد»] اهـ.
وقال الإمام الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (2/ 524، ط. دار المعارف): [ويرد المغصوب أو المسروق لربه] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (14/ 232، ط. دار الفكر): [وأجمع المسلمون على تحريم الغصب في الجملة، وإنما اختلفوا في فروع منه، فإذا ثبت هذا فإن من غصب شيئًا لزمه ردُّه؛ لحديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «على اليد ما أخذت حتى ترده»] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في "المغني" (5/ 177، ط. مكتبة القاهرة): [وأجمع المسلمون على تحريم الغصب في الجملة.. إذا ثبت هذا، فمن غصب شيئًا لزمه رده ما كان باقيًا بغير خلاف نعلمه.. ولأن حق المغصوب منه متعلق بعين ماله وماليته، ولا يتحقق ذلك إلا برده. فإن تلف في يده، لزمه بدله؛ لقول الله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: 194]، ولأنه لما تعذَّر ردُّ العين، وجب رد ما يقوم مقامها في المالية] اهـ.
والاستيلاء على الأرض وحيازتها عن طريق ما يُسمَّى بوضع اليد دون إذنٍ أو تصريحٍ أو ترخيصٍ؛ يُعدُّ اغتصابًا لها بغير حق، وهذا محرم، سواء كانت الأرض يمتلكها شخص بعينه، أو تمتلكها الدولة؛ ولا يُعدُّ ذلك من قبيل الإحياء الذي رغب فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الأرض المستولى عليها بهذه الصفة المتقدمة، إن كانت غير قابلة للإحياء، وذلك كما إذا كانت مملوكة لأحدٍ، أو حقًّا خاصًّا له، أو كانت داخل البلد- فقد أجمع الفقهاء على أنها لا تكون مواتًا أصلًا؛ فلا يجوز إحياؤها.
أَمَّا إذا كانت هذه الأرض المستولى عليها قابلة للإحياء؛ فلا يجوز أيضًا حيازتها بالصفة المتقدمة؛ وذلك لأن من شروط الأرض القابلة للإحياء: أن يكون الإحياء بإذن الإمام؛ فقد روى الإمامان أحمد في "مسنده" وأبو داود في "سننه" عن هشام بن عروة عن أبيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ»، قَالَ مَالِكٌ: وَالْعِرْقُ الظَّالِمُ: كُلُّ مَا احْتُفِرَ أَوْ أُخِذَ أَوْ غُرِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ.
قال العلامة الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (5/ 1973، ط. دار الفكر): [«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً»، أي: غير مملوكة لمسلم، ولم يتعلق لمصلحة بلدة أو قرية بأن يكون مركض دوابهم مثلًا «فَهِيَ لَهُ»، أي: صارت تلك الأرض مملوكة له، لكن إذن الإمام شرط له عند أبي حنيفة رحمه الله.. وفيه أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِهِ»، يدل على اشتراط الإذن، فيحمل المطلق عليه؛ لأنهما في حادثة واحدة] اهـ.

موقف القانون من اغتصاب الأراضي عن طريق وضع اليد

قد نصَّ قانون العقوبات رقم (58) وفق آخر تعديلاته لسنة 2018م على أن: [كل من تعدَّى على أرض زراعية أو أرض فضاء أو مبانٍ مملوكة للدولة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو لوقف خيري أو لإحدى شركات القطاع العام أو لأية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة؛ وذلك بزراعتها أو غرسها أو إقامة إنشاءات عليها أو شغلها أو الانتفاع بها بأية صورة- يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألفين من الجنيهات أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويحكم على الجاني برد العقار المغتصب بما يكون عليه من مبانٍ أو غراس، أو برده مع إزالة ما عليه من تلك الأشياء على نفقته فضلًا عن دفع قيمة ما عاد عليه من منفعة، فإذا وقعت الجريمة بالتحايل أو نتيجة تقديم إقرارات، أو الإدلاء ببيانات غير صحيحة مع العلم بذلك تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين، وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتضاعف العقوبة المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين في حالة العود] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإن الاستيلاء على الأرض عن طريق وضع اليد عليها -دون إذنٍ أو تصريحٍ أو ترخيصٍ- محرم شرعًا، وتزداد الحرمة والإثم إذا كانت تمتلكها الدولة؛ لأن الاعتداءَ على المال العام أفْحشُ وأسْوأُ من الاعتداء على المال الخاص، فالاعتداء الحاصل فيه هو اعتداءٌ على مجموع الأفراد، ولا يتوقَّف أثرُه السلبي على فرد بعينه، بل يعود على المجتمع ككل، وكل من غصب شيئًا لزمه ردُّه إن كان باقيًا، وإن تلف لزمه رد بدله؛ لأنه إن تعذَّر رد العين، وجب رد ما يقوم مقامها.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى ذات صلة